يمر سرب من الطيور فيعطل محركي طائرة مدنية يقودها الطيار صاحب الخبرة الطويلة سولي، لديه أقل من 35 ثانية ليتخذ قراره بالعودة إلى المطار أو البحث عن حل ينقذ به أرواح ركابه وطاقمه، وفعلا يقرر الهبوط في نهر هدسون. يخلد الفيلم الحدث الحقيقي والأسطورة المدهشة التي حصلت في 15 كانون الثاني/يناير 2009.
محنة سولي وأحداث سبتمبر
يعاني سولي من كوابيس مزعجه تحرمه النوم والراحة، منها تحطم طائرته في مبان في نيويورك، فيدخلنا الفيلم إلى عالم مخيف ويعيد تذكيرنا بالأحداث الإرهابية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. ذلك جرّاء سلسلة طويلة من التحقيقات أمام هيئة سلامة النقل الوطنية، وكان السؤال هل ارتكب سولي (توم هانكس) ومساعده جيف (آرون إيكهارت) خطأ؟ هذا البطل من وجهة نظر الناس، والمدان من وجهة نظر هيئة التحقيق المسؤولة، ويكاد يفقد مهنته ومعها مستقبله.
من الحدث إلى الشخصية
كعادة كلينت إيستوود في الآونة الأخيرة، وهو تناوله الحكايات التي تعتمد الأحداث الحقيقية، والتعامل معها وفق وجهة نظره واعتقاداته الفنية، وهو ما يوضح كمثال حي كيفية تناول حدث حقيقي على شاشة السينما، وكيفية تأويله. إضافة إلى أن إيستوود ما يهمه دائماً هو الحِس والصراع الإنساني في الحكاية. من هنا كان الاهتمام بحالة الشخصية، ويقترب الفيلم من تصوير حالة القلق والاضطراب النفسي للشخصية الرئيسية، سولي الذي كان متأكدا من صواب قراره، وكان همه الأول إنقاذ الأرواح التي على متن طائرته. يتناول إيستوود موضوع الحادث ويعالجه بحرية ولم يقيد نفسه بتفاصيل مربكة، هذه الجرأة مكنته من التركيز على الصراع داخل الشخصية الرئيسية وجعل خيالاته المدمرة حية ونشيطة منذ اللقطة الأولى، والأكثر رعبا أن أحداث معجزة هدسون وقعت بعد ثماني سنوات من هجمات 11 سبتمبر، أي لا تزال الصدمة حية في أذهان سكان نيويورك.
الروح الجماعي
ورغم تحول سولي إلى بطل شعبي، إلا أن الهيئة الرسمية لم تعترف ببطولته، فندخل في شبه متاهة غامضة، كوننا لسنا مع شخصية تدعي العبقرية والكمال، وليست بالخارقة، فقط فعل الرجل ما يجب عليه القيام به، وكما يمليه عليه ضميره. ولا يريد أن يثني عليه أحد، لكنه في الوقت نفسه من الظلم أن يتلقى العقاب. ورغم أن الفيلم يتناول الشخصية الرئيسية في المقام الأول، لكنه لم ينزلق لخلق إثارة مجانية، عمل إيستوود على تخليد الروح الجماعي، المتمثل في ما قام به كل من المنقذين ورجال الشرطة وطاقم الطائرة وركابها.
ونلاحظ كيفية نسج إيستوود للتفاصيل واللعب على ثنائية الحياة والموت وقد تقابلا في لحظات وجهاً لوجه، خاصة لحظة الهبوط في النهر، في ما يشبه النزول إلى الجحيم ولكن من أجل الحياة وهربا من جحيم أفظع كان سيسبب صــــدمة شعبية وخسائر فظيعة، لذلك شاهدنا الطائرة من الخارج أي هذا الهبوط المخيف من زوايا نظر مختلفة، ومن داخل الطائرة ارتبطنا بشخصيات تعرفنا عليها سريعا ومع ذلك شعرنا بها وصورها المخرج في هذه اللحظات العصيبة وهي تودعنا عندما تواجه الموت يبتسم لها ثم نلتقيها حية حيث يصعب وصف التعبير عن الأحاسيس فهناك من يضحك وهناك من يبكي وهناك من اخرسته الصدمة، نرى الكاميرا هي الأخرى كأنها نجت معهم فهي بعفوية تلتقط تعابير الوجوه ورجفة الأجساد وبريق العيون، لترتسم أمامنا على الشاشة لحظات ميلاد جديدة لأكثر من خمسمئة شخص هم ركاب وطاقم الطائرة.