القدس بين 1948 و1967: قراءة في خريطة سياحية

تحت عنوان "كليشيه خريطة سياحيّة من المطبعة العصريّة"، قدّم الباحث الفلسطيني طارق البكري محاضرة افتراضية بثتها قناة يوتيوب "المتحف الفلسطيني"، أمس، وفيها أخذ الباحث متابعيه في جولة في مدينة القدس خلال الحكم الأردني الذي بدأ بعد وقوع النكبة عام 1948، وانعقاد مؤتمر أريحا الذي أدّى إلى وحدة الضفتين، واستمر حتى احتلالها عام 1967.

يستند البكري إلى خريطة سياحية تقدّم لزوار القدس، وقد طبعتها المطبعة العصرية، وتتضمّن بحسب الباحث تفاصيل للمستشفيات والقنصليات والفنادق وشركات الطيران، ويحاول البكري من خلال معطيات وتفاصيل هذه الخريطة أن يعيد بناء ذاكرة الجزء الشرقي من المدينة وحركة الناس فيها.

يقول البكري "كلّ هذه الأماكن كانت متركّزة في أماكن محدّدة من  القدس، وقد استلمت الأردن جزءاً منكوباً منها، حيث كان الشقّ الغربي من المدينة يضمّ كل الدوائر الحكومية والخدمية، والبريد ووكالات السيارات والجمعيات الخيرية وحتى مصلحة الإذاعة، كلها كانت موجودة في شارع يافا وحيّ "مأمن الله" حتى الأسواق التجارية كانت في ذلك الشق". 

الصورة

افتتاح فندق سان جورج

الملك حسين يفتتح فندق سان جورج

من هنا، يذكر البكري أن الجزء الذي استلمته الأردن من الانتداب البريطاني كان يضم~ مبنيين حكوميين فقط، هما "القشلة"؛ مركز الشرطة عند باب الخليل، ومتحف الآثار الفلسطيني الذي أطلق عليه الاحتلال الإسرائيلي اليوم "روكفيلر". 

يكمل البكري أن القدس عانت مثلها مثل غيرها في 1948، فالمدينة التي كانت تضم 65 ألف إنسان بشقيها أصبح عدد قاطنيها 33 ألف فلسطيني، ناهيك عن اللاجئين الفلسطينيين من حوالي 38 قرية بعضهم بقي حول القدس وبعضهم انتقل إلى مخيمات أخرى، وبقيت المدينة سنة كاملة بلا كهرباء وعاش الناس فيها أوضاعاً سيئة، وهكذا كان حالها حين استلمتها السلطات الأردنية بعد "مؤتمر أريحا"، بحسب البكري. 

بدأ الأردن يستثمر في مناطق من القدس، خاصة في أماكن معينة في مثل شوارع السلطان سليمان (كان اسمه شارع الملك حسين) المحاذي لباب الساهرة والعمود، والزهرة (كان اسمه شارع بورسعيد)، وصلاح الدين (ما زال يحتفظ بنفس الاسم)، وكلّها أماكن تذكرها الخريطة السياحية. وعرَض المحاضر ورقة لأمين القدس روحي الخطيب يعود تاريخها إلى عام 1961، ويظهر فيها عنوان عمارة سينما القدس، في شارع بورسعيد، كما عرَض ورقة أخرى للعنوان نفسه بعد الاحتلال، حيث أصبح اسمه شارع الزهرة عام 1968.

الصورة

فريد الأطرش في القدس

فريد الأطرش في مطار القدس الدولي 1961

تطرّق الباحث إلى عودة الحركة التعليمية في تلك الفترة في مدارس القدس، بين حكومية وأهلية تابعة للكنائس ومدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ويذكر كيف كانت القدس تستضيف خلال تلك الفترة الطلاب من كل العالم العربي، ويذكر أمثلة من عائلات كويتية كانت تحضر أبنائها للدراسة في مدارس "المطران" و"كلية شميت للبنات"، وهذه مدارس يلفت البكري إلى أنها ما زالت موجودة إلى اليوم. 

بالنسبه للبنوك، تركز وجودها في شارع صلاح الدين شارع السلطان سليمان، ومن بينها الفرع الأساسي للبنك العربي الذي تأسس عام 1930، وكان هناك بنوك "إنترا" و"بترا" و"الأردن" و"العقاري العربي" وغيرها. 

أما الفنادق، فكان هناك أكثر من 25 فندقاً في القدس منها  الفنادق الفخمة والنزل وأماكن الإقامة الصغيرة وبيوت الاستضافة المتواضعة،  من أشهر فنادق القدس الفخمة في تلك الفترة "الفندق الوطني" وتملكه عائلة أبو الحاج. 

أما فندق "ريدز"، فيعود إلى عائلة بركات، و"الأورينت هاوس" للحسيني، وهناك "سان جورج" الذي افتتحه الملك حسين عام 1965، ويذكر الباحث أن العائلات المقدسية كانت تقيم أعراسها في هذه الفنادق، التي ما زالت موجودة اليوم، إمّا أنها مرممة وإما جرى توسيعها. 

الصورة

القدس

لوحة إعلانات في القدس الشرقية منذ فترة الحكم الأردني، من المحاضرة

أما دور السينما، فقد عرفت القدس السينما قبل عام 1948 ولكن كل الصالات كانت في الشق الغربي، وبعد 1948 تأسّست سينما القدس عام 1952، وسينما الحمراء التي تأسّست في السنة نفسها، وسينما "النزهة" تأسست عام 1950 وهي اليوم مقرّ المسرح الفلسطيني (الحكواتي)، وهي صالات استمرت في تقديم الأفلام حتى الثمانينيات. 

عرَض الباحث أيضاً صوراً من ملصقات وصحف لزيارات قام بها البابا بولس للقدس، وحفلة لفيروز وفريد الأطرش التي أقام فيها حفلة حضرها الملك حسين عام 1961، ولفت إلى زيارات ممثلين من هوليوود للمدينة.

يقدّم الباحث قراءة للخريطة بقنصلياتها ومكتباتها ومستشفياتها إلى أن يصل إلى مصير هذه المباني بعد الاحتلال الإسرائيلي، وهي أماكن جرى نهب هوياتها وأسمائها ومحتوياتها وعناوينها، وبعضها هدم وبني مكانه مستو طنات مثل فندق شبرد. أما مطار القدس الدولي، فأصبح اليوم حاجز قلنديا، وينهي البكري محاضرته بلوحة إعلانات زرقاء ما زالت واقفة في القدس الشرقية إلى يومنا، تعود إلى سنوات الحكم الأردني لذلك الشق، وهي لوحة خالية وصدئة ومنسية ولكنها شاهد على ذاكرة المدينة  الحيّة في تلك السنوات. 

أضف تعليقك