المترجم الأردني إلياس سعيد: أن تعيش إلى النهاية بلا دخل ثابت
عاش المترجم والشاعر الأردني إلياس محمد سعيد (1961-2020) السنوات الأخيرة من حياته بلا عملٍ ودخلٍ ثابتين؛ الأمر الذي كان يضطّره لمواصلة العمل بالترجمة والتحرير بالقطعة حتّى الأيّام الأخيرة من حياته رغم اشتدّاد آلام المرض الذي كان يخفّفه بحقن الكورتيزون.
استطاع ترجمة روايةٍ عن الإنجليزيّة في حزيران الماضي، وبدأ بأخرى، لكنَّ المرض اشتدّ عليه فطلب من دار النشر وقتًا إضافيًا حتى يُجري العمليّة التي كانت من المفترض أن تنهي آلامه. وفي يوم العمليّة، 11 آب 2020، بين الساعة العاشرة والنصف والحادية عشرة، توقف قلب سعيد، وتوفي في منزله في جبل اللويبدة.
تنقل سعيد بين أكثر من عمل طوال مسيرة حياته؛ مدرسًّا، ومندوبًا صحفيًا في القسم الثقافيّ لصحيفة الدستور، ومعلمًا للغة العربية لغير الناطقين بها. ثم محرّرًا ومترجمًا بالقطعة.
على غير العادة، لم يحضر ممثل من وزارة الثقافة أو الهيئة الإدارية رابطة الكتّاب الأردنيين جنازته، ولم يعزِّ به أحدٌ منهما كذلك. تفتح الطريقة التي رحل بها إلياس سعيد السؤال عن واقع الكتّاب في الأردنّ، ودور رابطة الكتّاب الأردنيين والمؤسسات الرسميّة في تأمين حياةٍ كريمة لهم، خاصة أولئك الذين وصلوا لمرحلة الشيخوخة أو الذين يعيشون بلا عمل ثابت وحمايات اجتماعيّة مثل التأمين الصحيّ والضمان الاجتماعيّ أو التقاعد، إذ تتجه وزارة الثقافة إلى دعم الكاتب ما دام قادرًا على الإنتاج الثقافيّ.
كاتبٌ بلا كتاب
ولد إلياس محمد سعيد في إحدى مستشفيات عمّان سنة 1961، لأسرةٍ متوسطة الحال يعمل الأب فيها في محل لبيع الملابس في الزرقاء، المدينة التي عاش سعيد ودرس فيها الابتدائيّة والإعدادية. سنة 1981 دخل جامعة اليرموك ليدرس الرياضيات، وبالرغم من أنه شهد فترة بداية أحداث جامعة اليرموك[1] وانتظام الكثير من الطلبة في عدة تنظيمات قومية ويسارية، إلا أنه لم ينخرط في أي تنظيم، كما يقول زميله الأقرب منه حينها معن البياري، رئيس قسم الرأي في صحيفة العربي الجديد، لكنهما كانا «قريبين من التنظيمات وفي أجوائها».
كان سعيد يعلن أنه ينتمي للفكر التروتسكي وينظّر له، وفقًا لرواية العديد من زملائه في الجامعة. لكن البياري يقول إن «حكاية التروتسكية مزحة، مجرد أفكار شبابية، وثرثرات مثقفين متحمسين». في تلك الفترة عُرف سعيد بين دائرة أصدقائه المقربين كمجادلٍ ومحاورٍ في الأدب، ومتابع لكل جديد، ومهتم بنقد الممارسات السياسيّة، وكاتب لقصائد قليلة جدًا، عرفها المقربون منه فقط.
تخرج سعيد صيف سنة 1985، ثم تزوّج من زميلته التي كانت تدرس في كلية الإعلام، وأنجب ابنه البكر إسحاق. في تلك الفترة طوّر سعيد لغته الإنجليزيّة ذاتيًا من خلال القراءة واقتناء الكتب، بحسب ابنه إسحاق.
