إصدار "متحف الذاكرة الحيفاوية"

إصدار  "متحف الذاكرة الحيفاوية"
الرابط المختصر

صدر عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان (2014) كتاب "متحف الذاكرة الحيفاوية" للكاتب والشاعر د.سميح مسعود.
يتضمن الكتاب الذي جاء في طبعة أنيقة وملونة، المقتنيات التراثية الخاصة بمسعود من ذاكرة الطفولة والصبا في حيفا، في خطوة جليلة ومهمة للتعريف بذاكرة الفلسطيني، والتأكيد أنه لا يمكن التفريط بها في وجه المحاولات الصهيونية لطمسها ومحوها.
وجاء الكتاب في "مقدمة"، و"مدخل عام"، وتضمن فصولاً تتناول: "مقتنيات شخصية 1"، "مقتنيات شخصية 2"، "مقتنيات عامة"، "مجلات قديمة"، "مكاحل"، "أوانٍ منزلية"، "حلي تقليدية"، "نقود"، "طوابع بريدية"، "راديوهات"، "مصابيح" و"مفاتيح".
هذه المقتنيات التي يستعرضها القارئ عبر الصور والشروحات المتصلة بها، حيفاوية الأصل والمنشأ والحضور، وقد رافقت صاحبها كما رافقته حيفا في حله وترحاله وفي قلمه ووجدانه، لكأن قلبه يفيض بمدينته التي تسكنه وتتوطّنه، وإنْ كان ذلك بصورة افتراضية.
يوثق الكتاب للتراث الفلسطيني بعامة، ولمدينة حيفا بخاصة، حيث تجمع هذه المقتنيات في تفاصيلها إبداعات فنون كثيرة متنوعة وواسعة النطاق، من أبرزها الصناعات التقليدية، والحِرَف اليدوية الشعبية بأشكالها ومظاهرها الفنية وخاماتها النحاسية والحديدية والخشبية والجلدية والخزفية والزجاجية والنسيجية والتطريزية، التي ترتبط بشكل عام باحتياجات الحياة العامة، وبالعادات والتقاليد والممارسات اليومية، كما تساهم، بما تختزنه من التاريخ، في الكشف عن الصورة الحقيقية لهوية الشعب الوطنية والقومية.
وتكشف مقدمة الكاتب مسعود عن بداية اهتمامه بجمع هذه المقتنيات، إذ يوضح: "من حسن حظي أنني أحتفظ بمقتنيات مادية تراثية قديمة لوالدي، تنوعت بين أغراض شخصية وأواني وأدوات منزلية متصلة بما يتعلق بحياة أسرتي في حيفا"، مشيراً إلى ما تُجسّده هذه المقتنيات من لوحة ثرية ترسم ملامح نابضة بالحياة عن حيفا "الأمس"، وعن طفولته فيها.
ويؤكد مسعود: "حُفِظَت تلك المقتنيات في بيت أسرتي في حيفا لسنوات طويلة، تعودتُ على رؤيتها عندما كنت طفلاً، وكان نقلها والدي إلى بيت الأسرة في قرية بُرقة قبل ستة شهور من سقوط حيفا، حين حَدَسَ أن الحرب ستمتد في المدينة لفترة طويلة من الوقت، وأراد أن يحفظ مقتنياته بعيداً عن ساحة القتال، وبَقيت بعد حدوث زلزال النكبة في بُرقة، وأوصاني والدي بالحفاظ عليها، وبعد رحيله نقلتها إلى عمّان بصعوبة وبكميات قليلة وعلى امتداد سنوات عدّة، وهي معي الآن في عمّان مثقلة بحكايا ملحمية توازي أضخم الروايات والملاحم، عن مرارة المنافي والشتات والاقتلاع من الأرض والحرمان من الوطن".
هذه الهواية التي ورثها الكاتب عن والده عبد الفتاح مسعود الذي كان موظفاً في دائرة البريد بشارع الملوك بحيفا، حثته في ما بعد للحصول على عدد غير قليل من المقتنيات المرتبطة بالتراث، حتى تكونت لديه مجموعة كبيرة منها مختلفة الأشكال والأنواع والأحجام، وما يجمعها أنها تكوينات متجانسة، في مجال السجاد والفضيات والنحاسيات والزجاجيات والفخاريات والأثاث القديم، والمسكوكات من النقود المعدنية الرومانية والبيزنطية والساسانية (الكسروية) على شكل دنانير ودراهم كانت متداولة في الدول العربية في مجال معاملات البيع والشراء، وكذلك النقود المعدنية الأموية والعباسية والفاطمية والعثمانية والسلجوقية التي سُكت من النحاس والبرونز والفضة والذهب الخفيف، ضُربت بمأثورات وإشارات ونقوش زخرفية وتواريخ خاصة بها في مدن عديدة، منها: دمشق، وواسط، والبصرة، والكوفة، وأسطنبول.
