النفس والروح

النفس والروح
الرابط المختصر

يقيم الدين أهمية بالغة للنفس والروح الإنسانية، ويعتبرها الجوهر الخالد الذي يُحيي الإنسان، بدونها لا قيمة للإنسان ولا حياة له بعد الموت، فالجسد فانٍ وهو ليس إلا وعاء تلك النفس الإنسانية الخالدة. وعندما يتحدث العلم والفلسفة عن الإنسان، فإنهما لا يذكران نفسه الطامعة بالخلود والتي ستعيش في الجنة أو في النار إلى الآبد، وهذا قصور واضح في فهم الإنسان وفهم جوهره من قبل الفلسفة والعلم حسب قول الدين.

 

تفرّق الفلسفة ما بين الروح والنفس وتريد أن تفهم معاني المصطلحات قبل الدخول في التفاصيل.

 

فإذا كانت الروح هي نسمة الحياة فينا، أي ما يبقينا أحياء إذا فالعلم يقول: أنه إذا تعطل عضو رئيس من  أعضاء الكائن الحي فلا تستمر الحياة في أي كائن حي، أما إذا كانت النفس هي جوهر الإنسان فليس لها وجود مادي ولا يمكن أن تخضع للعلم.

 

أما إذا كانت مثل الصورة للجسم كما قال عنها أفلاطون وأرسطو أي أنها تعبير عن الشخصية والجوهر الإنساني، فهي بحسب أفلاطون تعيش وتعود إلى عالم المثل، وحسب أرسطو ستزول حتماً بزوال الجسد، فالنفس حتى لو أنها صورة وجوهر لا يمكن أن توجد أو تحيا بدون جسد، لذلك تفنى بفنائه.

 

وقد أدخل الفلاسفة العرب مفهوم "النفس العاقلة " وقالوا أنها جوهر تشمل العقل الواحد  والشعور وكل ما هو روحي في الإنسان؛ فإذا كانت النفس العاقلة هي تسمية قديمة للدماغ ومن ثم للعقل الذي مع الجسد يعطي الإنسان هويته وشخصيته، فعندما يتعطل الدماغ الإنساني تموت الشخصية الإنسانية أيضا، ويبقى أثرها الفكري فقط، وأثرها الوجداني والعاطفي في الذين عايشوا المتوفى.

 

نحن بإزاء المادة والصورة بإزاء نظرية الجوهر والعرض الأرسطية، فالمادة هي الجسد(العرض) والصورة هي النفس( الجوهر). وقد قبلت الديانات بهذه الثنائية الإنسانية وانتبهت إلى شؤون الجوهر أكثر من انتباهها إلى مادة الجسد، مع أن مخترع أو واضع هذه النظرية هو أرسطو الذي قال بزوال النفس عند زوال الجسد.

 

أخذت عنه الديانات الجزء الأول من نظريته ولم تقبل بالجزء الثاني، أي بزوال الصورة (النفس)، وأخذت عن أفلاطون خلود النفس، الذي أخذها بدوره عن الديانة الأورفيلية السابقة له، قبلت الفلسفة واللاهوت هذه الثنائية طيلة العصور الوسطى، وقبل ديكارت بهذه الثنائية " أنا أفكر إذن أنا موجود" في مطلع العصور الحديثة، فالفكر شيء والمادة شيء أخر بالنسبة له، الجسد فان والنفس خالدة.

 

وتبعه الفلاسفة المثاليون وفصلوا فصلاً واضحاً ما بين ما هو مادي وما هو فكري وعقلي، وعندما جاء كانط وضع النفس والخلود ضمن تصورات العقل الإنساني الثلاثة ( الله – الحرية – الخلود ).

 

وبشر هيجل بروح مطلقة أو بروح العالم، تتجسد عبر التاريخ مروراً بالمادة حتى تتطهر من أرجاسها وشرورها وتعود لتنطلق من جديد بشكل الروح المطلق المطهر من ماديته.