تنقل بعدها في عدة مهن، مدرّسًا في وزارة التربية والتعليم، ثم مدرّسًا خاصًا لأبناء عائلات سعوديّة. انتخب سعيد عضوًا في الهيئة الإدارية لنادي أسرة القلم بالزرقاء للفترة ما بين 1999 و2002، حيث أدار أمسيات أدبيّة في تلك الفترة، وعُرف بعدها بين أوساط الشباب بالنادي بقصيدة وحيدةٍ له، شكّلت هوسًا لبعض الكتّاب الشباب، خاصة في طريقة إلقائها لها. يقول إسلام سمحان أحد أعضاء الهيئة الإدارية لتلك الدورة، إن «بعض الزملاء في النادي صاروا يقلدوه في طريقة القراءة، صاروا يلدغوا بحرف الراء».
عمل سعيد بداية الألفية في القسم الثقافي في جريدة الدستور مندوبًا، كما كان ينجز مهامًا في التحرير. في عام 2006، سافر إلى الكويت للعمل، وشغل مكانه في القسم الصحفي محمود منير. لم يكن قد مضى على وجود منير في القسم شهر حين خرج ذات يوم من القسم، وإذ به يصادف سعيد في عمّان، شرح سعيد لمنير أن الأمور لم تجر على ما يرام في الكويت فعاد إلى الأردنّ. في تلك الفترة عاد سعيد إلى الصحيفة وتنقّل بين قسم الترجمات والقسم الثقافي قبل أن يغادرها ويتنقل في أكثر من مهنةٍ في عمّان.
«إلياس محرّر شاطر، كان قادر يعرف أصالة المادة».
«إلياس محرّر شاطر، كان قادر يعرف أصالة المادة» يقول منير، شارحًا سبب تميز سعيد بالتحرير، بأنه جاء من خلفية دراسة علم الرياضيات، وكان مؤمنًا بالمنطق، «هو محرر صعب إذا أطُلقت يده. ما مرّ علي واحد مثل إلياس». في تلك السنوات كان سعيد يحمل رؤية وجدلًا حول الكتابة الأدبيّة والصحفيّة والتحرير الصحفيّ، يعتقد منير أن سعيد كان يمكن أن يكتب كتبًا أصيلةً حول تنظيراته في الصحافة والأدب لو أراد الكتابة. يقول البياري إن سعيد ملكَ ثروة كبيرة، كانت ستجعله يعيش حياته، وهي أنه عبقري في الإنجليزية والرياضيات، إلّا أنه كان يصرّ على العمل في الصحافة؛ «إلياس لم يكن عقلا عاديًّا، لكنّه نحر نفسه عندما استطاب أجواء الصحافيين وبعض الأصدقاء، من دون أن يستثمر كفاءته وقدراته في ميادين أخرى».
وفق زوجته أم يعقوب[2] فقد ترك سعيد جريدة الدستور بعد خلافات مع مدرائهِ في العام 2010. وقُبٍل في الأعوام بين 2011 و2013 طلبه لعضوية[3] رابطة الكتّاب الأردنيين رغم عدم وجود كتاب مطبوع له.
في عام 2014 كان سعيد يدرّس اللغة العربية لغير الناطقين بها في عمّان للطلبة الأجانب، وتنقل بين مهن أخرى كمحررٍ في عدة دور نشر أردنية وعربيّة على القطعة، ومترجمٍ لقصائد في مجلّات أدبيّة مثل مجلّة تايكي،[4] وبقي على هذه الحال دون عملٍ أو دخلٍ ثابتين.
تزوج سعيد بعد تخرّجه من الجامعة ثلاث مرّات، واستقرّ به الحال في شقّة صغيرة مستأجرةٍ بجبل اللويبدة. «ما كان غني، وما كان معدم، كان يجيب قوت يومه»، يقول ابنه البكر إسحاق عن وضعه الماديّ.
آخر أيّام إلياس محمد سعيد
عانى سعيد من جلطة على الدماغ، وعدة جلطات قلبية، وأجريت له عملية قسطرة العام الماضي. كما عانى من تآكل في الحوض، الأمر الذي حال دون قدرته على الحركة. وفاقم الحظر المفروض لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجدّ قدرته على الحركة، كما تقول أم يعقوب. ورغم وضعه الصحيّ، إلّا أنه واصل العمل من داخل غرفته وهو جالس، بحسبها.
