التعليم الديني المعاصر: مرتكزاته المنهجيّة ومضامينه المعرفيّة

يُثار مجدّدا، الآن وهنا، سؤال "التعليم الديني في مواجهة العنف ومتطلّبات المعاصرة" ضمن سياق تاريخي تميّز بحراك سياسي واجتماعي شهدته عدّة دول عربيّة منذ أواخر سنة 2010، وما ترتّب عليه من ردود فعل مختلفة ومتباينة، سواء من سائر دول العالم العربي أو دول العالم الغربي على وجه الخصوص. وفي خضمّ هذه التحوّلات وردود الأفعال، طفت على السطح مقالات أقامت صلات تلازم بنيوي وسياقي في آن معًا بين الإسلام والعنف، أو بين الإسلام والإرهاب. وقد أنتج ذلك كلّه، خطابات متباينة الرؤى والمقاصد إزاء الإسلام والإرهاب بتباين رؤى منتجيها ومقاصدهم الصريحة والضمنيّة.

ولئن حرصت بعض الدول الأوروبيّة، على غرار ألمانيا، على القيام بعمل استباقي بمقتضاه أصبحت راعية بشكل مباشر وتحت أنظار الدولة، للشأن الإسلامي والمسلمين المقيمين على ترابها؛ وذلك من خلال ما أسّسته من مراكز أو أقسام الدراسات الإسلاميّة (برلين، مونستر، فرانكفورت، توبنغن...)، فإنّ تدبّر هذه المسألة يُحوج إلى دراستها من أصولها ومنابتها الإبستيميّة. ومن ثمّ، رأينا فائدة في مقاربة إشكاليّة التعليم الديني بين التصدّي للعنف والقبول بمقتضيات المعاصرة والانخراط في التاريخ انخراطا منتجا وخلاّقا. واستقرّ رأينا على الخوض في موضوع مداره على تعيين أهمّ المرتكزات المنهجيّة والمضامين المعرفيّة للتعليم الديني المعاصر.

إنّ الدعوة إلى تعليم ديني معاصر يكون قادرا بحقّ على مواجهة العنف، وعلى الأخذ بأسباب المعاصرة لا يمكن تحقيقها في الواقع التاريخي، ما لم تقع مقاربة التعليم الديني التقليدي مقاربة نقديّة، سواء في مناهجه التدريسيّة أو في موادّه المعرفيّة، أو في القيّمين عليه من جهة نوعيّة تكوينهم وثقافتهم، فضلا عن انتظارات جمهورهم من المتعلّمين. وغير خاف اليوم، أنّ التعليم الديني التقليدي الذي كانت ولا تزال تشرف عليه المؤسّسة الدينيّة[1]، إنّما هو تعليم اتّسم، وعلى امتداد قرون، بغلبة نزعة التلقين والحفظ عليه، وباعتماد الكمّ في الموادّ المدرَّسة على حساب المضمون المعرفي، وبالتعامل مع الموادّ التعليميّة من منظور استيعابها وتلقّيها دون إخضاعها إلى النقد والمراجعة والتنسيب، فضلا عن أنّ المتعلِّم، في العمليّة التدريسيّة والتكوينيّة، يمثّل فيها الحلقة الأضعف مقارنةً بالمعلِّم وبالمقرّر التعليمي.

والرأي عندنا، أنّ المرور من التعليم الديني التقليدي إلى التعليم الديني المعاصر يقتضي بالضرورة مراعاة المعطيات التالية جميعها، وهي:

ـ الوعي بالفروق الجذريّة بين العقل الإسلامي الوسيط[2] (وهو عقل يرى فيه اللّهَ هو مركز الكون) وعقل الحداثة[3] (بوّأ فيه الإنسانَ مركز الكون).

ـ استحضار ما حقّقته البشريّة في العصور الحديثة من ثورات معرفيّة كبرى، كانت لها آثار عميقة على نظرة الإنسان إلى ذاته وإلى العالم والكون، وتقدير منزلته فيهما[4].

ـ إشراف الدولة الوطنيّة الحديثة على الشأن التعليمي، وما ترتّب على ذلك من أشكال المواجهة أو المسايرة أو المناورة بين مؤسّسة الدولة والمؤسّسة الدينيّة التقليديّة بحسب مقتضيات السياقات التاريخيّة والمصالح الماديّة والمكاسب الرمزيّة.

ـ تعدّد طرُق الانتقال من التعليم الديني التقليدي إلى التعليم الديني المعاصر، ولكن في كلّ الحالات ينبغي أن يتمّ ذلك الانتقال بكيفيّة سَلِسَة من نحو إقناع المشرفين على التعليم التقليدي أو المتخرّجين من المعاهد الدينيّة التقليديّة بتلقّي تكوين منهجيّ ومعرفيّ معاصر في مختلف القضايا التي لها تعلّق بالشأن الديني عموما، كأن تُخصّص لهم دورات تكوينيّة وتدريبيّة[5] في هذا الباب تؤهّلهم، ولو نسبيّا، لتوسيع آفاقهم المعرفيّة.

