"بينالي الشارقة" 15:  الماضي في سياق اللحظة المعاصرة

الرابط المختصر

 

 

تحت شعار "التاريخ حاضراً"، افتتحت عند التاسعة من صباح اليوم الثلاثاء فعاليات النسخة الخامسة عشرة من "بينالي الشارقة"، التي تتواصل حتى الحادي عشر من حزيران المقبل، بمشاركة مئة وخمسين فناناً، تتوزع أعمالهم على ستّة عشر موقعاً في إمارة الشارقة.

يجسّد البينالي رؤية المؤرخ الفني والناقد النيجيري الراحل أوكوي إينوزور (1963 – 2019)، وما أحدثته وطروحاته وتصوّراتُه من أثر هائل على الفنّ المُعاصر، وتركت تأثيرها على مسار المؤسسات والبيناليات في كثير من دول العالم.

إينوزور الذي درس العلوم السياسية، انخرط في الكتابة النقدية حول الحداثة ومآلاتها ما بعد الكولونيالية، ونظريات الفن المعاصر، والفوتوغراف، والشتات، والهجرة، والتحرر من الاستعمار، كما أضاء مسائل حسّاسة تتعلّق بالمركزية الغربية للفن، وتهميش شعوب بلدان بأكملها مثل الصين والمكسيك والأفارقة بشكل عام.

 

 

وتستدعي التظاهرة مفهوم "التاريخ" وتعيد صياغته، في مسعىً لوضع الماضي في سياق اللحظة المعاصرة، من خلال تبنّي منهجية عملية تُعلي من "البديهي" جنباً إلى جنب مع "المعرفي"، كما أوضحت حور القاسمي القيمة على الدورة الحالية ورئيسة "مؤسَّسة الشارقة للفنون"، خلال المؤتمر الصحافي الذي انعقد أمس الإثنين.

وأشارت إلى أن النسخة الحادية عشرة من معرض ديكيومنتا في مدينة كاسل الألمانية، التي قيَّمها أوكوي إينوزور قبل عقدين من الزمن، وقدَّم فيها مفهومه الجذري حول موضوعة ما بعد الاستعمار؛ محطّةً رئيسيَّةً غيّرت منظورها الخاص حول التقييم الفنِّي، وخاصّة رؤيته المتمثّلة في التفكير تاريخياً في الحاضر، والتي كوَّنت الإطار المفاهيمي لهذه النسخة من بينالي الشارقة، وذلك عبر تأمُّل ماضي المؤسَّسة وحاضرِها ومستقبلِها.

ويركز “بينالي الشارقة” 15 على ماضي الشارقة الحيّ، في عالم متعدِّد الثقافات وعابر لها، من خلال ما يزيد عن 300 عمل فنِّي لأكثر من أكثر من سبعين بلداً، حيث يجري تنصيب هذه الأعمال في خمسِ مدُن على امتداد الإمارة.

ولجأ الفنانون المشاركون إلى تطوير ممارساتٍ نقدية للمفاهيم :"لأحادية" للنَّزعة الوطنية والتقاليد والعرق والجندرية والجسد والخيال، ولتندرج هذه الروح النقدية في ثيمة البينالي وتقاطعاتها، فمفاهيم الذات، والجسد بوصفه مستودعاً للذكريات، والنظرة العنصرية، والاستمرارية عبر الأجيال، والحداثات الكونية، والتأصيل، وتفكيك الاستعمار؛ كلُّها مقاربات تصبُّ في رؤية إينوزور لمرحلة ما بعد الاستعمار فنِّيَّاً، متّخذين وجهات نظر متفرّدة تؤسّس لروابط بين المناطق الجغرافيا والتاريخ والممارسات الفنية.

من بين الفنانين المشاركين في الدورة الحالية: منى حاطوم، وقادر عطية، ورينا سياني كالات، وباسل عباس، وروان أبو رحمة، وميثاء عبد الله، وبشرى خليلي، وفتحي عفيفي، ومنيرة الصلح، وهدى أفشار، وجون أكومفرا، وهانغاما أميري، وبروك أندرو، ومالالا أندريا لافيدرازانا، ورشدي أنور، وفرح القاسمي، ومايكل راكويتز، وعمر راشد.