يقول المترجم المشرف على عمل سعيد في تلك الفترة، وليد سويركي، إنه كلفه بترجمة رواية أنجزها في حزيران الماضي هي «اللورد الصغير» للبريطانية فرانسيس هودسون، لصالح الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان. عمل إلياس بعدها مع السويركي على ترجمة عمل آخر هو رواية «عائلة مالاوافيه» للروائي الإيطالي جيوفاني فيرغا، «قلّي بس بدك تمهلني فيها. رح أتأخر أعمل عملية، خليها لبعد العمليّة»، يقول سويركي.
تقول أم يعقوب إن تلك العملية كانت لاستبدال ورك سعيد المتهتك، وكانت ستكلّف خمسة آلاف دينار. حاول سعيد تأمين المبلغ لإجراء العملية في إحدى المستشفيات الخاصّة بعمّان، بعدما رفض طبيبه في مستشفى البشير أن يجريها لها لأن «جسمه ما بتحمّل» وفقًا لابنه. «أبوي وصل مرحلة ألم كبيرة جدًا بسبب إنه مفيش حوض، وتقرحات»، يقول إسحاق.
بعد فكّ حظر التجوّل. وفي عطلة عيد الفطر، اتصل سعيد بعضو الهيئة الإدارية لرابطة الكتّاب الأردنيين أكرم الزعبي، طالبًا المساعدة بعدما سمع عن دعم ستقدمّه وزارة الثقافة للكتّاب المحتاجين. «قلّي أنا حالتي سيئة جدًا وبدي مساعدة الرابطة»، يقول الزعبي. لم تكن أجرة سعيد عن الرواية التي ترجمها قد صرفت له، لذا «هاي اللحظة قرّرنا أنا وأخوي اللي في الإمارات نعملله العمليّة بالمستشفى الخاصّ وما نردّ على أبوي وما ننتظر أكثر من هيك»، يقول إسحاق، الذي تدبّر المبلغ مع شقيقه، وتقرر إدخال سعيد إلى المستشفى يوم 11 آب 2020. في صبيحة ذلك اليوم، وقبل دخوله المستشفى، توفي سعيد بجلطة في القلب.
الوضع العام للكتّاب في الأردن
يبلغ عدد أعضاء رابطة الكتّاب الأردنيين التي تأسست سنة 1974 كأكبر مظلّة تضمّ الكتاب الأردنيين، قرابة 1000 عضو، منهم 400 عضو منقطعين عن الرابطة منذ 10 سنوات، أي لا يسددون الاشتراكات أو يشاركون في فعاليات الرابطة.
يبلغ عدد المعطلين عن العمل منهم 14 إلى 20 عضوًا، وفقًا لرئيس الرابطة سعد الدين شاهين، الذي يضيف بأن هناك «متعطلين آخرين لا يشتكون ولا يقدمون أنفسهم على أنهم متعطلين»، فيما تقدر مصادر داخل الرابطة عدد الكتاب المحتاجين بما بين 80 إلى 90 عضوًا.
جرت العادة أن تطلب وزارة الثقافة من رابطة الكتّاب الأردنيين تزويدها بأسماء كتّاب محتاجين بهدف صرف مساعدات لهم. يقول رئيس الرابطة الأسبق الدكتور زياد أبو لبن إنَّ المبالغ كانت تتراوح بين 300 و600 دينار في سنوات سابقة، وكانت هذه المساعدات تأتي بشكل غير منتظم، أي لم تُدفع في كل السنوات.
سلّمت الرابطة الأرقام الوطنيّة لهؤلاء الكتّاب وأسماءهم للوزارة مرّةً واحدةً خلال الفترة بين الأعوام 2018- 2019، وصُرف لمن في القائمة مبلغ 1000 دينار لكل منهم، وكان منهم الراحل سعيد. وفي هذه الدورة 2019- 2021 رفعت الرابطة قائمة أسماء الكتّاب المحتاجين نفسها التي رفعتها في السنة الماضية إلى وزارة الثقافة مرة أخرى، «دون إنقاص أو حذف أي اسم، لكن كورونا والظرف العام عطلت كل شيء»، يقول شاهين.