1 ـ المرتكزات المنهجيّة:

إنّ التعليم الديني المنشود الذي نراه قادرا على مواجهة العنف وتحقيق مقتضيات المعاصرة، ينبغي أن يتأسّس على اختيارات منهجيّة صارمة ودقيقة من أجل أن يحقّق هذا الضرب من التعليم أهدافه ومقاصده؛ من ذلك عدم المفاضلة بين الأديان، فكلّ دين (وخاصّة منها الأديان العلميّة والمتطوّرة) يعبّر عن مجموعة من القيم الإنسانيّة السامية، ويدعو إليها من قبيل الرحمة والتسامح والمحبّة والتكافل والحريّة الدينيّة والكرامة... إلخ. وهذا المرتكز المنهجيّ يمكّن كلّ الأطراف المتدخّلة في العمليّة التعليميّة من الابتعاد عن كلّ أشكال الفكر الدوغمائي[6] والوثوقي الذي يؤسّس لثقافة تكفير الآخر، وينتج فكرا إقصائيّا[7]، ممّا يفضي إلى سيادة أنماط عديدة من التعصّب الديني أو التطرّف المذهبي، وهو ما يتطلّب التزام الحياد في دراسة الظواهر الدينيّة وكلّ ضروب الإنتاج الديني. وبذلك، ينأى الباحث بنفسه عن المواقف المنتصرة لمذهب أو لفرقة أو لدين. فلا معنى مثلا للقول، إنّ الإسلام هو أصحّ الأديان وأرقاها وما سواه هرطقات وأباطيل، ولا معنى أيضا للقول إنّ الفكر السُنّي هو الممثّل للإسلام وما سواه من فكر شيعي أو غيره هو بِدَع وضلالات وزيغ. وكم هي عديدة تلك المؤلّفات في الجدل الديني[8] أو في علم الكلام أو تاريخ الفرق[9] التي تحمل في عناوينها ومظانّها تسميات ونعوتا استهجانيّة تكرّس لثقافة الإقصاء، وتنفي كلّ أمل في حوار ممكن سواء بين الأديان أو داخل تيّارات الدين الواحد.

ومن الأسس التي يستند إليها التعليم الديني المنشود يتمثّل في  بيان تاريخيّة الظواهر الدينيّة بصفة عامّة، وهو ما يمكن إنجازه من خلال دراسة جميع أشكال الإنتاج الديني ممّا له تعلّق خاصّة بصور التديّن (أي كيفيّة ممارسة الدين في الواقع التاريخي وارتباطه بحياة الإنسان الديني وبشؤون تعبّده وممارسته للطقوس الدينيّة). ولا شكّ أنّ في إثبات تاريخيّة تلك الظواهر اعترافا بنسبيّتها. ومن ثَمّ، يمكن نقدها ومراجعتها كليّا أو جزئيّا دون مواربة؛ بمعنى آخر لا توجد حقائق دينيّة ثابتة ومطلقة في الفكر الديني عموما. فنقيض هذا المبدأ يؤول إلى سيادة فكر ديني واحد يحتكر "الحقيقة" وفق رؤيته الضيّقة الخاصّة. ولا شكّ في أنّ الإقرار بتاريخيّة الظاهرة الدينيّة يثبت نسبيّتها، ومن ثمّ ينبغي أن ننزع عنها كلّ ما يمكن أن يُسبَغ عليها من معاني الإطلاق والتعالي والتقديس واللاتاريخيّة؛ فكلّ الظواهر الدينيّة ومنتجات الفكر الديني مفتوحة للنقد وللمراجعات الجزئيّة أو الجذريّة.

وهكذا، نرى أنّ التعليم الديني لا يستطيع أن يؤدّى مهامّه على الوجه المطلوب ما لم يعتمد حسّا نقديّا هو وليد حسّ تاريخيّ[10]؛ إذ إنّ التعامل مع الموروث الديني الإسلامي مثلا يتطلّب التحلّي بروح نقديّة عالية، حتّى يتمّ التخلّص من سلطة الموروث الديني على الضمائر، والتحرّر من وصاية الماضي على الحاضر بعيدا عن قبليّات التمجيد والارتباط المَرَضي بالتراث الديني من جهة، وبعيدا عن مسبقات الهجوم على التراث وهدمه من جهة أخرى. وقد عمل الفكر الإسلامي بعديد المسلّمات من قبيل مقالة "لا اجتهاد مع نصّ" أو من نحو مسلّمة "كلّ ما نزل بمسلم ففيه حُكْم لازم" أو من مثل مقالة "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"). فكانت هذه المسلّمات سدّا منيعا أمام طرح الأسئلة والخوض في مغامرة البحث دون علم مسبق بنتائجه، وما يمكن أن تترتّب عليها من آثار وتداعيات.

ولعلّ من أهمّ ما ينجرّ عن الأخذ بالمرتكزات المنهجيّة سالفة الذكر هو الوعي بقيمة التمييز بين مفاهيم لم تكن الحدود بينها واضحة في إطار التعليم الديني التقليدي، من قبيل التمييز بين الدين (Religion) والتديّن (Religiosité)، أو بين الدين والفكر الديني، أو بين إسلام القرآن وإسلام التاريخ.

وفضلا عن ذلك، نقدّر أنّ أهمّ مرتكز منهجيّ يجعل التعليم الديني قادرا على مجابهة العنف الماديّ أو الرمزي والتفاعل الإيجابي مع شواغل المجتمعات المعاصرة يتمثّل في اعتماد المناهج الحديثة في العمليّة التعليميّة؛ ومن بين تلك المناهج نذكر:

ـ المنهج التاريخي النقدي: وهو منهج يهتمّ في المقام الأوّل بطرح الأسئلة بغضّ النظر عمّا يمكن أن يتوصّل إليه من أجوبة عنها. فهذا المنهج يطرح الأسئلة الثلاثة التالية، حينما يعالج قضيّة ما من قضايا الدين أو الفكر الديني: ماذا حصل؟ كيف حصل؟ لماذا حصل؟ وبذلك يتمّ النظر في المظاهر والأسباب والأهداف دون الالتفات إلى مسألة الأصول؛ فلا جدوى مثلا من طرح سؤال من مثل: ما هو مصدر الوحي؟ لأنّ الجواب عنه سيُفضي، إمّا إلى تقرير موقف إيماني، وإمّا إلى إثبات موقف وضعانيّ (Positiviste)، وكلاهما مرفوض من وجهة نظر البحث العلمي الرصين والمحايد والموضوعي[11]. وغنّي عن البيان، أنّ المقاربة التاريخيّة النقديّة تؤكّد، من بين ما تؤكّده، وجود علاقة ارتباط دائم بين النصوص الدينيّة المقدّسة وواقعها التاريخي. ونشير إلى أنّ جمعا من الباحثين الغربيّين عقدوا ندوات مهمّة في هذا الباب، من نحو "القرآن في سياقه"[12] (برلين 2004) وأيضا "القرآن في محيطه التاريخي"[13] (توتردام بإنديانا 2005).

