قراءة في رواية العين الزجاجية لـ سحر ملص

قراءة في رواية العين الزجاجية لـ سحر ملص
الرابط المختصر

احتفى منتدى الرواد الكبار مساء الثلاثاء برواية “العين الزجاجية"، الصادرة مؤخرا عن دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان، بمشاركة د.زياد أبو لبن ناقدا، كما قدم د.سليمان الأزرعي شهادة نقدية حول الرواية، في الندوة التي ادارها المدير التنفيذي للمنتدى عبدالله رضوان، واستهلت بكلمة رئيسة المنتدى هيفاء البشير، كما قدمت صاحبة رواية "العين الزجاجية" شهادة عن روايتها.

وقدم زياد أبولبن قراءة قال فيها:

تتحدد معالم الرواية منذ الصفحات الأولى، حيث أن الكاتبة سحر ملص تعمل على توجيه القارئ نحو محددات الرواية من خلال الزمان المفصح عنه في أول صفحة من بدء الرواية، وأيضاً من خلال المكان، فزمن الرواية لم يحدد بوقت وإنما ترك دون تحديد "الزمان: أمس.. اليوم.. أو الغد.. أو بعد عمر سحيق.. ومضة ضوء في قلب زجاجة.. ماذا يضير؟" ص7، أي ليس المهم تحديد إطار زمن، وهو الزمن الخارجي للرواية، في حين حُدد المكان "مستشفى العيون" كتحديد جزئي لا ينفتح على سعة المكان الكلي.

ولا ينشغل كثيراً القارئ في تحديد الزمان والمكان الخارجيين، وإنما الزمن السردي هو الذي يدفعه اتجاه التطور السريع في رصد الحدث، والحدث يقوم على بداية ونهاية مغلقة، فالبداية تتحدد بإجراء عملية في العين لزرع عين زجاجية، وهذا ما ينكشف عنه عنوان الرواية "العين الزجاجية"، والنهاية فشل العملية وحدوث خلل طبي يودي بحياة الشخصية الرئيسية (الرواي العليم)، وعندها نكتشف أن أحداث الرواية ترتبط تماماً بالمصير نفسه.

وأثناء تطور الأحداث وتسارعها ننشغل في تحديد الزمن الداخلي، وذلك من خلال الاسترجاع والاستباق الذي يكشف عن فضاء الرواية، فالعودة إلى دمشق وحواريها يأخذ نصف صفحات الرواية تقريباً (من صفحة 1-72)، في حين عمان وجبالها تشغل النص الثاني من الرواية (من صفحة 73- 159)، وكأنّ المكان انقسم إلى قسمين بيّنين، في حين الزمن قد تشظى (أقصد الزمن الداخلي).

تسعى الرواية للسير في سرد متقطع لا ينتظمه خط سردي واحد، وإنما تتوالد الأحداث بشكل متشعب، كي تسعى الرواية إلى تحطيم الزمن وتكسير السرد النمطي، لتنهض الرواية وفق منظورها الخاص، لذلك تعالج موضوعاً إنسانياً في نسيج علاقاته الاجتماعية المرتبطة بالمكان، فهي رواية تعمل على تشخيص عوالم المجتمع وقضاياه، فهي رواية تخلق واقعاً "خيالياً" لكن هذا الخيال له مقومات الواقع الحقيقي، وهذا ما نتبينه من خلال الخط الأسود الغامق في الرواية، والذي حدد بقوسين معقوفين، فتتوالد الأحداث ويتداخل معها سرد متقطّع، كي يتشابك الحدث الخارجي مع الحدث الداخلي، هناك عملية جراحية في مستشفى العيون تتحدد من بدء الرواية تحديداً خارجياً ينهض بالرواية نحو حدث داخلي ينحصر في ذكريات الطفولة في دمشق وحواريها، وينفلت في ذكريات عمان إلى مرحلة الشباب الذي ينتهي بالموت، وقد ارتبط الموت بالمأساة الإنسانية التي آلت إليها هناء (لسان حال الراوي العليم) بعدما فقدت الجدة التي كانت الرئة التي تتنفس منها هناء في حواري دمشق، ثم فقدت أختها، ثم أبيها، ثم أبيها، والفقد الأكبر كان لخطيبها التي انتظرت عودته بعد معركة "الكرامة"، فقد استشهد في تلك المعركة.

