"التفكير في العلامة": جذور في العصر الكلاسيكي

في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهر مشروعان متوازيان يعتبران اليوم المشروعين اللذين أطلقا السيميولوجيا كحقل معرفي جديد؛ الأول قدّمه الفيلسوف وعالم المنطق والرياضيات الأميركي تشارلز ساندرز بيرس، والثاني وضعه عالم اللسانيات فرديناند دي سوسير. 

يختلف المشروعان في مقارباتهما، غير أنها يتفقان بأن موضوع السيميولوجيا هو العلامة وبالتالي بات هذ المجال المعرفي يقدّم باعتباره علماً جديداً، فهل هو كذلك بالفعل؟

في كتابها الصادر مؤخراً عن منشورات "فرين"، تتصدّى الباحثة الفرنسية هيلين لوبلان إلى الطرح حيث تفنّد ميلاد السيميولوجيا كعلم جديد، إذ ترى أن الجديد هو توفير تسمية وبناء جهاز مفاهيمي مستحدث قائم على علم المنطق لدى بيرس وعلى نموذج اللغة عند دي سوسير، لكن الفكر السيميولوجي موجود منذ قرون.

لدعم طروحتها، تعود المؤلفة إلى القرن السابع عشر لتعرف إن كان يوجد وقتها وعي بالعلامة كمفهوم، ومن خلال ذلك تصل إلى إشكالية أخرى تتعلّق بأسباب عدم تبلور دراسة العلامات في حقل علمي منفصل وهو ما تحقّق بعد قرون. 

ترى لوبلان بحضور العلامات كإشكالية في ذهن العديد من المؤلّفين مثل المعجمي الفرنسي بيير بايل، والفيلسوف البريطاني توماس هوبز، مشيرة أيضا إلى علماء فلك وثيولوجيين كانت مسألة العلامات تشغلهم، غير أنها كانت دائما تذوب داخل نسيج نصوصهم التي تكون في الغالب ذات أهداف تأويلية. 

ترى لوبلان أيضا بوجود جدل لدى بعض دارسي الإنجيل حول العلامة، ومن ذلك تفرقة بعضهم بين العلامة- الأداة والعلامة- الصورة، وهو جدل ترى أنه لا يأتي من فراغ بل يقف وراءهم تاريخ بعيد يضرب في تقاليد هذه المدارس منذ العصور الوسطى، وحين تتابع هذا الخيط ترى أن أوغسطينوس قد انشغل هو الآخر بالعلامة في ذاتها.

أضف تعليقك