ـ علم الاجتماع الديني[14]: وهو يعمل على تفسير "الفعل الديني" Le fait religieux وفهمه ضمن سياقه الاجتماعي، فضلا عن اعتباره الاجتماعي (Le social) حاضنا للديني (Le religieux)، وليس العكس مثلما يروّج له من يُنعتون بـ "المتصرّفين في المقدّس". وقد بيّنا، في عمل لنا سابق، "أنّ الاعتراف بدور الدين في المجتمع والخضوع لضوابطه دليل على وجود ما يسمّى في علم الاجتماع بـ "الإكراه الاجتماعي". وهذا الإكراه لا يشعر به الأفراد عادة في حياتهم اليوميّة بسبب خضوعهم للتقاليد السائدة والعادات الراسخة في وجدانهم وضمائرهم، ولكنّهم في الحقيقة خاضعون رغما عنهم لهذا الضرب من الإكراه؛ ذلك أنّه لا معنى للحدث الاجتماعي ما لم ينجز تحت تأثير الإكراه الاجتماعي، إذ لا وجود لحدث أو أحداث بدون مجتمع. وسمةٌ هذا الحدث أنّه ماديّ، فهو شيء من الأشياء تنطبق عليه قوانين الاجتماع"[15]. ونقدّر أنّ اعتماد علم الاجتماع الديني، ههنا، يندرج في سياق التعويل على المقاربة الأنثروبولوجيّة في برامج التعليم الديني، وهي ذات اتّجاهات شتّى من نحو الأنثروبولوجيا الدينيّة (اعتمد محمّد أركون مثلا هذا المنهج في مجال ما سمّاه بـ "الإسلاميّات التطبيقيّة"[16]، سواء في دراسة عدد من آيات القرآن وسُوَرِه أو في دراسة النصوص الثواني الدائرة في فلكه)، والأنثروبولوجيا الرمزيّة (أشهر من طبّق هذا المنهج على الإسلام التاريخي في عدد من الدول الإسلامية مثل أندونيسيا والمغرب، نذكر بالخصوص أرنست غيلنر (Ernest Gellner) وكليفورد غيرتز (Clifford Geertz)[17]. وكم هو معبّر قول غيلنر: "يرتاح المستشرقون إلى دراسة النصوص، ويرتاح الأنثروبولوجيّون إلى دراسة القرى. وكنتيجة لذلك يميل المستشرقون إلى رؤية الإسلام من فوق، والأنثروبولوجيّون يرونه من تحت"[18].

ـ منهج تحليل الخطاب[19] (L’analyse du discours): والحاجة إليه متأكّدة اليوم في اعتماده ضمن التعليم الديني. وآية ذلك أنّنا اليوم نتوفّر على عديد الخطابات الدينيّة داخل الفكر الإسلامي، التي تحتاج من الدارسين المتخصّصين إلى تفكيك وتحليل وإعادة تركيب من أجل الكشف عن مرجعيّاتها، ومراميها الإيديولوجيّة والمعرفيّة، وبيان ما تؤدّيه من دلالات وما تنهض به من وظائف. ويكفي أن نشير ههنا، إلى أنّ جلّ ما كتبه نصر حامد أبو زيد يمتّ بصلة متينة بهذا المنهج. فقد أقام البرهان مثلا على أنّ الخطاب الديني المعاصر (ضمن المجال الإسلامي) استخدم خمس آليّات هي التالية: "التوحيد بين الفكر والدين"، "ردّ الظواهر إلى مبدأ واحد"، "الاعتماد على سلطة "التراث" و"السلف""، "اليقين الذهني والحسم الفكري"، "إهدار البعد التاريخي".[20]

ـ المنهج المقارني: وفوائده جمّة، لأنّه يساهم في تنسيب الأحكام الباتّة والمطلقة التي يذيعها علماء الدين، وفي مراجعة البديهيّات الدينيّة وفي نقضها من الأساس. وبالإمكان تطبيق هذا المنهج داخل الفكر الديني الواحد على عدّة مستويات، مثل المذاهب (أهل السنّة والشيعة مثلا)، والأعلام (الغزالي وابن رشد على سبيل المثال)، والأغراض الدينيّة (الوحي المحمّدي في المقاربات القديمة والمعاصرة). ويُطبّق هذا المنهج بين الأديان خاصّة تلك التي تقوم بينها جوامع مشتركة مثل الأديان التوحيديّة[21].

ـ علم النفس الديني: وهو اختصاص، على أهمّيته، ليس له حضور يُذكر في برامج التعليم الديني. ومفاد هذا العلم أنّ الدين أو مختلف منتجات الفكر الديني الماديّة والرمزيّة لا يُمكن فهمها إلاّ إذا رُبطت بمفاهيم علم النفس ومناهجه مثل اعتبار الدين، أيّ دين، "عُصابا هُجاسيّا" (Névrose obsessionnelle) وذلك في إطار مقاربة علم التحليل النفسي الفرويدي[22]، أو توظيف مفهوم "اللاوعي الجمعي" (L’inconscient collectif) في دراسة الطقوس الدينيّة؛ وذلك من منظور علم النفس التحليلي وتحديدا لدى غوستاف يونغ[23] (C.G.JUNG). ونعتقد أنّ من بين النتائج المترتّبة عن عدم اعتماد المنهج المذكور التهميش الذي تلقاه الكتابات المتنزّلة في هذا الباب. ويكفي أن نحيل على بعض كتاب فتحي بن سلامة، سواء منها المنشورة بالفرنسيّة أو المنقولة إلى العربيّة، مثل كتاب "فلق الصبح"[24] أو كتاب "الإسلام والتحليل النفسي".[25]

