"الطبخ عشقا".. رواية مكسيكية تفتح الشهية

الرابط المختصر

إذا عشقتَ ولم تظفر بمحبوبك، فالزم مطبخك فورا!

إن كان يمكننا اختصار الروايات في رسائل فتلك رسالة الروائية المكسيكية لاورا إسكيبيل في روايتها البديعة "كالماء للشوكولاته". وهي رواية فريدة في بابها مع أن قصتها الرئيسية تكاد تكون تقليدية تماما. فتاة اسمها تيتا تحب ابن قريتها بيدرو، في زمن قديم غير محدد، ربما أوائل القرن الماضي حيث تشتعل الثورة المسلحة وحروب العصابات في المكسيك، لكن الأم إيلينا القاسية، تجهض الحب الوليد رافضة تقدم بيدرو لخطبة تيتا، فهي الابنة الصغرى، وثمة تقليد بالٍ للأسرة يحكم على الابنة الصغرى بعدم الزواج والتفرغ لخدمة أمها حتى الموت!



يتقدم بيدرو للزواج من شقيقتها روساورا فقط ليصبح قريبا من تيتا، وبعد صراعات وتقلبات تمتد إلى ما يزيد على العشرين عاما، تتزوج تيتا حبيبها بيدرو بعد وفاة روساورا التي تدرك أنها خطفت حبيب أختها، لكنها تقدس التقاليد أيضا حتى إنها تحكم على ابنتها إسبرانثا بالحرمان من الحب، لأنها ابنتها الوحيدة الملزمة بخدمتها وبالتالي، الممنوعة من الحب والزواج!



لكن الرواية تحفل بالرسائل والأفكار المدهشة، التي تستحق التأمل أكثر مما تستحقه من سرد تفاصيل الأحداث.

لكن ملاحظته فكرة الصراع فسبيل الحرية. ثمة انحياز صريح للإيمان بفعل الحرية؛ بحق تيتا في تقرير مصيرها وكسر قيود أمها القاسية. تقودنا الكاتبة إلى تسلسل هادئ للأحداث، من شأنه أن يغمرنا بالتعاطف مع فتاة تحب شابا من أول نظرة، لكن أمها تحرمهما من الحب. قد تبدو الفكرة تقليدية تماما، وهذا حق في أحد جوانبه، لكن إسكيبيل، وبمقدرة إبداعية حقيقية، تعوض ذلك بجوانب أخرى من العمل.



من هذه الجوانب بنية الرواية نفسها، فهي مقسمة إلى اثني عشر فصلا هي شهور السنة، ويبدأ الفصل بتقديم مقادير الطعام المطلوبة لإعدادا وجبة مكسيكية، ووصف طريقة إعدادها، مع نوع من التعامل مع الطبخ باعتباره تجليا من تجليات العشق، وصورة راقية منه. والكاتبة لا تعني بذلك الطعام، بل فن الطبخ؛ فهو التجلي "الموازي" لحضور الذات الإنسانية للبطلة المقهورة، ومن خلاله تستطيع تيتا التنفيس والتفريج عن نفسها، كما تتمكن من تغيير مسار الأحداث وإن لم تدر بذلك.

 

هنا نصل إلى جانب آخر مهم للرواية: كيف لعبت إسكيبيل على أوتار الواقعية السحرية، المدرسة الأدبية الشهيرة التي ابتدعها كُتاب أمريكا اللاتينية، بدءا من بورخيس وخوان رولفو، مرورا بماركيز والليندي، وانتهاء بإسكيبيل وجيلها الأصغر. تتكئ الواقعية السحرية على مبدأ بسيط: ثمة واقع سياسي واقتصادي غير منطقي بأي حال، فلماذا لا نتجرأ على صياغة عوالم ذات قوانين سحرية، تمتزج فيها قوانين عالمنا الحقيقي بالقوانين الخيالية؟ بحيث لا يشعر أحد من شخصيات الرواية بالدهشة أو الحاجة لتفسير شيء من تلك القوانين.