إلى جانب وأو سو يي، ودانا عورتاني، وعمر بادشة، وناتالي بول، وسامي بالوجي، وميرنا بامية، وبابلو بارثولوميو، وريتشارد بارثولوميو، وشيراز بايجو، وبحر بهبهاني، وأسماء بلحمر، وريبيكا بيلمور، وبلاك غريس، وديدريك براكنز.

تصادف هذه النسخة من البينالي مرور ثلاثين عاماً على دورته الأولى، وتشكّل فرصة فريدة لتأمُّل إرثه الثقافي وتأثيره التاريخي، والإمكانيات الفنّية التي أتاحها، ودوره في وضعِ الشارقة على خارطة الخطابات الفكرية والفنّية العابرة للحدود من جهة، وكونه يمثّل لحظة مفصلية تتيح للمؤسّسة تأمُّل مسارها المؤسَّسي وفقاً لموقعها الجيوسياسي الفريد، ومواصلة التزامها تجاه الجمهور المحلّي في الإمارات من جهة أُخرى، وذلك عبر الأنشطة التعليمية والبرامج المصاحِبة التي تتضمَّن عروضاً أدائية وموسيقية وسينمائية.

كما يعقد خلال الدورة الحالية "لقاء مارس- ملتقى مؤسّسة الشارقة للفنون السنوي للفنانين والقيّمين والممارسين الفنّيين" المكرّس لاستكشاف أبرز القضايا في الفن المعاصر- واللّتين جاءتا كمقدِّمة عامَّة للبينالي، الذي يحمل عنوان "منظومة ما بعد الاستعمار: الفن والثّقافة والسّياسة بعد 1960".

يناقش لقاء "منظومة ما بعد الاستعمار" التّحولات البنيوية والممنهجة في الجّوانب الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية التي رسمت ملامح عالمنا منذ السّتينيات من القرن الماضي، وذلك من خلال تحديد اللحظة التي يتم فيها تحدي فكرة الدّولة القومية الموحّدة من خلال القوة الملحوظة للنّماذج الفردية، وغير الحكومية والمناهضة للمؤسّسات للسّيادة، والاستقلالية، والهويّة، والفردانية. ويتم ذلك عبر استعادة وإحياء أرشيفات تلك الحقبة وتواريخها، عن طريق الفحص الدّقيق للممارسات والنّظريات السّياسية والفنّية والمنتجات الثّقافية؛ السّائدة آنذاك، بوصفها شاهدًا عليها، وبالتّالي تقديم الأفكار والفنانين والأعمال الفنّية والنّظرية النّقدية، التي تفسح المجال أمام وجهات نظر خلافية عن عالمنا المُضْطَرِب.

تسعى هذه النّسخة من لقاء مارس إلى استبصار حركات وتفاعلات الفنانين والمخرجين السّينمائيين ممارسي الفنون الأدائية والمفكّرين والكتّاب والفلاسفة والمثقّفين والنّشطاء وحركات التّمرد وغيرها من الفاعلين في الفضاء الاجتماعي داخل الإطار المقيد لـ "الدّولة الوطنية ذات السّيادة" وخارج ذلك الإطار. وإلى المدى الذي تستوعب فيه "منظومة ما بعد الاستعمار" الحاضر العالمي وارتباطه الوثيق بتواريخ ما بعد الاستعمار، يجعل من لقاء مارس 2023 وغيره من المنصّات في بينالي الشّارقة 15 فضاءات نقدية ل "التّفكير تاريخيًا حول الحاضر".

يشار إلى أن "بينالي الشارقة”"منصّة دولية للعرض والتجريب لفنانين من المنطقة وخارجها. منذ عام 1993، قام البينالي بتكليف وإنتاج وتقديم أعمال تركيبية عامَّة ضخمة، وعروض أداء، وأفلام لفنّانين من مختلف أنحاء العالم، ممّا جلب مجموعة واسعة من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية والمنتجين للمجتمعات في الشارقة والإمارات العربية المتحدة والمنطقة.

أضف تعليقك