كان سعيد قد سمع عن نيّة وزارة الثقافة تقديم دعمٍ ماليّ للعاملين الأكثر تضررًا في القطاع الثقافي، نتيجة توقف العمل في هذا القطاع منذ شهر آذار الماضي، فاتصل بعضوي الهيئة الإداريّة للرابطة أكرم الزعبي وكامل نصيرات، لوضع اسمهِ في القائمة التي سترفعها الرابطة للوزارة. «الزلمة كان مستعجل، وقال بدي تكتبولي ثمن علاج»، يقول الزعبي، مضيفًا أنه أوضح لسعيد أنه لا يملك صلاحية مخاطبة وزارة الثقافة، لكنه سيحدث رئيس الرابطة بإضافة اسمه.
كتب سعيد على حسابه في فيسبوك ما فُسّر من الهيئة الإداريّة للرابطة على أنه إهانة لها، وطُرح موضوع فصل سعيد من الرابطة قبل أن يتحوّل الموضوع إلى تشكيل لجنة للتحقيق معه. علم سعيد بالاجتماع، فعاد وكتب من جديد على صفحته في فيسبوك كلامًا فُسّر أيضًا على أنه موجه لرئيس الرابطة. اشتكى الرئيس سعد الدين شاهين بصفته الشخصيّة على سعيد لدى وحدة الجرائم الإلكترونيّة. يقول ابنه إسحاق إنه جاء بورقة من المستشفى تفيد بأنَّ والده لا يستطيع المشي، زود بها البحث الجنائي ودائرة الجرائم الإلكترونيّة، «عشان أجيب له موافقة ما يرحش على مخفر الشرطة».
عندما طلبت الوزارة من الرابطة تزويدها بقائمة بأسماء الكتّاب المتضررين، طلب شاهين كما يقول من رؤساء فروع الرابطة تزويده بأسماء الكتّاب المتضررين في المحافظات، أما بالنسبة لعمان، فقد اختار شاهين منها عددًا من الكتاب المحتاجين لإضافتهم. إلا أن رئيس فرع جرش في الرابطة، علي طه النوباني، قال في منشور إن الفرع لم يتلق «أي استشارة حول موضوع دعم المتضررين لا خطيًا ولا شفويًا، ولم نعلم عن موضوع الدعم هذا إلا بعد أن اشتعلت الخلافات حول القائمة التي قام رئيس الرابطة برفعها إلى وزارة الثقافة».[5]
ولم يجب شاهين على أسئلة «حبر» فيما إذا كان قد وضع اسم سعيد في القائمة، فيما يقول أكثر من عضو هيئة إداريّة إن الرئيس لم يضع اسم سعيد في القائمة بسبب الخلاف السابق معه، وعليه نشب خلاف بين أعضاء الهيئة الإداريّة على خلفيّة آلية اختيار الأسماء.
يصف الزعبي آلية اختيار أسماء الكتّاب المحتاجين بأنها غير قانونيّة «لإنه الأصل [القائمة] أن تعرض على الهيئة الإدارية، والهيئة الإدارية هي اللي تقرر كشف الأسماء وتوافق عليه». وهو ما لم يحصل وفقًا لشهادة أكثر من عضو في الهيئة الإداريّة.
يفسّر شاهين لـ«حبر» عدم عرض القائمة على الهيئة الإداريّة بالقول «جاءنا تلفون من الوزارة أرسلوا لنا عدد من الأسماء بالسرعة الممكنة، وكان هذا الخبر بين اجتماعين للهيئة الإدارية وليس من السهل أن أجمع الهيئة كلها»، بسبب وجود بعضهم في محافظات أخرى كما يقول شاهين، الذي يؤكّد أن الاجتماع الذي جرى فيه وضع الأسماء واستقبالها من فروع الرابطة في المحافظات حضره ثلاثة أعضاء من أصل 11 عضوًا.
بعد وفاة سعيد، وفي اجتماع 19 آب، أقالت الهيئة الإداريّة الرئيس سعد الدين شاهين، «بسبب المخالفات التي ارتكبها». يشرح الزعبي الذي انتخب في هذا الاجتماع رئيسًا للرابطة بدلًا من شاهين إنَّ هناك عدة مخالفات، واحدة منها تتعلّق بوضع قائمة الكتّاب المحتاجين التي رفعت لوزارة الثقافة والتي استثنت عددًا منهم، من بينهم سعيد، حيث لم تعرض القائمة على الهيئة الإداريّة.