 

حاول الفلاسفة الوجوديون مثل سارتر وتلاميذه إعادة توحيد الكائن البشري، بمقوله "الأنا" الوجودية التي تشمل كل ما في الإنسان من قوى بعد أن كان سيغموند فرويد قد فرّق ما بين "الأنا " الواقعية الإنسانية "والأنا العليا" المشتهاة والمرغوب بها، والتي تتحكم برغباته الأنا الدنيا، وظهرت هذه الثنائية فيما بعد في العلوم الإنسانية تحت مسمى أو تحت شكل أخر وهي الذات – والموضوع، ومتى تستطيع الذات أن تصبح موضوعاً أو الموضوع أن يصبح ذاتاً. وقد عالج هيجل هذا الموضوع في جدليته وشرح كيف يصبح الموضوع ذاتاً ومتى تتحول الذات إلى موضوع.

 

سؤال فلسفة الدين حول في من هو المسؤول عن تكريس ثنائية إنسانية وثنائية كونيه إذا جازا التعبير؟ لماذا ترى الأمور بشكل ثنائي؟

 

هل يجب التفريق بين الثنائيات الجسد/ الروح، السماء/ الأرض، الذات/ الموضوع، الله/ الإنسان، الرجل/ المرأة، أنا/ الآخرين  .....الخ

 

يحاول هبرماس([1]) وآخرون القول أن العالم مجموعة علاقات، وكذلك الإنسان مجموعة علاقات معقدة ومترابطة فليس هناك ذات / وموضوع، منفصلاً انفصالاً تاماً، فالذات جزء من الموضوع والموضوع جزء من الذات، والذات والموضوع جزء من مجموعة علاقات متلاصقة لا حصر لها.

 

الدين يشجع ويطمئن إلى الثنائية، ويجد نفسه مرتاحاً في قسمة الإنسان والعالم والكون إلى ثنائية لأنها تسهل عليه عمله، فهو يترك الجزء المادي ويهتم بالجزء الروحي وكأنه يترك للعلم والفلسفة الاهتمام بالجزء المادي.

 

فإذا كان العلم يهتم بجسد الإنسان، فالدين يهتم بروحه، وإذا كان العلم يهتم بهذا العالم، فالدين يهتم بالآخرة، وإذا كان العلم يهتم بالكون الفيزيائي، فالدين يهتم بخالق الكون، وإذا كان العلم يهتم بتسهيل الحياة، فالدين يهتم بتسهيل الوصول إلى الجنة.

 

تجد فلسفة الأديان أن هذه الثنائيات قاصرة عن الإحاطة بما في الإنسان والعالم والكون، فهي طريقة ساذجة يحاول العقل أولاً، أن لا يعمل ولا ينشط في التفكير العميق بالبدائل، بل يركن إلى كسله العقلي وتصنيفاته الساذجة لئلا يقوم بمجهود حقيقي وعميق. ويلعب الدين على هذه السذاجة الفكرية ويستغلها من أجل مصلحته.

 

فخلف هذه الثنائيات تكمن الإجابة. فإذا كانت الإجابة في الوحدة أي في الوجود الواحد، فإن هذه الوحدة ذاتها متعددة ومتنوعة إلى حد بعيد ابعد من الثنائية بمسافة طويلة. أما إذا كان الجواب بالتعددية، فالقبول بالتعددية من جهة وبالوحدة من جهة أخرى، هو أمر غير مقبول منطقياً، إلا إذا قامت الفلسفة بشرح كيف أن المتعدد هو واحد وكيف يمكن أن يكون الواحد متعدداً.

 

·  عضو الجمعية الفلسفية الأردنية وأستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية حاصل على دكتوراه في اللاهوت من جامعة اللاتران بإيطاليا، دكتوراه في الفلسفة من جامعة كليرمونت في كاليفورنيا دكتوراه في الفلسفة من جامعة الكسليك في لبنان

([1]) فيلسوف ألماني معاصر من مدرسة فرنكفورت.

 

أضف تعليقك