الأديب جلال برجس: في زمن الكورونا الثقافة الحرة تفرض نفسها كشكل من أشكال التنوير
«دردشة ثقافية»، ذات طابع نقدي للراهن والمعيش، نطل من خلالها على عوالم مبدعينا الأردنيين والعرب، ونتأمل جانبًا رؤاهم الخاصة لكثير من المفردات، والصغيرة منها والكبيرة، ونتجول في مشاغلهم الإبداعية، ونتعرف من خلالها إلى أبرز شجونهم وشؤونهم..
دردشتنا الآتية نستضيف خلالها الشاعر والروائي جلال برجس*
* أبدأ من «كورونا»، ذلك الفايروس الذي راح يعصف بالعالم، بالناس، بالنظم السياسية والفكرية السائدة، بالكثير من العادات والتقاليد، ترى ما أبرز الأسئلة التي أثارتها في وجدانك تداعيات «كورونا»؟
- عدد من الأسئلة فرضت نفسها في هذه المرحلة الصادمة أهمها ما الذي سنكون عليه فيما بعد؟ الحربان العالميان، وانتهاء الحرب الباردة، أفرزتا زمنا جديدا، ما الذي ستفرزه الحرب العالمية الثالثة التي يقف فيها فيروس ضئيل مقابل كل سكان الأرض بغض النظر من أين وكيف ولماذا جاء هذا الفيروس الذي لا يفرق بين من في كرسي السلطة وبين من في الشارع. هل نحن ذاهبون إلى زمن رقمي ليس لحواسنا فيه أي داع، زمن تقصى فيه العاطفة ونصبح فيه على نحو روبوتي؟ أم أننا في انتظار مرحلة سيعقبها انهيار عالمي ستفقدنا نتائجه الثقة بما كان سائد وبالتالي يجترح الإنسان زمنه الجديد. حسنا لقد وجد ساكن المعمورة نفسه في سجن أبوابه مشرعة على مصراعيها غير قادر على ممارسة أفعاله الإنسانية، وغير قادر على تأمين حاجاته التي بقى السوق لزمن يؤمنها له وجاء هذا الفيروس ليصيب كل شيء. نحن نقبل على زمن إما يبدل السوق ما تبقى فينا من عناصر خارج سيطرته، أو يبدل السوق نفسه مقابل أسئلتنا التي ستطرح فيما بعد.
* تحديات جمّة تواجهها المجتمعات العربية، على الصعد كافة، ترى هل على المثقف أن يقوم بدور ما حيال مجتمعه؟ وما طبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به في ظل النظم السياسية القائمة؟
- المثقف يقف مثله مثل غيره وراء زجاج النوافذ يراقب ما يحدث ومهمته أن يطرح الأسئلة في مرحلة خطيرة نكون فيها أو لا نكون. لكن برأيي إن ثقة الإنسان ازدادت بالمثقف المتنور في هذه المرحلة تماما مثل ثقته بالعالم. لكن هل سيسترد المثقف مكانته فيما بعد رحيل الكورونا. هذا سؤال ستفرضه طبيعة المرحلة القادمة.
* لم يزل سؤال التنوير واحدًا من أهم أسئلة الثقافة العربية، منذ أزيد من قرن، ترى هل استطاع المثقف العربي تقييم إجابة، أو شبة إجابة حتى، على ذلك السؤال؟
- حسنا لنتأمل كيف امتثل الإنسان إلى ضرورة عدم ارتياد دور العبادة تجنبا للكارثة، ولنتأمل كيف لو طرح هدا الخيار ضمن خطة استباقية على الإنسان في حين وقع طارئ كهذا الفيروس برأيي سيثار جدل كبير حول هذا الأمر جدل يتصدره خوف المتدين على سياقاته وبالتالي ستكون النتيجة الرفض. لكن الأمر ليس كما كنا نتوقع فالفئة العظمى الآن عينها على العلماء والمثقفين للخروج من هذه الأزمة.
* في الوقت الذي نتأمل فيه بعض مرايا الثقافة العربية، ترى هل هي ثقافة حرّة؟ أم هل ثمّة هيمنة، أو أكثر، تمارس على هذه الثقافة؟ وإذا وجدت تلك الهيمنة، فما الذي تسعى لتحقيقه، أو ترسيخه ربما؟
- في أي شكل من أشكال الثقافة هنالك شق مهيمن وآخر حر. إنها طبيعة الصراع الذي بنيت عليه الحياة منذ بدئها. لكن السؤال الذي يفرض نفسها ماذا لو انسحبت الثقافة الحرة ما الذي سيؤول إليه العالم؟ في زمن الكورونا الثقافة الحرة تفرض نفسها كشكل من أشكال التنوير الذي لا يحتمل العالم غيره وأظن أن القادم هو زمنها.
* لعل أحد الحلول الناجعة في سبيل إشاعة الثقافة والمعرفة بداية، وتأصيل دورهما تاليا في المجتمع، يتمثل بالاشتغال على البعد الاقتصادي لهما، (وهذه سبيل لتحريرهما من سطوة السلطة المانحة بطبيعة الحال)، وهي المعادلة التي لم تتبلور بعد في عالمنا العربي، ترى كيف تقرأ هذا المسألة؟
- في أي شكل سيؤول إليه العالم بعد زمن الكورونا سيكون الصوت الأعلى للثقافة الحرة وبالتالي برأيي لن تقبل أن تبقى كما كانت عليه خارج سلم الأولويات.
* ثمّة تسارع كبير يشهده العالم، في كل لحظة ربما، على الصعيد التكنولوجيا والمعلومات، ترى هل أثّر ذلك على طقوسك الإبداعية في القراءة والكتابة؟
- بالطبع أثر لكني أعيش صراعا دائما مقاصده الحفاظ على إنسانيتي، فالانصياع التام لزمن الرقمنة إلغاء للفعل الإنساني وتجلياته وبما أننا غير قادر على تجاهل هذا الزمن علينا التعامل معه بما يضمن الحفاظ على طقوسنا الآدمية التي تضمن لنا سلامة الاستمرار.
* ماذا عن انشغالاتك الراهنة؟ ماذا تقرأ؟ ماذا تكتب؟
- في عزلة الكورونا يتكاثر الوقت بشراهة إذ يخال الكاتب انه الوقت الأنسب للقراءة او الكتابة. لكنه وقت محاط بكثير من القلق والترقب. مع هذا لم استسلم لشكل غريب مثل هذا من أشكال العزلة فقد قرأت عددا من الكتب وحافظت على روتيني اليومي بالكتابة فأتممت كتابة روايتي (دفاتر الورّاق) التي كنت أعمل عليها منذ عامين وأزيد.
* جلال برجس الغليلات، شاعر و روائي أردني، حائز على جائزة كتارا للرواية العربية 2015 عن روايته (أفاعي النار/حكاية العاشق علي بن محمود القصاد)، وجائزة رفقة دودين للإبداع السردي 2014 عن روايته (مقصلة الحالم، ) وجائزة روكس بن زائد العزيزي عن مجموعته القصصية (الزلزال).