الإعلامي حنا مقبل.. تصدى للرواية الصهيونية وسقط شهيداً

الرابط المختصر

إضافة إلى المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين قبل عام 1948، بغية طرد الشعب الفلسطيني إلى خارج وطنه؛ قامت إسرائيل منذ إنشائها في 15 من أيار/ مايو من العام المذكور، بملاحقة واغتيال الفكر والعقل الفلسطيني الذي تصدى لزيف الرواية الصهيونية حول فلسطين؛ وقد ارتقى نتيجة ذلك العشرات من الشهداء الفلسطينيين والعرب والمناصرين للقضية الفلسطينية وعدالتها. وفي مقدمة هؤلاء الصحفي والإعلامي الفلسطيني حنا مقبل الذي تمّ اغتياله من قبل جهاز الموساد الصهيوني في قبرص صباح يوم الخميس في الثالث من أيار/ مايو عام 1984؛ وهو القائل "من يناضل من أجل فلسطين هو فلسطيني ’وإن ولد في الهنولولو‘ ومن لا يناضل، ليس فلسطينياً ولا علاقة له بفلسطين ’وإن ولد في القدس‘".

 

سيرته الكفاحية 

 

ولد الشهيد حنا مقبل (أبو ثائر) خلال عام 1939 في قرية الطيبة قضاء محافظة رام الله والبيرة في الضفة الغربية؛ وقد درس وعمل في القدس؛ وانخرط في صفوف حركة "فتح" بعد هزيمة حزيران (يونيو) عام 1967م؛ حيث عمل في مجال الإعلام وتبوأ على امتداد حياته العديد من المواقع النضالية والمهنية البارزة، أهمها إسهامه بشكل فعال في تأسيس أولى الدوريات الفلسطينية وهي صحيفة "فتح" كلسان حال حركة "فتح"، التي كانت تصدر في العاصمة الأردنية عمان، حيث كان مديراً لتحريرها؛ وساهم في تأسيس الإعلام الموحد الفلسطيني، وعمل مسؤولاً تنفيذياً في قيادة الجهاز عند تـأسيسه.

 

وبعد استشهاد كمال ناصر تولى حنا مقبل رئاسة تحرير مجلة "فلسطين الثورة" في بيروت التي مثلت لسان حال المقاومة الفلسطينية في لبنان، وانتخب عام 1979 أميناً عاماً لاتحاد الصحفيين العرب بصفته ممثلاً لفلسطين، وجدد انتخابه عام 1983 لأربع سنواتٍ أخرى، وكان أحد مؤسسي الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين وتولى أمانة سر الأمانة العامة للاتحاد حتى عام 1980م. 

 

ويعتبر من أبرز رجال الفكر والإعلام في الثورة الفلسطينية، وكان نموذجا للمناضل الوطني الملتزم بقضيته وتطلعات شعبه، كان يأخذ من الثقافة سلاحا مقاتلا، وقد شغل مديرا عاما لوكالتي القدس برس والشرق برس للخدمات الصحفية في نيقوسيا. 

 

إضافة لذلك يعد الشهيد حنا مقبل من رموز الثقافة المقاومة والشباب المناضل وقائداً يتقدم الصفوف ليسجل صوت فلسطين لتعلو القضية الوطنية في آفاق رحبة من أجل إسماع الصوت الفلسطيني للعالم كله، كان هاجسه الأهم هو الوحدة الوطنية الفلسطينية، لذلك كان الكتاب والإعلاميون والمثقفين هدفاً للموساد الصهيوني. 

 

 

 

يعتبر من أبرز رجال الفكر والإعلام في الثورة الفلسطينية، وكان نموذجا للمناضل الوطني الملتزم بقضيته وتطلعات شعبه، كان يأخذ من الثقافة سلاحا مقاتلا، وقد شغل مدير عام لوكالتي القدس برس والشرق برس للخدمات الصحفية في نيقوسيا.

