"شرفة الفِردَوس" المشي على خط التماس

"شرفة الفِردَوس" المشي على خط التماس
الرابط المختصر

تدور رواية إبراهيم نصر الله "شرفة الفِردَوس" حول فكرة المشي على خط التماس بين سؤالين: الأول يبحث في مقدرة الشخصيّة الروائية على التمرّد على الدور المعد لها في مخيلة الكاتب؟ فيما يخص السؤال الثاني شخصيات الحياة: هل يمكنها أن تكسر الصورة المرسومة لها بعناية أو -على الأقل- أن تجري تعديلا على المسار المقرر لها أن تذهب فيه؟.

 

 

وفي المساحة التي يخلقها المزج بين السؤالين تطرح الرواية أسئلة شديدة الحساسية عن الخلق والوجود وشرعية التمرّد على السلطة. وفيما تطرح الرواية أسئلتها عن سلطة الكاتب يتوّلد لدى القارئ أسئلة أكثر خطورة عن سلطة فوقية رسمت له حياته وحددت دوره فيها. ويتضح ذلك من المقولة التي صدّر بها نصر الله روايته: "وما نحن إلا أناس لا مرايا لهم، رسموا لنا صورنا فصدّقناها!"، إذ تشتغل الرواية منذ البداية على أن تكون محاولة مشرعة لإحداث تحريض جمعي على الوقوف أمام المرآة !
أحداث الرواية تجري في أجواء يلفها الغموض ، إذ توقف "حياة" –الشخصية الرئيسية في الرواية- سيارتها أمام عمارة "الفردوس" وتقوم باستئجار الطابق السابع فيها دون تسويغ مسبّق للحدث، حتى أن حياة ذاتها تبدو مستغربة مما فعلته. وفي العمارة ستدخل حياة في متاهة من الأحداث المبهمة التي تفقد تفسيراتها المنطقية، وذلك في إطار العلاقة مع السيد قاسم مالك العمارة والكاتب الذي يمثل كل سلطة فوقية تحاول السيطرة على مسار الأحداث وإخضاعها وفق رغبتها وشروطها.

 

 

لذلك ستجد حياة نفسها محرومة من الإقامة في الطابق السابع عندما حاولت أن تمنح القداسة لحب غير موجه إلى السلطة الفوقية، لتهبط للإقامة في شقة أصغر تقع في الطابق الثاني من العمارة ذاتها. وعندما ستواصل حياة التمسك بالدور التي تريده لشخصيتها إلى جانب الحب، رافضة الدور الذي كتبه لها السيد قاسم إلى جانبه، سيتم إرسال خطيبها في رحلة عمل ليموت في ظروف غامضة.
ولن يكتفي بذلك بل ستتعرض هي لّلعنة/المسخ على يده، إذ ستُستبدل ملامح حياة الجميلة بملامح صديقتها "دنيا" ذات البثور الكثيرة، وستحمل الأخيرة ملامح حياة ويتم رفعها إلى الطابق السابع لتعيش الدور المرسوم لصديقتها. وستواصل حياة الدخول في المتاهة الغامضة التي تحيلنا –طوال صفحات الرواية- إلى المتاهة التي يدخلها "جوزيف.ك" بطل كافكا في "المحاكمة" وذلك على مستوى طريقة السرد وأيضا مستوى الأفق الذي تتحرك فيه الشخصيات.
غير أنّ إبراهيم نصر الله –في شرفة الفردوس- ينتصر لبطلة روايته، فنجده ينزع المسخ عن حياة ويعيد إليها ملامحها، كما أنها تواصل صراعها ورفضها الاستسلام لتصبح أمل كل شخصيات الرواية التي كان السيد قاسم يحاول كتابتها، لتنجح أخيرا في حرف مسار الأحداث إلى النهاية التي أرادتها كاسرة الصورة المرسومة لها.