إنّ استثمار مختلف المقاربات الحديثة والمعاصرة في العمليّة التعليميّة الدينيّة يتيح للدارسين إمكانات واسعة لمعالجة النص الديني ومفاهيم الفكر الديني بأدوات منهجيّة قادرة على تفهّم ذلك النصّ، وتلك المفاهيم وتنزيل كلّ ذلك في سياقاتها الإبستيميّة التي أنتجتها. فما أحوج المقبِل على التعليم الديني اليوم، إلى دراسة قضايا العقيدة الدينيّة والمعجم القرآني وتأويل النصّ الديني والإيمان والجهاد والشهادة والمتخيّل الديني وغيرها من المسائل بمناهج علميّة جديدة لا مكان فيها لأيّ شكل من أشكال الإسقاط التاريخي أو التشبّث بما قرّره الأسلاف من آراء بشأنها في ضوء آفاقهم الذهنيّة وانتظارات قرّائهم المختلفة، بلا شكّ، عن أوضاع المسلمين اليوم وشواغلهم.

ـ إيلاء الأولويّة المطلقة في العمليّة التعليميّة للمعيار الكيفي مقارنة بالمعيار الكمّي. ويمثّل هذا المبدأ نقطة اختلاف جوهري بين التعليم الديني التقليدي السائد، والتعليم الديني المعاصر المنشود؛ ذلك أنّ جودة التعليم الديني تقتضي التخلّص من عبء المصادر الدراسيّة التي تسيطر عليها الشروح والحواشي والملخّصات والتهذيب والمنظومات، وهي مصادر يغلب عليها جمع الروايات والأقوال والأخبار والوثوق بها أو نقدها، أحيانا قليلة، في حدود الانتماءات المذهبيّة للمتعاملين معها. وجليّ أنّ التعويل على المعيار الكيفي، يضع حدّا للمنهج التعليمي القائم على اجترار المعارف التقليديّة السائدة أو إعادة إنتاجها، وبالمقابل تُشرع أمام الدارس أبواب الإبداع والإضافة المعرفيّة، إذ يمكن مثلا تفعيل مقالة المعيار الكيفي في دراسة مسائل قطاعيّة ضيّقة جدّا من وجهات نظر مختلفة، أو من خلال مصادر في الدراسة متنوّعة المشارب، كأن نأخذ آية أولي الأمر (النساء 4/59) وندرسها في نماذج من التفاسير السنيّة والشيعيّة القديمة والمعاصرة، أو آية القتال أو السيف (التوبة 9/5) من جهة ما وُضع بشأنها من تأويلات وتوظيفات مختلفة من لدن المفسّرين وعلماء القرآن (صلتها بأسباب النزول والنسخ) والجماعات الجهاديّة اليوم. وهكذا، فإنّ المعيار الكيفي هو الذي يسمح باعتماد ما نسمّيه بالمنهج الاختراقي الذي يقوم على الحفر في عمق قضايا الدين.

2 ـ المضامين المعرفيّة:

لا غرو أنّ التعليم الديني المؤهّل لمواجهة العنف وتحقيق مقتضيات المعاصرة ليس مجرّد طرائق عمل ومناهج مقاربات فحسب، وإنّما هو أيضا مضامين معرفيّة ينبغي التحرّي في اختيارها باعتماد مقاييس دقيقة وصارمة في تعيين الموادّ المدرَّسة على نحو يمكن معه للتعليم الديني أن يحقّق الأهداف المرجوّة منه.

ولعلّ من المضامين المعرفيّة الجديرة بالاشتغال عليها في مقرّرات التدريس الديني، نذكر المسائل أو المؤلّفات التي تنتصر لثقافة الحوار وقبول مبدأ الاختلاف في الرأي، أو في كيفيّات إجراء العقيدة الدينيّة في التاريخ وواقع أهل الإيمان. وهذا الحوار يكون إمّا بين الأديان، سواء انتمت إلى العائلة الدينيّة نفسها (الأديان التوحيديّة، الفلسفات الدينيّة التأمّليّة، الأديان الإحيائيّة...) أو لم تَنْتَمِ، أو يكون أيضا بين المذاهب المنتسبة إلى الدين الواحد، وهذا ما يسمّيه بعض الدارسين بـ "الحوار الإسلامي ـ الإسلامي".[26] وقد تأكّد للدارسين ومؤرّخي الأديان، أنّ الحوار بين الأديان أو بين المذاهب أفضل بكثير من التصادم والمواجهة والاقتتال، وما قد يخلّفه ذلك من مآسٍ وأحقاد بين أهل الإيمان. وفي هذا السياق، يرى المؤرّخ التونسي محمّد الطالبي أنّ الحوار بين الأديان يتنزّل في صلب التعدّدية الدينيّة، وهو يشدّد على أنّ "الأديان على اختلافها وأنواعها فيها قيم روحيّة وقيم إيمانيّة وقيم أخلاقيّة لا تُنكر. نحن بحاجة إلى معرفتها معرفة موضوعيّة علميّة، وهو ما لا نفعل، بطرق علميّة معمّقة، في أيّ جامعة من جامعاتنا التي تدرس الإسلام، كأنّ الإسلام استسلام، والإسلام ليس بالاستسلام (...) فالدين يدعونا إلى الحوار، وهذا ما كتبته وقلته. لكن ليس معنى هذا أنّني في الحوار إنسان مغفّل، داخل ليلبسوا عيّ ما أرادوا. من يدخل الحوار، يجب أن يدخله من بابه في غير غفلة وذلك في صالح الجميع".[27]

والحقّ، أنّ التاريخ المعاصر شهد محاولات لإقامة حوار بين الأديان، وتحديدا الحوار الإسلامي المسيحي، سواء بتنظيم ملتقيات فكريّة وندوات دوليّة[28]، أو بتأسيس فِرَق بحث[29] أو بإصدار مجلاّت متخصّصة في الحوار بين الأديان[30]. ولكن، رغم صدق النوايا وحجم الجهد المبذول، فإنّ تأثير هذا الحوار على أهل الإيمان في مواقفهم من مخالفيهم في الدين بقي، على العموم، محدود الأثر بما أنّه بقي منحصرا داخل النخبة المثقّفة.

