حنين إلى العصر الذهبي لدور السينما في الزرقاء

حنين إلى العصر الذهبي لدور السينما في الزرقاء
الرابط المختصر

 

شكلت شاشات دور السينما التي يعود ظهورها في الزرقاء إلى أواسط القرن الماضي، أولى نوافذ أهل المدينة على العالم، في وقت لم يكن التلفزيون منتشرا، واقتصرت وسائل الاتصال على الراديو بالبطارية وعدد محدود من الجرائد والمجلات.

 

 

وفيما شهدت هذه الدور عصرا ذهبيا امتد من الأربعينيات، ووصل أوجه في السبعينيات، إلّا أنها بدأت تضمحل تدريجيا بعدها حتى اختفت نهائيا منذ مطالع التسعينيات.

 

 

سينما الحمراء كانت الأولى، وأقامها في نهاية الأربعينيات شكري العموري، وبعدها أنشأ اسكندر البنا سينما "ركس" بداية الخمسينيات، وتبعه زكريا الطاهر بافتتاح سينما "النصر"، ثم جاءت "سلوى" مطلع الستينيات على يد عارف النجار.

 

 

وفي عام 1967 بنى الإخوان ميشال وسليمان صقلي دار سينما "الحسين"، والتي لم تكتمل إلّا أواخر عام 68 بسبب نكسة فلسطين، ثم قام سليم العقيل الحبايبة ومنير البنا بإنشاء سينما "فلسطين".

 

 

وأوائل السبعينيات هُدمت سينما "ركس" وبنى أصحابها بدلا منها "سينما زهران"  و "ستوديو زهران".

 

 

ومع انتشار التلفزيون، ثم أجهزة عرض الفيديو المنزلي، وصولا إلى أقراص الكمبيوتر المضغوطة "السي دي"، أخذ نجم هذه الدور يأفل تدريجيا وتراجعت أعداد الرواد الذين كانوا من العائلات والشباب على السواء.

 

 

وفي مسعى يائس راح بعضها يعرض أفلاما إباحية لجذب الشباب تداركا للخسائر، لكن ذلك لم يأت بالنتيجة المرجوة، بل على العكس، جعل هذه الدور تتحول إلى بؤر للمنحرفين، ما زاد في عزوف الناس عنها، فانهارت وأغلقت أبوابها تباعا.

 

 

واليوم، تحولت دور السينما في المدينة إلى أبنية مهجورة، أو شيدت في مكانها مولات ومحال تجارية، وبعضها اختفى تماما، لكنها لم تنمح من ذاكرة ووجدان كثيرين ممن عايشوها ويشدهم الحنين إلى أيام تألقها.

 

 

يقول أبو محمد وهو رجل في عقده السادس، أنه لا يزال يحتفظ بذكريات، بعضها جميل و الآخر مؤلم لتلك الأيام، والتي كانت فيها أحوال الناس المادية صعبة، وكان الذهاب إلى السينما لمشاهدة الأفلام يقتصر غالبا على الأعياد.

 

 

ويضيف أنه ورفاقه في الطفولة كانوا يهرعون بملابسهم الجديدة صبيحة العيد إلى سينما "ريكس" لقربها من بيته، ولأنها الوحيدة التي كانت تذكرتها بثلاثة قروش للجلوس في درجة "الصالة"، بينما تصل إلى 11 قرشا لـ"اللوج" و15 لـ"البنوار".

 

 

والصالة هي القاعة الكبيرة التي تكون في القسم الأرضي من السينما، ويعتليها شرفة متقدمة تمنح المشاهد مجال رؤية أوضح، وهي البنوار، وتأتي خلفها مقاعد اللوج، وهاتان الدرجتان كانتا عموما المكان المفضل للعائلات.

 

 

 

ويروي أبو محمد كيف كان للسينما بريقها ورونقها الذي يجذب الآلاف إليها في العيد، وبحيث أن دخولها كان يستغرق أكثر من نصف ساعة أحيانا من شدة الزحام، وتجد أعداد الجالسين على الأرض داخلها أضعاف من هم في المقاعد.