هناك مجموعة من الكتّاب الأردنيين ممن طالبوا السنوات الماضية بإيجاد حلّ لأوضاعهم كعاطلين عن العمل أو بلا مأوى، وكان بينهم الشاعر محمد لافي، الذي كتبت الصحافة عن حاله في العام 2011، كشاعرٍ «لا يجد مأوى له ولطفلتيه، لعدم قدرته على تسديد أجرة بيته». في حين كان الكاتب والمترجم تيسير نظمي في العام 2014 يتنقل بين الفنادق الشعبيّة في وسط البلد، وينام أحيانًا على أبوابها وعلى أبواب المقاهي الشعبيّة بعد إغلاقها، بعدما أنهيت خدماته كمدرس في وزارة التربية والتعليم عام 1999، بحسبه. وفي العام 2014 انتشرت صورة لنظمي وهو ينام في الشارع إذ «كان يصدف [إنه] معيش أجرة الفندق».
إثر انتشار قصّة لافي ونظمي، تحرّك الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين وصرف معونات شهرية من الصندوق القومي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية لبعض هؤلاء الكتّاب الذين يعيشون بلا مأوى، وفق ما يؤكده لـ«حبر» مدير الاتحاد مراد السوداني.
يقول نظمي إنه تلقى من الصندوق في بداية العام 2015 مرتبًا شهريًا قدره نحو 200 دينار لمدة ثلاث سنوات، بعدها رُفع المرتب إلى 350 دينار في 2018. يدفع نظمي منها إيجار بيت صغير يبلغ 180 دينارًا.
حُجزت بطاقة التأمين الصحي للكاتب والقاص يوسف ضمرة لقاء 75 دينارًا لم يستطع دفعها للمستشفى، فيما كان سعيد يؤجّل عملية استبدال وركه لعدم توفرّ ثمن العمليّة.
ويعاني الكثير من أعضاء الرابطة ممن وصلوا مرحلة الشيخوخة من مشكلة العلاج، خاصة الذين يعانون من أمراض مزمنة أو يحتاجون عمليّات. فقد حُجزت بطاقة التأمين الصحي للكاتب والقاص يوسف ضمرة لقاء 75 دينارًا لم يستطع دفعها للمستشفى، فيما كان سعيد يؤجّل عملية استبدال وركه لعدم توفرّ ثمن العمليّة.
يعترف شاهين بأن عدد الكتّاب المحتاجين أكبر ممن يحصلون منهم على الدعم بشكل غير منتظم عن طريق وزارة الثقافة، ويقول «علينا أن نفتش عنهم»، معتبرًا أنَّ من يتقاضى راتبًا تقاعديًا منهم في حدود 300 دينار يجب أن يُعدّ متعطلًا ومتضررًا أيضًا.
يقول الكاتب هشام البستاني، إنَّ دور رابطة الكتّاب الأردنيين في ظل محدودية مواردها أن تشكّل مؤسسة ضاغطة على الجهات التي من الممكن أن تعتني بهؤلاء الكتّاب مثل وزارة الثقافة، ووزارة الصحّة، والديوان الملكي، أو مجلس النوّاب الذي يتمتع النواب فيه بمزايا صحيّة. «المال العام لازم يصرف على فقراء الناس، وهذا مش دعم حكومي، [إنما] دعم من المال العام للفقير»، يقول البستاني.
تتجه وزارة الثقافة في دعمها للكتاب والفنانين إلى دعم المنتج الثقافي للكاتب أو الفنان القادر على الإنتاج الثقافي، مثل دعم نشر كتب، أو شراء حفلات وعروض مسرحيّة منهم، أو دعم إنتاج الأفلام، أو إشراك الكتّاب في هيئات تحرير المجلات الثقافية الصادرة عن الوزارة أو في لجان تقييم الكتب التي تصدر عنها.