إنّ الاقتناع بجدوى الحوار بين الأديان والمذاهب والطوائف من ناحية، واعتماد ما يُنتج في هذا الغرض ضمن برامج التعليم الديني من ناحية أخرى يساهمان، بلا شكّ، في الحدّ أو في القضاء على كلّ نزعات التطرّف الديني والتعصّب وممارسة العنف بدعوى حماية الدين من أعدائه والمتربّصين به.

ومن المضامين المعرفيّة أيضا التي ينبغي على التعلم الديني أن يتعامل معها بروح تفهّميّة نقديّة، نذكر مجمل الدراسات التي تتناول الفكر الديني ومختلف إنتاجاته ونصوصه المقدّسة وغير المقدّسة بالتحليل والنقد العلمي، سواء صدرت عن مؤلّفين يتنمون إلى الثقافة الإسلاميّة أو عن أهل الاستشراق من المستشرقين الكلاسيكيّين أو من المستشرقين الجدد. وهذا الصنف من الدراسات نراه مهمّا في مضامين التعليم الديني؛ لأنّه يوسّع من آفاق البحث عند المتعلّمين وعموم الباحثين، ويمكّنهم من الاطلاع على كتابات في الشأن الديني لا ينخرط أصحابها، مبدئيّا، في أيّ انتماء ديني أو سجال مذهبي أو التزام إيديولوجي.

ويتطلّب هذا الصنف من المعارف تمكّنا من اللغات الأجنبيّة، وخاصّة اللغات الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة، حتّى يكون التعليم الديني مواكبا للدراسات الدينيّة الراهنة ومحاورا لها ومستفيدا منها وناقدا لها في آن معًا.

وعلاوة على ما سبق قوله، فإنّ التعليم الديني المطلوب اليوم هو ذاك الذي يحرص أصحابُه على أن تُدرج فيه موادّ تعليميّة ضروريّة في تكوين المتعلّمين والمهتمّين بالمعرفة الدينيّة اليوم. ومن بين تلك الموادّ نشير إلى:

ـ فلسفة الدين: وهي "نوع من الفلسفة تعتمد العقلَ في بحث وتحليل المقدّسات والمعتقدات والظواهر الدينيّة وتفسيرها، وهي لا تتوخّى الدفاعَ عن هذه المعتقدات وتبريرها، مثلما يفعل اللاهوتيّون والمتكلّمون، وإنّما تهتمّ بشرح وبيان بواعث الدين ومنابعه في الروح والنفس والعقل، ونشأة المقدّ وتجلّياته في حياة الإنسان، وصيرورته وتحوّلاته في المجتمعات البشريّة"[31].

ـ علم الأديان: هذه التسمية هي الترجمة العربيّة للمصطلح الألماني (Religionswissenschaft) الذي أذاعه أوّل مرّة ماكس موللّر (M. Muller). ويهتمّ هذا العلم بالعلاقة بين الإنسان والمقدّس، وبمختلف مقاربات الظاهرة الدينيّة (التحليل النفسي عند فرويد مثلا، علم النفس التحليلي عند يونغ، المنهج البنيوي مع لفي ستراوس...)، فضلا عن دراسة الأساطير والرموز التي يعتنقها الإنسان الديني. وهذا ما حدا بميشال مسلان (Michel Meslin) إلى القول: "إنّ علم الأديان يقبع عند ملتقى مباحث شتّى، من تاريخ وظواهريّة وعلم نفس وعلم اجتماع، موظّفا مناهجها وإضافاتها ومؤكّدا أصالته النوعيّة أمامها".[32]

ـ تاريخ الأديان: يَعتبر هذا العلم أنّ "الحدث الديني" متجلٍّ بالضرورة في التاريخ الإنساني. ويُعدّ ميرسيا إلياد (M. Eliade) من الباحثين المبرّزين في هذا التخصّص، فهو يرى أنّ لمؤرّخ الأديان القدرةَ على تطوير المعرفة بالرموز الدينيّة؛ لأنّ وثائقه مستمدّة من المصادر ذاتها التي يتغذّى منها الفكر الرمزي. ويشدّد إلياد أيضا، على أنّ مركز الاهتمام في عبارة "تاريخ الأديان" ينصبّ على كلمة "أديان" بالدرجة الأولى، إذ قبل النظر في تاريخ شيء ما ينبغي فهم ذلك الشيء في ذاته.[33]

ـ المتخيّل الديني: سبق أن صُغنا له التعريف التالي: "إنّ المخيّل الديني هو جملة المنتجات السيميائيّة، اللغويّة وغير اللغويّة، التي يصطنعها الإنسان الديني (L’homo religious) في علاقته مع المفارق والمطلق أو المحايث من أجل الإجابة عن أسئلة البدايات والدنيويّات والأخرويّات، بعضها أو جميعها".[34]

إنّ الموادّ التعليميّة الواردة أعلاه هي عيّنة من المضامين المعرفيّة التي ينبغي أن يكون لها حضور حقيقي في العمليّة التعليميّة الدينيّة، فتُدرسّ وفق قواعد البحث العلمي، ومن ثمّ لا يبقى التعليم الديني مقتصرا على الاختصاصات الدينيّة التقليديّة من فقه وأصوله، ومن حديث وشروحه، ومن علم كلام وعلوم قرآن، ومن تفسير قرآني ومناهجه.

