ديوان "الليلُ سَيتركُ باب المقهى" لمحمد البريكي.... من نص شعري متخيل إلى حرية المخيال

وفي طريقي إلى الحصول على نسخة من ديوان الشعر (الليلُ سَيتركُ بابَ المقهى) للشاعر محمّد البريكي(عن دار موزاييك في اسطنبول) من شارع " الجاردنز " تكون عمّان كعادتها مزدحمة بسياراتها؛ وبهية في ذات الوقت؛ دخلت عمارة الزيتونة مقر دار يافا؛ وبعد السلام مع وائل ومعاونه ابن مخيم شلنر مراد سارة؛ وتجاذبنا بعض القول؛ استلمت الديوان وذهبت إلى حال سبيلي وركبت باص المؤسسة ومررنا بشارع حدائق الملك عبدالله وعلى يمين الشارع مقر دار أزمنة لصاحبها الراحل الروائي الياس فركوح؛ تذكرت رحلاتي شبه الدائمة والأحاديث التي تدور بيننا؛ قد يسأل سائل ما علاقة هذا بالديوان؛ لست معنياً بالبحث عن إجابة تقليدية؛ بل سأسترشد بما قاله شاعرنا وقبل ذلك لا بد من القول أليست الحياة عبارة عن مقهى؛ وفي قصيدة "العابرون" ينصت الشاعر لنبض العبور قائلاً: (ونحنُ اليتامى الذينَ إذا ذُكِرَ العابرونَ على الغيمِ والفاتحونَ ومن حوّلوا رملةَ البيدِ مجداً ص٦٦)٠

أحببنا أن نبدأ قراءتنا عن تجليات قيمة المكان لهذا الديوان ببيان الوظائف التي تنهض بها تلك الرؤى التي تروم تحقيقها كما اختار الشاعر محمّد البريكي في قصيدته "ضفاف الحياة " : ( هكذا عقربُ الزمانِ سيمضي

مُضغةً كانَ ٠٠٠ والنهايةُ رجْفَهْ ص٩)٠

إذن الشاعر تولد في ذهنه عدم الاكتفاء بالمكان كرمزية شعرية وفقط ؛ لأن له رغبة في العيش ورؤية الجمال هو كذلك، والشاعر معنى وصورة وتاريخاً ومدوّنة فلسفية، خاصة إذا ما تعلق القصيد بفضاء مفتوح كالبحر كما فعل الشاعر البريكي في قصيدته "أنا البحر" ، فقد قدم نص شعري خلفيته قص ومدخله سرد روائي؛ هذا التشابك لم يأتِ من باب المصادفة أو التزيد؛ بل نمى عن حفر لسؤال حارق هل هناك ماهية للحياة؟ ورغم أنف الآلة المادية الغاشمة انصبَّ البريكي في نحت الأنا على الشكل الآتي: (أبحثُ عن طابقٍ خلّفَ الأربعينَ

إلى طابقٍ لا يؤثَثُ بالدمعِ، تدخلُ مهرةُ قلبي بلا شهقةٍ خاسرةْ ص٣٣) ٠

محمّد البريكي في ديوانه "الليلُ سَيتركُ بابَ المقهى" كون بكل اعوجاجاته الهندسية الخلابة التي تدفع الإنسان للشعور بمتعة الاحتواء، كما قابلة للانصهار والتصلب لتكون بدورها محتوى داخل النص الذي وصلت إليه بذلك التماهي كما نظم في قصيدته "عائلةٌ للطريق " : ( سلامٌ عليكَ، لقد عُدتُ يا أيُّها الدربُ، فلُتُشعِلِ الشمعَ

ولْتحتفِلْ بإيابي ص٦٤) ٠

إنها الغاية المطلقة من وراء هذا التفاعل وهذا التشكل، فلا يريدها أن تتفاعل خارج تلك الاحتوائية المقدسة، إنها رمزية الحبكة الشعرية للنص، كما نظم في قصيدته "منجلٌ لا يَقصُّ الشَّجر " :

( فأنا عاشقٌ ليسَ لي غيرُ هذا الظلامِ، أخاتلُهُ،

وأرى نجمةً جلسَت وَحدَها

وأنا في الظلامِ الوحيدُ

أفكّرُ كيْفَ أنَوِّمُ هذا الظلامَ ص١٢٩) ٠

هذه الروح الإنسانية للشاعر البريكي روحاً متحدَّية تواجه خراب السؤال بصراعٍ صريح أو ضمني، بل ظلّت روحاً إنسانية تنظم الشعر لماهية الحياة والمقهى مفتاح السِرّ لسؤال مركب إلى أين؟.

الدستور

أضف تعليقك