حين تقرأ "بوشكين" معتدلا

الرابط المختصر

 

تعرفت على شاعر روسيا العظيم الكسندر بوشكين سنة 1987 ، كان ذلك في شهر تشرين الأول، اشتريت تسخة من مختاراته الشعرية من منشورات دار التقدم ــ موسكو ـــ في طالع ذلك الشهر كنت أقرأه معتدل المزاج، والخطوات ناظرا للبعيد فقد كنت ذاك الأوان أستعد للسفر إلى هولندا، ولربما هي المصادفة المعتدلة أيضا تلك التي جعلتمي أصطحب كتابا واحدا معي، كان ذلك الكتاب هو مختارات بوشكين.

حتى اللحظة وبالرغم من كرِّ السنين ودورانها غير المعتدل تماما لم أجد أي تفسير يسمح لي بالإطمئنان لفهم السر الذي جعلني أصطحب بوشكين معي في رحلتي الطويلة التي كنت أرسم لها في مخيلتي خرائط طرق أريدها أن تكون اكثر اعتدالا من طقس شتائي بارد في أمستردام وروتردام.

أتممت قراءة مختارات بوشكين في الطائرة، ثمة سفر يلقي بي للمجهول وأنا قاعد أفلي السيد بوشكين وكأنني ألوذ به من عتمة مقبلة، او من أضواء تنداح عن أمل يغتذي بالأمل واعتدال النفس في رحلة عرفت أولها لكنني اجهل منتهاها.

هناك نسيت بوشكين تماما، ولأقل أنتهيت منه في السماء وأنا معلق هناك بين جناحي طائرة، وحين عدت بعد أشهر معدودة لعمان، نسيت اعتدالي هناك في ضواحي روتردام، ونسيت الكسندر بوشكين يسند راحتيه على أريكة هدَّها التعب..

هذه الليلة وبعد كل هذا الغياب تعلقت بالسيد الكسندر بوشكين، تعلقت به كمن يستعيد زمانا مضى، وعمرا انقضى بين أحلام جوفاء، واعتدال لم يعد مبهجا ولا مريحا، ولا نبيلا..

"بوشكين " حين تجلى سميرا لي في ليلنا الجليدي هذا دفعني لأستذكره، لأكتبه كومضة سانحة في رحلة حياة بدت أكثر اعتدالا مما يجب، وأكثر اعتدالا بما يجب..

إذا ما خُدِعتَ بالحياة..

فلا تكتئب، لا تتهوَّر

وفي يوم الحزنِ، فلتكن معتدلاً

فالأيام البهيجة ستأتي، صدِّقني

فالقلب يعيش في الغد

والحاضرُ هنا منكودٌ

وفي لحظةٍ يمضي الحُزنُ

وما يَمضي سيكون غاليا

وما مضى كان غاليا، غاليا لدرجة أنه بلا ثمن، ولم تزل خدعة الحياة بانتظار الأكاذيب الفضفاضة عن الأيام البهيجة..

اعذرني سيد بوشكين، فأنا هذه المرة لا أصدقك..

أضف تعليقك