فلسطين في السينما العالمية: محاولة لتوثيق المأساة
في حفل توزيع جوائز الأوسكار 1978 صعد النجم الشاب، آنذاك، جون ترافولتا، ليسلم أول جائزة في الحفل وهي أفضل ممثلة في دور ثان، وأعلن أن الفائزة هي الإنجليزية فانيسا ريدجريف عن دورها في فيلم Julia.
صعدت ريدجريف إلى المسرح، ثم توجهت بالشكر إلى الحاضرين الذين منحوها الجائزة، دون خوف من تهديدات "العصابات الصهيونية" التي كانت قد شنت حملة هائلة ضد ريدجريف، خلال الشهور السابقة بسبب فيلم آخر وثائقي، قامت بإنتاجه من خلال شركتها الخاصة، ولعبت فيه دور المعلق والمحاور، كان عنوانه The Palestinian (الفلسطيني)، إخراج روي باترسبي.
يدور The Palestinian بين مخيمات الفلسطينيين ومعسكرات تدريب الفدائيين، ويتحدث فيه كل من ياسر عرفات وعدد من قادة منظمة التحرير الفلسطينية، ويرصد بالتفصيل واحدة من أبشع المذابح التي جرت بحق الفلسطينيين، وهي مجزرة تل الزعتر 1976.
وينتهي الفيلم بمشهدين مثيرين: فانيسا ريدجريف تحمل البندقية، وترقص بها في حفل شعبي وسط الفلسطينيين، ومشهد ختامي يقوم فيه صبي فلسطيني بتعبئة البندقية وهو معصوب العينين، في إشارة إلى استمرار الكفاح المسلح.
فانيسا.. حتى النهاية
ويبدو أنه بسبب رصده للمذبحة التي كانت حديث العالم آنذاك، (كانت المرة الأولى، وليست الأخيرة، التي ينتبه فيها العالم إلى الفلسطينيين بسبب مذبحة)، وربما أيضا بسبب شهرة ريدجريف كممثلة، فقد عرض الفيلم في نسخة مدتها 66 دقيقة في التليفزيون البريطاني، مما تسبب في إصابة الموالين لإسرائيل والصهيونية بالجنون، وراحوا يشنون حملة مسعورة ضد ريد جريف، وصلت إلى محاولة إثناء أعضاء الأكاديمية عن التصويت لصالحها.
ورغم أن هذه المحاولة فشلت، إلا أن الحملة زادت عقب فوز ريدجريف، بسبب خطبتها اللاذعة التي ساوت فيها بين الكفاح ضد معاداة السامية، والكفاح ضد الفاشية الإسرائيلية، وهو ما تسبب في مقاطعة ومحاصرة الممثلة الكبيرة لسنوات طويلة، ولكنها لم تعتذر أبدا عما قالته، ولم تزل في حوارات حديثة تدافع عن الفلسطينيين ضد "الفاشية الإسرائيلية".
لم يكن The Palestinian أول فيلم يصنعه مخرج أجنبي عن القضية الفلسطينية، وإن كان الأول الذي يوزع ويٌشاهد على نطاق واسع.
جودار.. الأشهر
أما أول عمل يصنعه مخرج غربي عن فلسطين فهو We are All Freedom Fighters (كلنا فدائيون) للإيطالي لويجي بيريللي، والذي عرف بأفلامه الوثائقية والروائية ذات المضمون السياسي والاجتماعي، والفيلم الذي يعود إنتاجه إلى 1969، ومن الطريف أن العام نفسه شهد صنع وثائقي آخر عن فلسطين بتوقيع 3 مخرجين إيطاليين هم أوجو أديلاردي، كارلو سكيليونو وباولو سوماجا، وحمل عنوان The Long March of Return (مسيرة العودة الطويلة).
وفي دراسة عن السينما الفلسطينية، يورد الناقد يوسف يوسف أسماء 801 فيلماً وثائقياً وروائياً صنعها غير فلسطينيين (عرب وأجانب)، عن القضية الفلسطينية من بدايتها وحتى 1987 (طبعا هذا العدد تضاعف مرات الآن).
أما أشهر مخرج صنع فيلم عن فلسطين فهو الراحل جان لوك جودار، الذي عرف بمعاداته للإمبريالية الأميركية، ومناصرته لقضايا التحرير في العالم ومنها فلسطين، وفي 1976، قبل فيلم ريدجريف بشهور، وتأثراً بمذبحة "تل الزعتر" أيضاً، توجه جودار إلى المخيمات الفلسطينية ليصنع فيلمه الوثائقي Here and Elsewhere (هنا وهناك)، الذي يصور حياة وتدريبات الفدائيين.
.Hanna K.. الأكثر تأثيراً
أما أشهر فيلم أجنبي صنع عن القضية فهو بلا جدال فيلم .Hanna K الذي صنعه المخرج اليوناني الشهير كوستا جافراس، ولعبت بطولته جيل كليبورج، ومحمد بكري في 1983، والذي يدور حول محامية إسرائيلية أمريكية من أسرة عانت من هولوكوست النازي، تعين كمحامية للدفاع عن شاب فلسطيني متهم بالإرهاب.
