القاص محمد عارف مشّة: متعة رائحة الورق تظل أجمل في القراءة والكتابة

«دردشة ثقافية»، ذات طابع نقدي للراهن والمعيش، نطل من خلالها على عوالم مبدعينا الأردنيين والعرب، ونتأمل جانبًا رؤاهم الخاصة لكثير من المفردات، والصغيرة منها والكبيرة، ونتجول في مشاغلهم الإبداعية، ونتعرف من خلالها إلى أبرز شجونهم وشؤونهم..

في هذه الدردشة نستضيف القاص محمد عارف مشّة*.

* أبدأ من «كورونا»، ذلك الفايروس الذي راح يعصف بالعالم، بالناس، بالنظم السياسية والفكرية السائدة، بالكثير من العادات والتقاليد، ترى ما أبرز الأسئلة التي أثارتها في وجدانك تداعيات «كورونا»؟

 

- كثيرة هي الأسئلة التي فوجئنا بها، كانت في أولها أين كنّا قبل الكورونا، وأين نحن الآن، وأين سنكون غدا، لقد تفتحت عيوننا على أسئلة قلق الوجود عند الإنسان المثقف والعادي، إذ ماذا كان دورنا قبل هذا الفيروس وهل خطر في بالنا أن يكون فأعددنا العدة له؟

كورونا ليست حالة حديثة، فقد سبقته حالات كثيرة من انتشار أوبئة متعددة عالميا، والكورونا ظهرت له تحذيرات بوجوده منذ عدة سنوات، لكننا كمثقفين وسياسيين وعاملين في مجال صحة الإنسان والبيئة، لم نأخذ الأمر بشكل جدي أو كاف لهذا الأمر. والسؤال الأهم هل حقا أن الإنسان مهدد وجوده تماما على هذه الأرض أم أن الإنسان الحالي قد أصبح ديناصور الفناء ليأتي شكل جديد من أشكال الفناء لإنسان جديد قادر على البقاء وبأنه فعلا البقاء للأقوى والأصلح؟ وهل فعلا أن كل هذه التكنولوجيا وعلوم الإنسان تقف عاجزة أمام فايروس لا يرى بالعين المجردة؟

* تحديات جمّة تواجهها المجتمعات العربية، على الصعد كافة، ترى هل على المثقف أن يقوم بدور ما حيال مجتمعه؟ وما طبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به في ظل النظم السياسية القائمة؟

 

- هل فعلا سُمح للمثقف سابقا أن يقوم بدوره سابقا؟ أم مورس عليه نظام التعتيم الإعلامي والمعرفي؟.. أعتقد أن المثقف لم يأخذ دوره الحقيقي على كافة الصعد لأسباب كثيرة لا يجهلها أحد، فافتعال العداء الوهمي بين السلطة السياسية وسلطة المثقف، جعلت الغلبة سابقا لسلطة الحكومات.

أعتقد الآن نحن في الأردن قد زاد التقارب في زمن الكورونا ما بين سلطة السياسي والثقافي، لما تقدمه الدولة الأردنية من تضحيات لمصلحة المواطن الأردني بل والإنسان أينما كان، مما قد يسمح بسهولة التواصل كمتكافئين مابين سلطة الدولة وسلطة المثقف بتكافؤ دون هيمنة أحدهما على الآخر ليقوم كل بدوره.

أما عن بقية دول العالم في زمن الكورونا فلا زالت الإجابة غير واضحة ولربما تكون متسرعة..

* لم يزل سؤال التنوير واحدًا من أهم أسئلة الثقافة العربية، منذ أزيد من قرن، ترى هل استطاع المثقف العربي تقيم إجابة، أو شبة إجابة حتى، على ذلك السؤال؟

 

- أعتقد أن الثقافة العربية قد وجدت الإجابة، لكن لمّا يجد المثقف هذه الإجابة لغاية اللحظة إلا من بعض المثقفين الاستثنائيين الذين حاولوا البدء في مشروعهم الثقافي ولم يكن عمرهم كافيا لاستكمال هذا المشروع الجماعي الهام.