 

 

 

وفي عام 1978م بدأ حنا مقبل في عمل مؤسسة تحمل اسم "القدس برس"، حيث قال آنذاك: سأحاول أن أضخ إلى الناس من خلالها ما يمكن أن يساهم في إجلاء الحقيقة وكبرت المؤسسة فعلا وانتشرت أفكار حنا مقبل وزملاؤه على نطاق واسع؛ وآخر ما كان يفكر ويطمح إليه هو مشروع إنشاء مجلة عربية قومية اسمها (دفاتر عربية)، لكن المشروع توقف بعد اغتياله على يد الموساد الصهيوني صبيحة اليوم العالمي للصحافة صبيحة يوم الثالث من أيار / مايو 1984 في قبرص؛ أثناء توجهه إلى مكتبه ترافقه مديرة المكتب ريموندا فران، حيث قام رجال من الموساد الصهيوني بإطلاق النار عليهما من مسدس كاتم للصوت فاخترقت الرصاصة قلبه بعد أن مزقت بطاقة الصحافة التي كان يحملها في جيب قميصه، وكذلك أصيبت السكرتيرة، ونقلا إلى المستشفى حيث استشهد حنا مقبل فيما عولجت سكرتيرته من جراحها البليغة؛ وكان شعار حنا مقبل الشهير "بالدم نكتب لفلسطين" قد تحقق ليرتقي شهيدا في سبيل تحرير وطنه وحقوق شعبه.

 

عندما تخيف الكلمة والفكر إسرائيل 

 

لم تكتف إسرائيل بجرائم الاغتيال التي نفذتها ضد المناضلين الفلسطينيين الذين حفروا خنادق المعارك وخاضوها كشهيد الكلمة الصحفي والإعلامي حنا مقبل وقبل ذلك الأديب غسان كنفاني، بل تعدتها إلى ملاحقة الأدمغة العربية والعمل على تصفيتها حال سنحت لها الفرصة، لمنع أي محاولة للتحرر الفكري أو النهوض العلمي العربي. ويمكن الجزم بأن إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي أعطت لعمليات الاغتيالات طابعاً مؤسسياً، حيث أنشأت رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير جهازاً متخصصاً بعملية الاغتيال "المجموعة إكس" وتمّ دعمها بأفراد من جهاز الموساد متمرسين على عمليات الملاحقة والاغتيال المتقن.

 

كانت الضحية الأولى لعمليات ملاحقة واغتيال الأدمغة العربية من قبل إسرائيل، العالمة المصرية سميرة موسى، حيث استجابت إلى دعوة للسفر إلى أمريكا في عام 1952، لإجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، وتلقت عروضاً لكي تبقى في أمريكا لكنها رفضت، وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في الخامس عشر من شهر آب/ أغسطس، وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقي بها في واد عميق، قفز سائق السيارة، زميلها الهندي في الجامعة الذي يقوم بالتحضير للدكتوراه والذي اختفى، لكن الدلائل أشارت إلى أن جهاز الموساد الإسرائيلي هو الذي نفذّ عملية الاغتيال، بسبب محاولة العالمة المصرية الاستفادة من التجارب الغربية في مجال علوم الذرة بغية التأسيس لخيار نووي في مصر والدول العربية الأخرى، حيث لفت انتباه الدكتورة سميرة موسى الاهتمام المبكر من قبل إسرائيل بضرورة امتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها لامتلاك الخيار النووي، ولهذا أسست العالمة المصرية هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان إنشاء إسرائيل، أي في شهر آب/ أغسطس من عام 1948. 

 

ومن المفكرين والعلماء المصريين الذين تمّ اغتيالهم من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي عالم الجغرافيا جمال محمود حمدان، حيث تمت عملية اغتياله في17 نيسان/ أبريل 1993، وكذلك مصطفى مشرفة عالم الفيزياء وأول عميد لكلية العلوم في مصر، وهو يُعد أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين ناهضوا استخدامها في صنع أسلحة في الحروب، كما أنه كان أول من أضاف فكرة جديدة، وهي إمكانية صنع مثل هذه القنبلة من الهيدروجين، إلا أنه لم يكن يتمنى أن تصنع القنبلة الهيدروجينية أبداً، ووصفه ألبرت آينشتاين بأنه واحد من أعظم علماء الفيزياء في العالم. وفي 15 كانون ثاني/ يناير 1950، مات مشرفة إثر أزمة قلبية حادة، وثمة شك في كيفية وفاته فيعتقد أنه مات مسموماً بعملية مدبرة من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي. 

 

لم يتوقف مسلسل ملاحقة واغتيال الأدمغة العربية، ففي 13ـ8ـ1967 تمّ اغتيال عالم الذرة المصري سمير نجيب عبر حادث سير مدبر، بعد رفضه العمل في الولايات المتحدة الأمريكية وإصراره على العودة إلى مصر لخدمتها في مجال اختصاصه خاصة بعد نكسة حزيران/ يونيو 1967.

 

 

 

وقائمة الاغتيالات الإسرائيلية للعقول والأدمغة العربية لايمكن حصرها في مقال، بل تحتاج إلى بحوث ودراسات وندوات عديدة.

 

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا