العلم والغيب يحاصران اللغة العربية في "الشارقة للكتاب"

العلم والغيب يحاصران اللغة العربية في "الشارقة للكتاب"
الرابط المختصر

لم تكن مفارقة عابرة أن يتصدى باحثان قادمان من حقول معرفية بعيدة لواقع اللغة العربية؛ غير أن الروائي حبيب عبد الرب سروري، أستاذ علوم الكمبيوتر، ظهر متشائماً بسبب عجز لغتنا عن مواكبة التطور العلمي والرقمي، خلافاً للكاتب عمر عبد العزيز، أستاذ الاقتصاد، الذي اطمأن إلى عدم حصول إحلال لغوي للعربية.

 

قدّم المحاضران اليمنيان ورقتيهما، مساء اليوم الجمعة، في ندوة حملت عنوان "رحيق الكلمات/ الكلمة منارة الغد"، وأدارها الكاتب الإماراتي إبراهيم المبارك ضمن فعاليات معرض الشارقة للكتاب في دورته الرابعة والثلاثين.

 

ناقش سروري اللغة ببعديها؛ الجماليات والمضامين، لافتاً إلى أن البعد الأول المتعلق بالأسلوب يحيل إلى المبدع بوصفه صياداً ماهراً يقبض على التيار الكهروكيماوي في الدماغ، ويعيد صياغته بأدوات بلاغية تشكل صوراً جديدة تبقى محفورة في الذاكرة الإنسانية، باعتبار أن "الأسلوب هو الإنسان"؛ أي الجسر الذي يربط التفكير باللغة.

 

وبدا صاحب رواية "ابنة سوسلوف" منافحاً عن لغة جديدة تقاوم اللغة المهيمنة لدى الطغاة والقوى الظلامية والشمولية، فهي طاقة للتنوير والتجديد، وأن للكلمة دورها في "تعلّم الدفاع الذاتي ضد تضليل اللغة وتعميتها"، كما يقول نعوم تشومسكي، مستشهداً بعمل روائي انتمى إلى هذا الطرح، وهو "1984" لجورج أورويل، وما تضمنته من تنبؤات نعيشها هذه الأيام، إذ يقوم "الأخ الأكبر" على استخدام لغةً جديدة تقضي على ثقافة الحرية، وثقافة الجدل، وتتبنى المسلمّات والنسق السائد.

 

وبتأكيده على دور اللغة في التنوير وتحرير الإنسان وصناعة ثقافة الحرية، تطرّق سروري إلى اللغة كوطن بلا حدود، وهو ما يتطلب إصلاحات دائمة وتجديد القواميس والمعاجم سنوياً.

 

بدوره، انطلق عبد العزيز من منطقة مختلفة، تذهب إلى معاينة اللغة كونها ترجمان صوتي لتعابير ومشاعر إنسانية، ويتحول النطق إلى دوال بصرية، لنكون إزاء تراتبية جبرية بين الحركة والسكون، وبذلك تشكل الكلمة خوارزميات مدوزنة ومموسقة، ويكون الجانبين البصري والصوتي في حالة تواشج.

 

أشار صاحب كتاب "سيكولوجيا الجمال" إلى أن علماء الكلام قدّموا انزياحاً تفسيرياً للنص القرآني أنتج التأويل وعلم الكلام، منوهاً إلى أن الثقافة العربية تمتلك عقلاً بيانياً تنحو إلى التجريد والماورائيات والغيب، لكنها لا تغفل البعد المعرفي، ولا يكون البيان على حساب البرهان فيها.

 

وتحدث عن اللغة العربية باعتبارها صادرة عن النص القرآني، وأن تسبح بعد ذلك في فضاء الفلسفة التي لا تعني إلاَ سؤالاً لا جواب لها، مضيفاً أن كل كاتب يتداعى بطريقته الخاصة، وفق مقولات محيي الدين بن عربي ورولان بارت، حيث تخلق الكتابة أشراطاً وطرائق وتحولات تختلف عمّا أستكننه الكاتب قبل البدء بعملية الكتابة.

 

اقترح عبد العزيز أن نفكّر ملياً في كيفية تطويع اللغة العربية في محركات البحث على شبكة الإنترنت، ونعيد النظر في قوالب اللغة العربية، وفي تسهيل اللغة على غرار اللغة الإنجليزية، كونها مسؤولية جسيمة، مذكراً بما فعله الأسلاف الباحثون عن المستحيل، ومنهم الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي بحث في اللغة عبر الموسيقى.

 

أظهرت مداخلات الحاضرين حدود المنطقتين المتقابلتين، التي ينظر بها كلا المحاضرين إلى اللغة، فأعاد عبد العزيز مقولته إن "ثقافة البيان ليست محنة، إنما تعد ميزةً"، وبذلك لا يرى معضلة في قدرة اللغة العربية على احتضان العلوم، إذ تكمن المشكلة، فقط، بحسب رأيه، إلى الاستبعاد الإجرائي للعقل العربي الذي يفكر بهذه اللغة، لا باللغة ذاتها.

 

سروري تمسك بمقولته حول جمود اللغة العربية وما يقدم عبرها من فكر، واستشهد بما أسماها "العاهات الكبرى" التي تعانيها في تدوين العلوم والاستخدام الرقمي، فهي لم تعد صالحة إلاّ للدين والأدب.

أضف تعليقك