سؤالنا العربي الأهم هو من نحن وماذا يمكن أن نقدم لأنفسنا وماذا نملك للآخرين كي نقدمه كمشروع حضاري وثقافي غير النفط والثروات الطبيعية؟

حين كان لدى العربي مشروعه الثقافي والحضاري وصل بمشروعه الثقافي والحضاري إلى حدود الصين وإسبانيا ومناطق كثيرة في مجتمع العالم القديم وترك بصمته العربية في تلك الحضارات. الآن نحن بحاجة لمشروع حضاري عربي والخروج من التبعية في مجالات كثيرة.....

* في الوقت الذي نتأمل فيه بعض مرايا الثقافة العربية، ترى هل هي ثقافة حرّة؟ أم هل ثمّة هيمنة، أو أكثر، تمارس على هذه الثقافة؟ وإذا وجدت تلك الهيمنة، فما الذي تسعى لتحقيقه، أو ترسيخه ربما؟

 

- نعم أكيد هناك هيمنة واضحة منذ أن تركنا المقاعد المتقدمة وقبلنا الجلوس في المقاعد الخلفية مستهلكين لا منتجين. فبدل أن نستغل الإنترنت مثلا بثقافته المفتوحة لصياغة مشروعنا الحضاري، صرنا مجرد متلقين لما تفرزه وسائل التواصل من رثيثها البالي.

يمكن من خلال استغلال النت والتواصل مع المثقف الآخر لإيجاد مشروع ثقافي انساني شمولي، ولمّا كان من الصعب الآن بسبب وجود اختلافات متباينة في الأيديولوجيا السياسية والاقتصادية والمعرفية حاليا، أن تتفتح أفاق أوسع ما بعد عصر الكورونا وأن يكون للثقافة والمثقف العربي في الإسهام في العالم القادم الجديد، ـ إن شئنا ـ.

* ثمّة تسارع كبير يشهده العالم، في كل لحظة ربما، على الصعيد التكنولوجيا والمعلومات، ترى هل أثّر ذلك على طقوسك الإبداعية في القراءة والكتابة؟

 

- بالتأكيد فالتكنولوجيا سهلت الوصول للكثير من وسائل المعرفة. المشكلة ليست في إيجاد المعلومة بالقدر الذي كيف يمكن استغلال هذه المعلومة المعرفية لتصبح واقعا معيشيا يستفاد منها.

نعم ففي الشق الثاني من السؤال، وبحكم الوضع الاقتصادي لدى الكاتب كغيره ممن يعانون من صعوبة الحياة الاقتصادية، ربما كان التحول من الكتاب الورقي لارتفاع ثمنه ولصعوبة الوصول إليه ورقيا أحيانا، صار من خلال الانترنت سهولة القراءة في أي وقت أشاء دون بذل مجهود إضافي، وهذه الحالة إيجابية وسلبية في الوقت ذاته. كما أن وجود جهاز الكمبيوتر سّهل الكتابة والتخزين لما نكتب، وليس هناك خوف على ما نكتب إن فقدنا الانترنت فـ(الفلاشة) ستبقى للتخزين بعيدا عن هيمنة الانترنت.

وتظل متعة رائحة الورق أجمل في القراءة والكتابة.

* ماذا عن انشغالاتك الراهنة؟ ماذا تقرأ؟ ماذا تكتب؟

 

- كنت قبل انتشار وباء الكورونا أعددت مجموعة في القصة القصيرة جدا، ثم حاولت الاقتراب من الانتهاء من مجموعة قصصية في القصة العادية وفي رواية اقتربت من منتصفها بعنوان شارع سقف السيل، تدور غالبة أحداثها وشخوصها في هذا الشارع الجميل الذي يعرفه أهل عمان وبعض الدول العربية والعالمية من خلال المدرج الروماني كجزء من هذا الشارع.

الآن وفي ضوء المستجد من الأحداث العالمية، وفي ظل حظر التجول بدأت بمشروع رواية جديد تحت عنوان (حب في زمن الكورونا)، آمل أن يتم إنجازها في الوقت المحدد لها. وأقوم بين الحين والآخر بنشر بعض المقتطفات منها.

* محمد عارف مشّة، ـ عضو رابطة الكتّاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، مقرر لجنة القصة والرواية في رابطة الكتّاب الأردنيين في الدورتين الحالية والسابقة، أصدر أول مجموعة قصصية عام 1983، سبق له كتابة الدراما التلفزيونية والإذاعية وإعداد بعض البرامج التلفزيونية.

أضف تعليقك