خمس وثلاثون مفكراً يؤثرون في العالم

يدعو الفيلسوف الفرنسي الحي والأكثر قراءة في العالم إلى إعادة صياغة حداثتنا.



" برلمان الأشياء حيث يُمثَّل البشر ونتاج صناعتهم والحياة البرية والتراب والمعادن تمثيلاً عادلاً للدفاع عن حقوقهم."

منذ خمسة عشر عاماً لم يكن برونو لاتور معروفاً في فرنسا. مع ذلك صنفته وكالة تومسون-رويترز المتخصصة بدراسة العلوم كأكثر كاتب في مجال العلوم الاجتماعية يتم الاستشهاد بكتاباته وهو ما زال على قيد الحياة. ولَّد هذا الاختلاف تحيزاً في تقبُّله. وإذ تبنى في كتاباته الأخيرة "فرضية غايا" الشهيرة لجيمس لوفلوك، يجري اليوم الدمج بينه وبين فكرة الأنثروبوسين، أي الفكرة القائلة أنه مع الانفجار الصناعي في الكوكب، أصبح من الصعب أكثر فأكثر تمييز الطبيعة عن إبداعاتنا، وهكذا دخلنا في عصر بيئي هجين، لا يمكن فيه الفصل بين الإنساني و"غير الإنساني". يرى لاتور، أنه من الآن فصاعداً، من غير الممكن محاولة استرداد طبيعة لم تعد موجودة، وإنما يجب بناء "منزل مشترك" يقوم بمفصلة الكيانات الموجودة على الأرض فيما بينها: الإنسانيون (نحن) مع غير الإنسانيين. من هنا جاءت فكرة "برلمان الأشياء" حيث يُمثَّل البشر ونتاج صناعتهم والحياة البرية والتراب والمعادن تمثيلاً عادلاً للدفاع عن حقوقهم." أعطى هذا التشبيه مضموناً واتجاهاً جديدين للفعل البيئي.

مع ذلك فإن أعمال برونو لاتور تتجاوز هذا الاقتراح المحيِّر. في البداية، تخصص هذا الفيلسوف المتحدر من عائلة من تجار النبيذ في مدينة بون بدراسة الكاتب بيجوي وكان من رواد دراسات العلوم مع مسحه الميداني الأول "الخاص بوصف الأعراق البشرية"، والذي كتبه بالإنكليزية في معهد ساُلك في سان دييغو (بكاليفورنيا) في مخبر العالمين غيمان وشيلي الحائزين على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء. ثم قام بعد ذلك بإعادة رسم تاريخ اكتشاف (أو كما يقول هو "اختراع") باستور للميكروبات. كما استخدم التقنيات لتحليل مشروع مِترو أراميس (تم التخلي عنه). كما قام بتشريح اللغة الحقوقية انطلاقاً من اختبار تجريبي لقرارات مجلس الدولة. و كتب أيضاً عن المعتقدات والأديان، إلخ.

لزمن طويل بقي الرابط بين كتاباته مفقوداً، إلا أن برونو لاتور كشف عن جزء منه في كتابه لم نكن حداثيين أبداً (صدر عام 1991، وترجم إلى ثلاثين لغة)، ثم بطريقة ممنهجة في كتابه الكبير بحث حول طرائق الوجود الذي نُشِر عام 2012.

ما هدفه ؟

تقديم توضيح نقدي لما يسميه "دستورنا الحديث"، ذاك السرد الإيديولوجي الذي نقوم به لسيرنا نحو "الحداثة" والتطور، إلا أنه يتموضع في الجهة المقابلة لممارساتنا. فنحن نفصل نظرياً بين الأفعال والقيم، والفاعل الواعي (نحن) والأشياء الجامدة، و"العلم" والمجتمع؛ إلا أننا نضاعف عدد الهجناء إنساني/غير إنساني، ونخلط العلم بالسياسة والدين، باختصار، إننا نخلط كل شيء. يسعى لاتور إلى إعادة صياغة ما نحن عليه وما نقوم به فعلاً.

يرتبط هذا المشروع مع مشروعي عالم الأعراق البشرية فيليب ديكولا، والعالمة في مجال النظريات المعرفية إيزابيل ستنجرز، ويتبعه منظور إعادة صياغة، لا غنى عنها، لمفاهيمنا الأساسية، بالإضافة إلى عملية إعادة ترتيب عميقة للحدود الفاسدة التي رسمناها بين التخصصات. بوصفه عالم اجتماع مؤيد "لعلم أعراق بشرية متناظر"، يطبِّق برونو لاتور على مجتمعاتنا الطرائق التي نستخدمها لدراسة المجتمعات المسماة "بدائية"، ليصبح بذلك أحد علماء الماورائيات المحتملين لعالمنا القادم. مكانة تشرح سبب حصوله في العام 2013 على جائزة هولبِرج النرويجية الهامة، والتي تمنح لحائزي "جائزة نوبل للعلوم الإنسانية".

*ترجمة ليلى الصوَّاف

 

أضف تعليقك