يقول الأمين العام لوزارة الثقافة هزّاع البراري لـ«حبر»، إنَّ قانون وزارة الثقافة وأنظمتها لا تسمح بتقديم مساعدات مالية، أو دعم مالي مباشر للكاتب؛ معتبرًا أن هذا الشكل من الدعم من اختصاص وزارات أخرى مثل وزارة التنمية الاجتماعيّة. لكنه يستدرك بالقول إن الوزارة تسعى لدعم الأدباء الذين يعانون من ضيق مادي ولا يشغلون وظائف رسميّة، بالتالي ليس لديهم تقاعد أو ضمان اجتماعي، «بالتعاون مع الروابط المعنية» و«من خلال المخاطبات المختلفة إلى رئاسة الوزراء أو الديوان الملكي».
تدعم وزارة الثقافة رابطة الكتّاب الأردنيين بمبلغ 20 ألف دينار سنويًا تصرف على دفعات، فيما حصلت الرابطة لأعضائها في العام 2008 على تأمين صحيّ حكوميّ بدرجة ثالثة، لقاء اشتراك سنوي قدره 120 دينارًا، يشمل تأمين المعالين مع عضو الرابطة في المراكز الصحيّة والمستشفيات الحكوميّة. «حاولنا في هذه الدورة وفي سابقتها أن نطور هذا التأمين لدرجة أفضل لتليق بالكتاب الأردنيين لكننا كنا نصل إلى طرق مسدودة، آخرها [حين] وجهنا كتابًا للجنة الثقافة في مجلس النواب وأطلعناهم على واقع الكتاب وحالتهم، والذين بدورهم رفعوا مذكرة إلى دولة الرئيس قبل جائحة كورونا بأيام»، يقول الزعبي.
«إن الدور في رعاية الكتّاب، خاصة كبار السنّ والمحتاجين منهم يقع على عاتق الدولة»، يضيف الزعبي، ويضرب مثالًا على نقابة اتحاد الكتّاب بمصر التي تصرف معاشات للكتّاب من كبار السنّ. «خلينا نكون موضوعيين شوية، إنت بتحكي عن طبقة كتاب السواد الأعظم فقير».
«لو كانوا يصرفوله راتب، كان قعد شوي، ارتاح ودار باله على حاله. كان قاتله الشغل، لإنه قال إذا أنا بقعد عن الشغل إحنا ما بنعيش».
في أكثر من بلد، تعتبر الكتابة مهنةً، وحين يصل الكاتب إلى عمر الشيخوخة يصرف له معاشٌ من المؤسسة التي ينتمي لها ومن الدولة. ففي مصر، وفقًا للائحة الإعانات والمعاشات في نقابة اتحاد الكتّاب، فإنَّ لعضو الاتحاد الحق في المعاش إذا ما بلغ الستين من العمر أو مضى على عضويته العاملة عشر سنوات، أو كان يعاني من عجزٍ كليّ، ومن حصل على عضوية النقابة قبل سن الخمسين وأمضى عشر سنوات فيها. وتورث المعاشات لعائلة عضو النقابة في حالات محددة.
في الأزقة بين جبل اللويبدة ووسط البلد، ثمة كتابٌ ومترجمون، بعضهم أعضاء في الرابطة وآخرون ليسوا أعضاء فيها، يتنقلون بين المقاهي الشعبيّة، منهم من يبيع البسكويت على الطرقات، وآخرون يمسكون بترجمات قديمةٍ لهم، وغيرهم في محافظات أخرى، بلا عملٍ، أو يعملون في مهن البناء، ومنهم من لا يستطيع التوقف عن العمل.
على غير العادة، لم يحضر أحدٌ من وزارة الثقافة جنازة سعيد، ولا قدّمت الوزارة العزاء لأرملته، فيما لم تشارك الهيئة الإداريّة للرابطة في مراسم التشييع والعزاء، بحسب حضور الجنازة من عائلته وبعض أصدقائه. تقول أرملة سعيد، التي تعمل في عمّان وتتقاضى راتبًا قدره 290 دينارًا، إنها ستدفع الآن وحدها 250 دينار أجرة البيت وفواتير الكهرباء والماء. تتذكر أم يعقوب آخر أيّام زوجها التي لم يتوقف فيها عن العمل. «لو كانوا يصرفوله راتب، كان قعد شوي، ارتاح ودار باله على حاله. كان قاتله الشغل، لإنه قال إذا أنا بقعد عن الشغل إحنا ما بنعيش».