ويعرض الفيلم وجهة نظر الشاب والمحامية التي تدحض التهمة، وتردها على أصحابها، وترجع شهرة وتأثير هذا الفيلم بالطبع إلى كونه عملاً روائياً قام بصنعه مخرج كبير، حاصل على جائزتي أوسكار، بمشاركة نجوم معروفين، وتم توزيعه على نطاق عالمي واسع.
ومن أشهر الأفلام التي صنعت عن جرائم الإسرائيليين فيلم Rachel (راشيل) للمخرجة الفرنسية سيمون بيتون، عام 2009، ويتناول حياة الناشطة اليهودية المدافعة عن القضية الفلسطينية في 2003، والتي قُتلت على يد قوات الاحتلال عن طريق بلدوزر أثناء أحداث الانتفاضة الثانية.
من الأفلام الأكثر إنسانية عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فيلم Madri (أمهات) للمخرجة الإيطالية باربارا كوبيتسي، عام 2007، والذي يرصد لوعة الأمهات الفلسطينيات والإسرائيليات على أولادهن الذين يرحن ضحية هذه الحرب العبثية.
غزة.. الأكثر ألماً واهتماماً
كان من الطبيعي أن تلقى غزة، باعتبارها قلب الصراع منذ أكثر من عقدين، على اهتمام الكثير من صناع الأفلام الأجانب، وواحد من أوائل وأهم الأفلام التي صنعت عن غزة هو Gaza Strip (قطاع غزة)، عام 2002، للمخرج والمصور الأميركي جيمس لونجلي، المعروف في مجال السينما الوثائقية، خاصة بأفلامه التي تدور في مناطق الصراع في الشرق الأوسط وأفغانستان، ومن أشهر أعماله Iraq in Fragments الحاصل على العديد من الجوائز والذي رشح للأوسكار.
في فيلم Gaza Strip يرصد لونجلي بدايات الانتفاضة الثانية ضد الانتهاكات الإسرائيلية، من خلال صبي ينضم إلى المتظاهرين العزل الذي لا يملكون سوى إلقاء الحجارة في مواجهة الجنود المدججين بالسلاح. ومن يرغب في فهم خلفيات ما يحدث الآن، قد يحتاج إلى الرجوع إلى مشاهدة هذا الفيلم الهام الذي أتاحه لونجلي للمشاهدة مجانا على الإنترنت.
ويعد المخرج السويدي بير أكه هولمكويست، من أكثر السينمائيين في العالم الذين تخصصوا في صنع أفلام عن غزة، بداية بفيلمه Gaza Ghetto (جيتو غزة)، عام 1985، ثم فيلمه القصير The lion in Gaza (الأسد في غزة)، عام 1996، ثم بعده بـ4 أعوام فيلم Words and Stones Gaza (كلمة وحجر- غزة)، ثم في عام 2008 قدم فيلم Young Freud in Gaza (الشاب فرويد من غزة)، وحتى فيلمه البديع My Gaza (غزّتي)، عام 2009، والذي يروي فيه رحلته مع المدينة المنكوبة، وصداقته للفلسطيني مصطفى الحمداني وأسرته.
مخرج آخر متخصص في غزة هو صانع الأفلام الإيطالي إيمانويل جيروسا، الذي صنع فيلماً رائعاً عن الحياة في المدينة بعنوان Between Sisters (بين الشقيقات)، عام 2015، يتناول حياة الفتيات في المدينة التي نادراً ما يلتفت إليها أحد.
حصل الفيلم على الجائزة الكبرى من مهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية، من بين جوائز في مهرجانات عالمية أخرى، وعاد إلى المدينة التي يحبها ليصنع فيلما آخر بعنوان One More Jump (قفزة أخرى)، الذي يرصد فيه حياة شاب يهوى لعب "الوثب"، قرر البقاء في غزة حيث أسس فريقاً لممارسة اللعبة يضم عدداً كبيراً من الصبية.
من الأفلام الهامة التي صنعت عن غزة فيلم Born in Gaza (مولود في غزة)، للمخرج الإسباني هيرنان زين، عام 2014، والمتوفر على منصة نتفلكس.
ويرصد الفيلم حياة عدد من الصبية والصبايا الصغار، الذين يعانون الفقر وفقدان أحبتهم من أصدقاء وأهل على يد الإسرائيليين، وأحلامهم بتغير الأوضاع، أو الخروج، أو الانضمام إلى المقاومة.
ومن أفضل الأفلام العالمية التي صنعت عن فلسطين، وغزة تحديداً، فيلم Samouni Road (طريق السموني)، للمخرج الإيطالي ستيفانو سافونا، عام 2018، الذي عرض في قسم أسبوعي المخرجين بمهرجان كان، وحظي باستقبال رائع، وهو حاصل على تقييم 100% على موقع Rotten Tomatoes.
ويرصد الفيلم في مزيج فني من التمثيل والرسوم المتحركة والمواد الوثائقية، إحدى المذابح التي ارتكبتها إسرائيل، وبالتحديد قتل 21 شخصاً من عائلة السموني، المزارعين البسطاء، أثناء غزو القطاع في 2009.
* ناقد فني