قامت الرواية على دمج الواقع التريخي بالمتخيل الروائي، حيث تشغل الرواية مساحة واسعة من الخيال الذي يقوم على مفهوم الخرافة لشعبية، فأخبار الماضي في الرواية تفرغ في شكل خرافي، كي تمحو الحدود والفواصل لينتفي بذلك التاريخ الحقيقي، وتميل الرواية لبناء عالمها الخاص أو الذاتي رغم حفاظها على بعض علامات التاريخ، نلحط نسيج الخرافة الشعبية يبرز في النصف الأول من الرواية، أي في دمشق وحواريها، ولعل هذا مرتبط بمرحلة الطفولة التي عاشتها هناء (الرواي العليم)، ومثال ذلك شخصية "عبد الفتاح" التي يصل حدّ الجنون، بعد أن سرق أخوه "الذهبات" التي اكتنزها عبد الفتاح في سنوات عمره، ليهرب أخوه إلى عمان ويُنشئ معمل بلاط: "كانت الأغنام تقطع سكة الحديد.. عندما أسرع وراءها وراح يصيح على الراعي: كرمال الله شربة ميّ. نظر إليه الراعي تأمله ملياً ثم أعطاه قربة ماء..

- عندك قرون تيس؟

- لماذا تريدها.

- لأني مريض وأخبرني أحدهم إن غليتها وشربت ماءها شفيت.

- ألا تخشى أت تصير تيساً صاح الراعي ثم ضحك وأسرع يخرج له من خرج الحمار قرني تيس سلمها له وعاود السير.

- الحمد لله اللي ما عرف ليش بدي إياها.. بس لازم لاقي العلامة..." ص32.

ومثال آخر اختفاء "أمونة" وجنون أمها، أمونة الفتاة الفاتنة بجسدها وهي تستحم مع الفتيات في أحد حمامات دمشق العتيقة، وقد اختطفها المارد الجني الذي أرسله الملك الأزرق. ومثال ثالث بركات الجدة التي تشفي النسوة اللواتي يجف حليبهن ويمتنع الأطفال عن الرضاعة، وأكثر تلك الفتاة البكر غير المتزوجة التي أرضعت الطفل من حليبها، وقد كانت هذه الحادثة اختبار لقدرات الجدة الطاهرة. ومثال رابع حديث هناء مع جدتها عن الجان الذي يسكن البئر، وأصص الزرع المسكون بالجان. ومثال خامس أم أحمد التي تسعى للحصول على ماء البئر لتسقي ابنها أحمد كي يشفى من مرضه. ومثال سادس أم هناء لحظة مجيئ مخاضها، فقد استعانت بثوب أخيها الرجل الصالح، الذي نذر نفسه لله ولم يتزوج وانقطع لعبادة الرحمن. وهناك صور خرافية تتوزع الجزء الأول من الرواية في خيالات طفلة، حدّ أن هذا الجزء كاد أن يتحول لرواية خرافية، رغم اللحظات التاريخية التي تمثلت في معركة ميسلون من خلال شخصية يوسف العظمة، والانتهاء بالاحتلال الفرنسي بقيادة "غورو".

تُجزّأ الرواية إلى 23 رقماً مكتوباً، في حين أخذت بعض الأرقام عناوين فرعية داخل الرواية، لمحاولة إلغاء سطوة العنوان الرئيسي، لينفتح النص على عوالم أكثر خصوصية، ومن هذه العناوين : دمشق 1952، أمّونة، عمان 1957، معركة الكرامة، مدينة الحجاج 1979.

تبقى رواية "العين الزجاجية" لسحر ملص رواية تمزج الواقعي بالخرافي، والتاريخي بالواقعي، في محاولة محو الحدود والفواصل كي تؤسس عالماً ينتفي فيه التاريخ كحقيقة. وهي من الروايات اللافة للنظر في التي ظهرت في السنتين الأخيرتين.

