عن مشوح وملوح 

الرابط المختصر





لا أملك النفس لتحطيم الآخرين لأجل التباهي، هذه الجملة خطرت ببالي خلال متابعتي أولى حلقات مسلسل "مشوح وملوح " من كتابة وليد عليمات. ففي بلادنا كل شيء حُطم وصار الفعل وسيلة للاستبداد والاستغلال. 

قبل أشهر انتقدت بلال العجارمة - عجبت عليه بأدب - تحمل الشاب ذلك بصدر رحب، أما الشاب عمر الطراونة فإنني لا أملك اتصالًا أو معرفة به، فيما وليد عليمات كاتب النص رفيق وصديق الأيام وبعض من ألم، وأملك القدرة على انتقاده وهو يضحك من بعيد، قدرة تجعلني استقبل مكالمته، لنزيد من جرعة الضحك. 

تجربة الثلاثي جيدة رغم ما فيها من سلبيات - كاللغة مثلا فالاردن ليست دولة بدوية واللغة ليست بدوية بقدر ما هي فلاحية اساساً - يمكن تشجيعها وتبني أفكار جديدة من خلالها في القادم من الأيام، لكن ما قيمة تحطيمها، أو ما أهمية اشتعال نيران " الفزعة " لرفعها، دون وعي لحقيقة ما يجري في بلادنا.  

لنتحدث بصراحة، البعض " غمز  " من جانب النص وتأثر الكاتب ببعض الأعمال العربية، هذا البعض ربما لا يدري أن أنجح الأفلام والمسلسلات الأمريكية كما " ثلاثية الدولار " جاءت من إيطاليا وغيرها جاء اليابان خصوصا " المتأثرة بالانمي " كما " افاتار " او " ماتركس " او " سوبر مان "  وأمريكا الجنوبية وكوريا، حيث يتم نقل الأفكار بحذافيرها، لكن القيمة المثالية ليست في النص بل في قدرة المخرج على صناعة جمل إخراجية تحاكي النص باحتراف، باستخدام أدوات تقنية جيدة. من يدري أن كاميرا و طائرة " درون " نوع سوني الخاصة بالتصوير ثمنها ما يقارب 15 ألف، تستخدم حاليا في غالبية الأفلام والفضائيات وقادرة على تصوير مشاهد " جوية " غاية بالاحتراف، من هنا قبل أن ننتقد النص لابد من انتقاد المخرج والتلفزيون بذاته الذي صور المسلسل بكاميرا واحدة - ربما - أكل عليها الدهر وشرب، في عالم تعدى هذه الأدوات إلى تقنيات 4k و 8k .

في الأردن كالعادة هناك أزمة سيناريو، يغيب الكتاب - يظهر البعض فيما بعد -  عن إنتاج أعمال تحاكي واقع البلد، لذا يذهب الأغلبية من الكتاب إلى حيث فضاء " الكوميديا " للهروب من القضايا الأساسية من فقر وجوع وسياسة واقتصاد، في زمن صارت الدولة لا تملك فيه نفسًا طويلًا وسعة صدر للاحتمال، فهل تتخيلون كوميديا أو دراما تتحدث عن الفساد، عن السجون، عن البنوك، عن بعض القوانين، عن المديونية الحكومية والشعبية، عن الموارد ، هل تتخيلون أن كل هذه العناوين قادرة على المرور بشكل سلس من تحت أيادي الرقيب دون أن يتعرض أصحابها للسؤال والمنع والتهميش والإقصاء لاحقًا، سيما وأن مراقب المشهد العام ليس مختصاً، بقدر ما هو رجل " الأمن " طلب منه تقييم البرامج وتوجيهها لخدمة توجهات الحكومة ومشاريعها التي ترى أن القوى الناعمة المحلية ليست إلا تهديد وجودي لبقائها.

 في الحقيقة الدراما والأكشن و " الإغراء "  من اختصاص الحكومات وقد اقسمت أن لا تشارك ذلك مع أحد، فهي تمثل دور الكاتب والسيناريو والمخرج والمصور والممثل، لإنتاج مشهد مستمر من سيطرة " الأخ الأكبر " ورقابته.  

زمن أم الكروم انتهى مقابل زمن الديجيتال والليبرالية المتوحشة ورأسمال الجشع، زمن القرى الجميلة وحكايتها والبادية وقصصها انتهت ليحل مكانها زمن " الغيتو " الخاص بالاثرياء وكبار المسؤولين والشخصيات " غيتو " محصور بهم، يمنعون من خلاله خلق أي حالة لنقاش عام توضح ما يجري في " عالمنا " اليوم!

رغم كل المحددات التي رافقت سابقًا مسلسل " مشوح وملوح " وغيره من الانتاجات الأردنية إلا أنه انعكاس للحالة العامة التي يعيشها الآخر حاليا - حتى وإن تهربنا من قول الحقيقة - انعكاس لحالة التشظي الذي يعيشه الاردن، وحالة اللاهوية، وهذا ليس بجديد، فهل يمكن خلق بديل أو هل يسمح " الرقيب " بخلق بديل ينافس الآخرين، وهل يملك الرقيب ذاته القدرة على إدارة " الصراع " مع ذاته لإنتاج حقيقة ربما تسهم خلق دراما أردنية جيدة، وتعليم جيد، وصحة جيدة واقتصاد جيد، وسياسة جيدة وحكومة جيدة .... تتوهم أكثر مما تعمل، وتغضب اكثر مما تبتسم !