وبإمكان التعليم الديني أن يستثمر عددا من المفاهيم الجديدة في المعرفة الدينيّة خصوصا، والمعرفة الإنسانيّة عموما، من قبيل: المسكوت عنه والمنطوق به في الخطابات الدينيّة المعاصرة، المهمّش والمنسي في الإنتاج الديني، الشفوي والمكتوب في الفكر الإسلامي، الدراسات الجندريّة في الفكر الإسلامي، طقوس العبور في الثقافة الإسلاميّة، الفكر الديني بين الثقافة الشعبيّة والثقافة العالمة... إلخ.

وحتّى يكون التعليم الديني متفاعلا مع عصره وشواغل المقبلين عليه، فإنّه مدعوٌّ إلى التطرّق أيضا إلى مواضيع راهنة وحارقة ومؤثّرة في ضمائر أهل الإيمان ووجدانهم؛ أي إلى كلّ المواضيع التي تعبّر عن شواغل المسلم المعاصر. ويكفي أن نسوق العيّنات التالية من تلك المواضيع: الإسلام والآخر، الإسلام والعنف، القيم الإسلاميّة والقيم الكونيّة: أيّة علاقة؟، الإسلاموفوبيا: مظاهرها وأسبابها ونتائجها، الدراسات القرآنيّة في الاستشراق الجديد، تحديث الإسلام: أيّة مشروعيّة؟، الخطابات السلفيّة اليوم: محاولة للتفكيك والفهم.

هذه، إذن، أهمّ المرتكزات المنهجيّة والمضامين المعرفيّة التي نراها ضروريّة في أيّ برنامج من برامج التعليم الديني المعاصر الذي يستطيع أن يكوّن أجيالا من المتخرّجين منه، يؤمنون بحقّ الاختلاف في الرأي وبكونيّة القيم الإنسانيّة وفي مقدّمتها حقوق الإنسان والمواطنة، وبحريّة المعتقد والضمير. ولا يخفى أنّ اعتماد المعايير سالفة الذكر يختلف العمل بها، جزئيّا أو كليّا، بين مراكز التعليم الديني ومؤسّساته الموزّعة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي. ولا تغرّنا بعض تسميات مركز التعليم الديني[35]، أو ما يمكن أن تحتلّه بعض الجامعات العربيّة والإسلاميّة[36] من ترتيب ضمن تصنيف الجامعات العالميّة المرموقة التي تتوفّر فيها جملة من المواصفات والمقاييس المعتمدة في التصنيف، إذ يتطلّب الحال تفحّصا في ما تؤمنّه تلك المراكز أو المؤسّسات التعليميّة من مناهج تدريس ومضامين معرفيّة لها تعلّق بالتعليم الديني.

مراجع

 

[1]ـ إنّ مهمّة التدريس هو جزء من المهامّ العديدة المناطة بعُهدة المؤسّسة الدينيّة في الإسلام، مثل النظر في قضايا الأحوال الشخصيّة عبر "المحاكم الأهليّة"، ومن نحو مراقبة الإيمان القويم، ومدى تأدية أهل الإيمان لطقوسهم التعبّديّة والتماس الحلول للأقضية والنوازل التي تعرض للمسلمين؛ وذلك بواسطة الإفتاء أو غيره. والسؤال الذي ينبغي طرحه الآن وهنا هو التالي: ما مدى تعبير المؤسّسة الدينيّة اليوم عن شواغل المسلم المعاصر؟ (نشير إلى أنّ قسم الدراسات الدينيّة بمؤسّسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث نظّم ندوة علميّة دوليّة بعنوان "المؤسّسة الدينيّة في الإسلام... أيّ دور؟" وذلك يومَيْ 29 و30 نونبر/تشرين الثاني 2014 بتونس العاصمة).

[2]ـ بخصوص العقل الإسلامي في العصر الكلاسيكي من حيث تشكّله ومرجعيّاته ومساره التاريخي وحدود أدواره تُراجع كتابات محمّد أركون، وفي مقدّمتها كتاب: Pour une critique de la raison islamique (1984)

[3]ـ في هذا السياق، يقول آلان تورين A. Touraine : "من أجل وصف الحداثة يتعيّن إضافة ثيمة الذات إلى ثيمة الإنتاج والاستهلاك الجماهيري (...) لا يقود انهيار الضمانات الفوق اجتماعيّة للفعل الاجتماعي إلى انتصار للنفعيّة والفكر النفعي، بل على العكس، إلى ظهور كائن إنساني خلاّق لم يعد يندمج في طبيعة مصنوعة من طرف اللّه، يبحث عن ذاته ويجدها من خلال قدرته على الابتكار والبناء (...) الحداثة هي الخلق المستمرّ للعالم من طرف إنسان مغتبط بقوّته وبكفاءته في خلق أخبار ولغات". نقد الحداثة، ص ص 233 ـ 234

[4]ـ أشار عبد المجيد الشرفي إلى أنّ أيّ تأسيس جديد لفكر إسلامي معاصر ينبغي أن يستحضر الثورات التالية: "أوّلا، اكتشاف كوبيرنيك أنّ الأرض ليست محور العالم (...) ثانيا، رسوخ نظريّة التطوّر منذ داروين وفقدان الإنسان بذلك للمنزلة التي كان يعتقد أنّه يختلف فيها عن اختلافا نوعيّا عن سائر الحيوانات (...) ثالثا، ما أتى به فرويد ومدرسة التحليل النفسي من استدلال على أنّ سلوك الإنسان لا تتحكّم فيه إرادته الواعية فحسب، بل هو واقع تحت تأثير لا وعيه وما يخضع له من كبت ونوازع دفينة. رابعا، ما يشهده العالم اليوم من تطوّر مذهل للبيوتكنولوجيا والهندسة الوراثيّة، وما يستتبع ذلك من قدرة على التحكّم في الحياة وتغيير المعطيات الطبيعيّة التي كان يُظنّ أنّها ثابتة، بالنسبة إلى كلّ الأحياء من نبات وحيوان وحتّى إنسان". الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 7

[5]ـ عقدت مؤسّسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث، بداية من سنة 2015، دورات تكوينيّة لخرّيجي المؤسّسات الدينيّة التقليديّة أشرف عليها أساتذة جامعيّون.