د.سليمان الأزرعي: عن "العين الزجاجية"

الأوساط الثقافية الأردنية عرفت سحر ملص ككاتبة بامتياز لإضافة إلى مساهماتها الكتابية في المكان وكذلك بعض انجازاتها الكتابية في مجال الكتابة العلمية ، وأهمها الكتابة في مجال العقاقير والنباتات الطبية وذلك بحكم اختصاصها كصيدلانية - حسب علمي .لكن صورتها الأبرز في مجال الكتابة هي بالتحديد في القصة فقد أصدرت الكاتبة إحدى عشرة مجموعة قصصية بدأتها بمجموعتها ( شقائق النعمان -1989 ) وآخرها (الفء -2012 ) .

نحن أمام أول عمل روائي للكاتبة بعد إحدى عشرة مجموعة قصصية ... نحن مع هذا العمل أمام قاصة محترفة تقتحم عالم الرواية لأول مرة ولقد تجلى هذا البعد ( القصصي ) في هذه الرواية من خلال لجوء الكاتبة الى اعتماد اللوحات شبه القصصية لإنجاز عملها الروائي ، حيث جاءت الرواية في ثلاث وعشرين لوحة حمل بعضها عنوانا وغالبيتها أرقاماً متسلسلة .

( لوحة الكرامة ) تكاد تكون تقريرا عسكريا يتضمن عدد الشهداء والخسائر المادية للعدد وهي لوحة غزلية بتلك المآثر الخالدة التي سطرها الجندي الأردني والمقاومة الشعبية أكثر من كونها لوحة سردية ترفد السياق الروائي وتدعم بنيانه .

صفـــ36ــــحة تتمطى دمشق تنفث ياسمينها ... تفتح أبواب بيوتها ليخرج الناس إلى أعمالهم ... ساحة المرجة ... هدير العربات التي تجرها الأحصنة وصوت الترامواي والسكة الحديدية التي تتعرج في المدينة تشبه رسوم الأطفال .. سوق الهال .. رائحة الشمام الممتزجة برائحة التين والنعناع وكأن الشام بكل خصوبتها وأنهارها السبعة وغوطتها تجود في موسم الصيف ، بفواكه كأنها أتية من الجنة .. هل هذه اللغة الأدبية التعبيرية الراقية عائدة إلى عبقرية المكان وقدرته على الإلهام أم هي عائدة إلى مهارة حرفية خاصة بالمبدع ؟؟ أم أن هذين العنصرين تشاركا بشكل غط مع حساسية المبدع وتنامي عنايته وتعامله مع المكان .

أشير إلى عنصر فني حاسم في تحقيق هذا النجاح الروائي ، وهو الأسلوب السردي القائم على انتخاب اسلوب المراوحة بالبطلة مابين الهذيان واليقظة .. فقد تأتي الهذيان من شدة الوقوع في المرض تارة وتارة أخرى من تأثير البنج استعداداً لعملية اقتلاع العين التالفة واستبدالها بعين زجاجية انتهت بالرواية الى الوفاة حيث تم اقفال الرواية ... ان هذا التكنيك قد حقق للرواية كل سبل التجاوز فقد تداخل الأسطوري بالواقعي الموهوم القادم في الأصل من الثقافة الشعبية والوهم الخرافي حتى باتت مخرجات هذا التداخل جزءاً لايتجزأ من البنيان الروائي .. وأكثر من ذلك فقد بات الواقع اسطورياً والأسطورة واقعاً .. ولم يعد ثمة فاصل بين الواقع والأسطورة ، أي بين مادة الواقع ومادة الهذيان ولقد كان لهذا الأنتخاب الفني الشجاع نتائج حاسمة في تفوق الرواية ونجاحها .

هذه هي الرواية الأولى ، القاصة أصدرت إحدى عشر مجموعة قصصية ولابد من ظهور آثار مرجعياتها الإبداعية في هذا الجنس الأدبي ... وأرى أن العمل الروائي القادم – بالتأكيد – سيكون أكثر نضجاً وأكثر تحرراً من التبعيات والماقبليات .... وسيكون عملاً روائياً مستقلاً بكل مافي الكلمة من معنى .

أضف تعليقك