 

 

 

وكانت السينمات تقدم فيلمين خلال فترة العرض الواحدة أيام العيد، وثلاثة في الأيام الأخرى، ولاحقا بات العرض متواصلا، بمعنى أن الشخص يستطيع البقاء في الصالة ما شاء له من الوقت لقاء تذكرة فقط.

 

 

ومن اللفتات الجميلة التي يتذكرها، طريقة الترويج للأفلام، حيث كانت توضع إعلاناتها على لوحة كبيرة يحملها شخصان يطوفان بها في الصالة، فيما يمشي أمامها دلال يصدح صوته بعناوين الأفلام وأبطالها.

 

 

ويقول أن بعض دور السينما، وبخاصة سينما "الحسين" كانت تعمد إلى الترويج للأفلام عبر استضافة أبطالها شخصيا من أجل حضور العروض الافتتاحية والإطلال على المتفرجين، ويذكر من هؤلاء الممثلين المصريين إحسان صادق وعايدة هلال.

 

 

وطبعا لا ينسى أبو محمد تلك اللحظات التي يهب فيها المتفرجون واقفين وأصواتهم تتعالى بالصفير والتصفيق لبطل الفيلم عندما يظهر لينقذ "البطلة"، ودائما في اللحظة المناسبة.

 

 

ويضيف أنه لا تغيب عن مخيلته أيضا مشاهد بائعي "الكيكس" و"السندويش" و"الكازوز" الذين كانوا ينادون عليها بأصوات خافتة وهم يتجولون على المتفرجين وسط الظلام مستعينين بمصابيح يدوية "لوكس".

 

 

وبعض هؤلاء كان يتبع سياسة بيع لا يمكن مقاومتها، حيث يعرضون على الشخص أن يشتري منهم مقابل أن يدلوه إلى مقعد يجلس فيه بدل الوقوف أو القرفصة على أرضية الصالة، حيث أنهم كانوا الأدرى بالمقاعد التي تبدأ بالشغور بعد انتهاء الفيلم الأول.

 

 

أم مصطفى كانت ممن سبق لهن حضور بعض عروض دور السينما في الزرقاء إبان طفولتها، ولا تزال تذكر معمول العيد الذي تحرص هي وشقيقها وأبناء الجيران على اصطحابه معهم لزوم التسالي خلال مشاهدة الفيلم، وكيف كان يجري إجلاسها على الأرض باعتبارها صغيرة.

 

 

وتقول أم مصطفى أن أجمل ما تذكره هو تلك التي يعم فيها الصمت مع انطفاء الأنوار في الصالة إيذانا ببدء العرض.

 

 

عبير الحسيني فتاة في عقدها الثاني، تؤيد فكرة إحياء دور السينما في الزرقاء، وأن كانت ترى فيها سلاحا ذا حدين، حيث أنها  يمكن أن تقدم المتعة والفائدة للملتزمين، وكذلك قد يحولها البعض إلى أماكن "للزعرنة".

 

 

فيما يرى أحمد الهندي أن الزرقاء "لا تصلح لها دور السينما في الوقت الحالي"، ويجب أن تخضع إلى "تأهيل" قبل أن تفتتح فيها أي من هذه الدور.

 

 

ويقول الهندي "صحيح أنه كانت في الثمانينيات دور سينما في الزرقاء، ولكن العقول في تلك الفترة كانت ملتزمة أكثر، وأن وجدت السينما الآن في المدينة، فيجب أن تحكمها القيود كأن يتم الفصل بين صالات العائلات والشباب لمنع التحرشا".

 

أما علا الغويري، فقد أيدت وجود السينما في الزرقاء، باعتبار أنها ستشكل متنفسا لأهالي المدينة في غياب الأماكن الترفيهية، ورأت أن المخاوف من التحرشات غير مبررة، حيث أن هذه السلوكيات موجودة أصلا في الشارع وأمام الجميع، ولن تكون مقترنة بالسينما بحد ذاتها.