[6]ـ للتوسّع راجع الدراسة القيّمة التي أنجزها جون بيار ديكونشي Jean Pierre Deconchy عن الأمريكي من أصل بولوني ميلتون روكيش (ت 1988) بعنوان: «Milton Rockeach et la notion de dogmatisme».

[7]ـ من المؤلّفات التي تصدّت لهذا المفهوم على المستوى التطبيقي نذكر على سبيل المثال كتاب أحمد محمّد سالم "إقصاء الآخر: قراءة في فكر أهل السُنّة".

[8]ـ الشواهد على ذلك عديدة من قبيل كتاب ابن تيميّة "الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح"، وكتاب عبد اللّه الترجمان "تحفة الأريب في الردّ على أهل الصليب".

[9]ـ من مؤلّفات الردود التي وصلتنا: "الردّ على الزنادقة والجهميّة" لأحمد ابن حنبل، و"كتاب فضيحة المعتزلة" لابن الراوندي، و"كتاب اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع" للأشعري، و"كتاب التمهيد في الردّ على الملحدة المعطّلة والرافضة والخوارج والمعتزلة".

[10]ـ يقابل مفهوم "الحسّ التاريخي" (Le sens historique)، بالمعنى الذي استخدمه نتشه، البُنى الأسطوريّة والمثاليّة. راجع هاشم صالح، "حول مفهوم (الحسّ التاريخي) وضرورة تنميته لإدراك معنى (التفاوت التاريخي) بين العرب والغرب"، ضمن مجلّة "الوحدة"، عدد 81، يونيو 1991، ص: 6 ـ 23

[11]ـ استخدم بيتر برغر Peter Berger عبارة "الإلحاد المنهجي" (Methedological atheism)

[12]ـ صدرت أعمال هذه الندوة عن معهد الدراسات الإسلاميّة التابع لجامعة برلين الحرّة سنة 2010 بعنوان "The Quran in Context" بإشراف: Angelika Neuwirth وNicolai Sinai و Michael Marx. ومن المداخلات التي قُدّمت في الندوة نذكر : "الإسلام المبكّر في ضوء المصادر المسيحيّة واليهوديّة"، "القرآن سيرورةً"، "الإسلام في سياقه العربيّ"، "مشروع المصحف الثاني: خطوة نحو قوننة النصّ القرآني".

[13]ـ العنوان الأصلي للندوة هو "نحو قراءة جديدة للقرآن"، وصدرت أعمالها ضمن الترجمة العربيّة تحت عنوان "القرآن في محيطه التاريخي". ومن المداخلات التي قُدّمت نذكر: "البحث الأحدث حول بناء القرآن"، "التقليد المسيحي والقرآن العربي: أصحاب الكهف في سورة الكهف ونظيرها في التراث السرياني"، "مريم في القرآن: إعادة تقديمها".

[14]ـ من الكتب الأساسيّة في هذا المبحث نذكر: Roger Bastide, Eléments de sociologie religieuses، وكذلك كتاب يوسف شلحد، نحو نظريّة جديدة في علم الاجتماع الديني.

[15]ـ بسّام الجمل، "في حركيّة العقائد الدينيّة: مقاربة علم الاجتماع الديني"، ضمن مجلّة "آداب القيروان"، العدد: 9 ـ 10، سنة 2013، ص: 255 ـ 275

[16]ـ يقول محمّد أركون: "إنّ الإسلاميّات التطبيقيّة...تدرس الإسلام ضمن منظوريْن متكامليْن: كفعاليّة علميّة داخليّة للفكر الإسلامي؛ ذلك أنّها تريد أن تستبدل بالتراث الافتخاري والهجومي الطويل الذي ميّز موقف الإسلام من الأديان الأخرى، الموقفَ المقارن، (...) وكفاعليّة علميّة متضامنة مع الفكر المعاصر كلّه. إنّ الإسلاميّات التطبيقيّة تدرس الإسلام ضمن منظور المساهمة العامّة لإنجاز الأنثروبولوجيا الدينيّة"، تاريخيّة الفكر العربي الإسلامي، ص 56

[17]ـ عرّفنا بمقاربتَيْ غيلنر وغيرتز للرمز الديني ضمن كتابنا "من الرمز إلى الرمز الديني: بحث في المعنى والوظائف والمقاربات"، ص: 95 ـ 116

[18]ـ مجتمع مسلم، ص 197

[19]ـ من مهامّ تحليل الخطاب تعيين مرجعيّات الخطابات الدينيّة وتفكيك مكوّناتها، فضلا عن دراسة الأدوات اللغويّة الموظّفة في استراتيجيّات الإقناع والحِجاج. ومن ثمّ، فإنّ هذا المنهج "يتبنّى تساؤلات الأنثروبولوجيا الدينيّة والثقافيّة والاجتماعيّة للوصول إلى التعرّف على المفهومات والتصوّرات وطرق التأصيل للعقائد والمعاني التي تنبني عليها جميع الأديان المعروفة في تاريخ المجتمعات الإنسانيّة"، محمّد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص ص 5 ـ 6. وللتعرّف على المهاد النظري للمنهج المذكور يُراجع على سبيل المثال: حاتم عبيد، في تحليل الخطاب، ص: 5 ـ 43

[20]ـ انظر كتابه: نقد الخطاب الديني، ص: 28 ـ 61

[21]ـ راجع مثلا الكتاب الممتاز لجاك لامبار J. Lambert الصادر سنة 1995 بعنوان:

"Le Dieu distribué : une anthropologie comparée des monothéismes"

[22]ـ انظر كتاب فرويد، "إبليس في التحليل النفسي"، ص: 43 ـ 49 (فصل: الأشغال التسلّطيّة والشعائر الدينيّة).

