المسلسلات العربية القصيرة...الممثلون في مساحات ضيقة

الرابط المختصر

لا شك في أنّ الزخم الذي تشهده المنصات والمحطات العربية، بعد توجهها في السنوات الأخيرة نحو احتواء وإنتاج المسلسلات الدرامية القصيرة، ما هو إلا نموذج معاصر، فرضته المنصات العالمية التي رسمت خريطة الطريق لهذا الشكل من الأعمال، ولا سيما الإنتاجات التي تقدمها شبكة "نتفليكس" الأميركية.

لهذا النموذج مزايا عديدة، كان من شأنها إضفاء مرونة كبيرة على عناصر العمل الدرامي وهيكله. على رأسها تحجيم دراما الحلقات الثلاثين التقليدية، وحصرها بشكل شبه كلي في المواسم الرمضانية، إضافة إلى الأدوار المتعددة التي مكنت كتاباً وممثلين ومخرجين من ابتكار بصمات خاصة بهم. غير أن هذه المزايا المتعددة، رغم أهميتها، لن تحجب عنّا بعض النقاط المهمة، التي تشكل في صلبها عيوبًا يصعب التغاضي عنها في المسلسلات القصيرة.

استنزاف الشخصية الدرامية تعتبر الأدوار المتنوعة والمتقلبة إحدى أهم الأساسيات الفنية التي يسعى إليها الممثلون. فالانتقال من شخصية إلى أخرى يسمح للممثل باكتشاف قدراته وتطوير أداوته. وفي الوقت ذاته، هو تحدٍ يواجهه بغية كسر الأدوار السابقة، التي علقت في أذهان الجمهور. هذه معطيات ضرورية يتعامل معها الممثل الناجح، الباحث عن التجديد والتألق.

لكن، مع التوجه إلى المسلسلات القصيرة التي أفرزت نسقًا مختلفًا عن الأعمال الطويلة، من حيث هيكلية النص الدرامي، فبتنا نشاهد أعمالاً مختزلة تبتعد عن الشطط والإطالة، أصبحت المساحة الخاصة للممثل أكثر ضآلةً، وبالتالي تقويض الشخصية الدرامية واستنزافها قبل إعدادها وتهيئة بيئتها الاجتماعية والنفسية بشكلها الطبيعي المريح والواسع. ويبقى الاعتماد، هنا، على إمكانات الممثل وتجاربه وخبرته للتكيف مع هذا التقويض. وإن كانت بعض هذه المسلسلات قد أضاءت على شخصية ناجحة، فإنما بحكم طبيعة العمل نفسه، وتقانة عناصره، مضافة إليها الذاكرة الدرامية التي تحتوي على شخصيات مشابهة أو مستهلكة سابقًا، تجر الممثل إلى تقديم شخصيته بشكل تقليدي. وهذا في حد ذاته دفن لمستوى الممثل التراكمي، والسبب في ذلك يعود إلى الواقع المتسارع لعدد النصوص المنجزة، والتي تدفع الممثل إلى اختيار عددٍ منها دون دراسةٍ واشتغالٍ متمكنين للشخصية الدرامية، بعد أن كانت النصوص الطويلة تفرضها. وأصبح اعتماد الممثل على غرابة الشخصية التي يختارها، أكثر من اعتماده على العامل الزمني والمعرفي الضروريين لصقل الشخصية الدرامية وبنائها. دينامية مفقودة أثَّرت موجة المسلسلات العربية القصيرة، بشكل كبير، على شكل الصناعة الدرامية، فدفعت بالعلاقة التناظرية التي تجمع ما بين طاقة الممثل وطاقة المخرج إلى زاوية ضيقة، من دون حسابٍ للعامل الزمني والموضوعي.

الممثل يتبع توجيهات المخرج، والأخير يلتزم بمقدرة الأول ويضع ثقته فيه في سبيل تقديم وصفة فنية متكاملة. لكن، عند تنفيذ العمل بصيغته المكثفة هذه، تتشتت العلاقة وتضيع المرونة المطلوبة، مثلما حصل في مسلسل "عالحد" للمخرجة ليال راجحة. فبطلة المسلسل، سلافة معمار، قدمت دورها بإتقان، لكنّ مفردات راجحة الإخراجية امتصت طاقة معمار صاحبة الخبرة، وأثقلت ميزان الأداء لكفتها. هكذا، أغفلت المساحات الخاصة للممثلين واللقطات وحركة الكاميرا، لتصب إيجابيات العمل لصالح القصة والقضايا التي يطرحها فقط. كان لتجربة راجحة الأولى في إخراج المسلسلات القصيرة أثر كبير على العمل وعلى دور معمار.

في المقابل، لا بد من رؤية الصورة بشكلها الأوسع والخروج من مساحة الإخراج والتمثيل، والتوجه إلى دور الإنتاج السبب الأول في خلخلة هذه الدينامية المطلوبة بين العاملين في المهنة، والتضحية بالعناصر المتكاملة، والتركيز فقط على مسألة الكم على حساب النوع. جمهور بلا ذاكرة لكمية الأعمال المطروحة وتسارعها أثرٌ يتجاوز العاملين في المهنة، ليمس أيضًا المشاهد.

فالانتقال من عملٍ لآخر تسبب في تشتيت الجمهور وسلب ذاكرته العاطفية تجاه الأعمال المطروحة، لتصبح العلاقة الخاصة بين المشاهد والعمل مجرد حالة مرحلية مؤقتة. هكذا، لا يلبث المشاهد أن يشق أنفاسه حتى يتوجب عليه التوجه إلى عمل آخر من دون ترك مساحة كافية للتفاعل مع سابقه. بهذا، تصبح عملية التقييم متهالكة غير ناضجة ومعبأة بشكلها الطبيعي، وينحصر شكل النقد للإعلانات والتقييمات التي ترفعها المنصات الخاصة بالإنتاج والدعايات النفّاثة، التي تروجها قبل إصدار العمل وبعده.

أضف تعليقك