[23]ـ يقدّر يونغ أنّ أداء الطقوس الدينيّة يحقّق وظيفة تعويضيّة عن متطلّبات اجتماعيّة أو عاطفيّة، يرى المرء أنّه عاجز عن تحقيقها مثل الزواج أو العلاقة مع الجنس الآخر. ومن ثمّ يوفّر القيام بالطقوس الدينيّة لأهل الإيمان شعورا بالأمان والطمأنينة. راجع كتابه: "الدين في ضوء علم النفس"، ص ص: 55 ـ 56

[24]ـ صدر الكتاب في طبعته الأولى بالفرنسيّة سنة 1988 بعنوان: La nuit brisée: Muhammad et l’énonciation islamique

[25]ـ صدرت الطبعة الأصليّة الأولى للكتاب بالفرنسيّة سنة 2002 تحت عنوان: La psychanalyse à l’épreuve de l’Islam. وفي هذا السياق، يقول المؤلّف: "أيقنتُ بأنّ مقاربة اللاّشعور، في المجال النفسي العيادي وفي مجال الحياة اليوميّة، تستوجب الإحالة على الإسلام، لا سيّما أنّ الأمر يتعلّق بذوات تمّت تنشئتها في إطار التقليد الإسلامي، لا سيّما أنّ النشاط الحركي الأصولي والسياسي قد أنتج تحيينا للأصول باعثا على القلق"، الإسلام والتحليل النفسي، ص 39

[26]ـ ناقش علي بن مبارك أطروحة دكتورا بعنوان "الحوار الإسلامي ـ الإسلامي المعاصر: تجارب التقريب بين المذاهب الإسلاميّة نموذجا" (إشراف الأستاذ حسن القرواشي)، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس، السنة الجامعيّة: 12 ـ 2013 (مرقونة).

[27]ـ الإسلام وضرورة العناية بالأديان الأخرى، ضمن كتاب "الدروس العموميّة" (دروس السنوات 1990 ـ 1993)، ص: 39 ـ 44

[28]ـ والشواهد على ذلك عديدة من نحو الملتقى الإسلامي المسيحي الثاني الذي انعقد تحت عنوان "معاني الوحي والتنزيل ومستوياتهما" في قرطاج التونسيّة من 30 أبريل إلى 05 مايو 1979، وتولّى مركز الدراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة بتونس نشرَ أعمال الملتقى سنة 1980

[29]ـ مثل "جمعيّة الأبحاث الإسلاميّة المسيحيّة" (GRIC). وممّا ورد في البيان التأسيسي للجمعيّة: "إنّنا نقبل، مسلمين ومسيحيّين، الصورة التي يراها شركاؤنا من الدين الآخر عن إيمانهم. مع ذلك، فكل منّا مدعوّ، في زمن الثقافات والناس، لتحليل أسس إيمانه ولمراجعة نقدية لتطوّر التراث الديني الذي ننتمي إليه. هذه المقاربة ليست ميسورة في إطار مغلق، بل إن قبول نظرة الآخر النقدية بات ضروريا في عصرنا. ليس في مقدورنا أن نعرف ذواتنا، حقيقة، من غير أن نأخذ بالاعتبار نظرة الآخر إلينا. من هنا نقبل، لا بل نسأل نظرة الأخوة من الدين الآخر إلينا. هذا هو موقفنا أيضا في علاقتنا بكلّ إنسان، مؤمنا أو غير مؤمن ، يسائلنا ويقدّم ملاحظاته ونقده. وفي هذا المجال نحن حريصون على استبعاد كل موقف تبريري أو سجالي". راجع الموقع الرسمي للجمعيّة: www.gric-international.org

[30]ـ من قبيل "مجلّة دراسات إسلاميّة مسيحيّة" (ISLAMOCHRISTIANA) التي يصدرها المعهد البابوي للدراسات العربيّة والإسلاميّة في روما منذ سنة 1975

[31]ـ عبد الجبّار الرفاعي، "فلسفة الدين: رؤية موجزة لمفهومها واتجاهاتها ومباحثها"، بحث منشور على موقع مؤسّسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث (www.mominoun.com) بتاريخ 15 ـ 10 ـ 2014

[32]ـ علم الأديان: مساهمة في التأسيس، ص 18

[33]ـ راجع كتابه: Images et symboles; pp : 36 – 39

[34]ـ بسّام الجمل، "في المتخيّل الديني"، ضمن كتاب "أعمال مهداة إلى الأستاذ عبد المجيد الشرفي"، منشورات وحدة البحث في قراءة الخطاب الديني بكليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، 2014، ص 289. وقد عيّنّا في هذا البحث أهمّ خصائص المتخيّل الديني ووظائفه والأصول الثلاثة المولّدة له (الكسل والبخل والأمل).

[35]ـ مثل الجامعة الإسلاميّة العالميّة في ماليزيا (تأسّست سنة 1983) التي تقدّم، من خلال كليّة العلوم الإسلاميّة والإنسانيّة، تكوينا دينيّا تقليديّا لطلاّبها من مختلف دول العالم.

[36]ـ هذا ما ينطبق مثلا على جامعة الملك سعود بالرياض، إذ حلّت في الرتبة 249 في ترتيب أفضل 500 جامعة في العالم لسنة 2015. يُراجع موقع: www.shanghairanking.com

*مؤمنون بلا حدود

أضف تعليقك