وفي مقدمته المعنونة بـ"حضور المكان في المنفى.. الرواية الفلسطينية في مقتنيات سميح مسعود"، يرى د.جوني منصور، المؤرخ الفلسطيني وأحد الباحثين في تاريخ حيفا والحياة الاجتماعية فيها، أن عملية الانتقال من المكان الخاص بالفلسطينيّ (الوطن) في خضم حرب فُرضت عليه، إلى مكان آخر ليس له فيه إلا الإقامة المؤقتة، ريثما تجد القضية طريقها إلى الحل، ليست سوى نزعٍ بالقوة للعلاقة مع المكان الأم (الأصل)، ودفعٍ لهذا الفلسطيني ليبني علاقة مع مكان آخر مَفْروض عليه لظروف خارجة عن إرادته.
ويشير منصور إلى أن الكثيرين سارعوا لجمع المقتنيات المرتبطة بالوطن والحفاظ عليها، حرصاً على الموروث المادي والثقافي الفلسطيني، ولإنقاذه من يدٍ غادرة تبغي طمسه وتدميره وإخفاءه عن الوجود، لذا فإن قيمة مثل هذه المقتنيات ليست في المادة التي صُنعت منها، سواء أكانت الفضة أم النحاس أم الخشب أم حتى الذهب، وإنما هي في ارتباطها المتين بالمكان الذي انتُزعت منه، مؤقتاً، لتُعاد إليه، ولو بعد حين، وتوضَع في الموضع الذي من حقّها أن تكون فيه.. وهو ما يؤشر كما يؤكد منصور "على علاقة حميمة لها قاموس خاصّ لا يفهم كنهه إلا الفلسطينيّ؛ واضعه ومفسّره".
ويبين منصور إلى أن مقتنيات مسعود "تنقل لنا صورة واضحة المعالم عن سيرة تاريخية لعائلته وعلاقتها بالمكان الذي كان، ولم يعد قائماً إلا في ذكريات مشحونة بالحنين والشوق إلى العودة، وهذا حق طبيعي وإنسانيّ لكل فلسطيني، بل لكل إنسان في العالم انتُزع عنوة عن وطنه ومسقط رأسه".
ما يلفت الانتباه في مقتنيات سميح مسعود، بحسب منصور، تلك التي تخُصّه هو لما كان طفلاً في حيفا، وفي مقدمتها "مسطرة خشبية" هي الغرض الوحيد الباقي من مدرسة الجمعية الإسلامية/ فرع الذكور في منطقة البرج بحيفا، والتي تعلّم فيها سميح حتى الصف الرابع.
كتب الكاتب والتشكيلي حسين نشوان على الغلاف الأخير: "أكثر الأشياء بلاغة، تلك التي تتكلم بأثرها، فتقول ما كاد يضيع، وتدل علينا بصمتها، وتوقظ غيابات من ذكريات لم نعد -لفرط ما جرح النسيان خابية رؤوسنا- نتذكرها"، مضيفاً أن تلك الأشياء "تستعيد بحضورها الابتسامة التي تركناها على حافة الطفولة وتعيدنا إليها كهولاً، تقول بعض الماضي الجميل في المدينة التي يغسل أقدامها البحر لصلاة المكان"، ومؤكداً أن "متحف الذاكرة الحيفاوية" ليس كتاباً ينطوي على أشياء ومقتنيات قديمة، بل "رواية تحكي ما سقط من نصوص، وتقول ما عجزت عنه اللغة".
أما الكاتب جعفر العقيلي فرأى في كلمة له على الغلاف الأخير، أن ما يقوم به مسعود من جمعٍ وفيٍّ لذاكرة حيفا "لا يمكن أن يُعَدّ من باب الهواية أو الشغف المجرَّد، بل هو فعلُ تشبُّث ومقاومة وصمود"، مضيفاً: "بيت سميح مسعود إذ تؤثّثُه هذه الأيقونات والموتيفات الدّالّة، هو خير تجسيد لذاكرة الفلسطيني الحرّيفة المشبعة بتفاصيل الوطن والمشتعلة بحنينٍ أبديّ لكلّ ما فيه". ويختم العقيلي بقوله: "متحف الذاكرة الحيفاوية هو زادُ الفلسطيني وزوّادته التي لا يمكن العبورُ إلى المستقبل إلا معها وبها".
يُذكر أن مسعود وُلد العام 1938 في حيفا، درس في مدرسة البرج الحيفاوية حتى الثالث الابتدائي، ثم هاجر مع عائلته عام 1948، إلى برقة التي تنحدر منها عائلته، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية درس في جامعتَي سراييفو وبلغراد في يوغوسلافيا، حصل في عام 1967 على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بلغراد، عمل مستشاراً اقتصادياً في ثلاث مؤسسات إقيليمة عربية. انتُخب في عام 1990 رئيساً للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين – فرع الكويت. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، ويدير حالياً المركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال/كندا، كما يرأس الصالون الثقافي الأندلسي/ مونتريال التابع للمركز.
نشر مسعود مجموعة شعرية بعنوان "الوجه الآخر للأيام" (2011)، ونصوصاً نثرية بعنوان "رؤى وتأملات" (2012)، وكتاب بعنوان "حيفا.. برقة البحث عن الجذور" صدرت طبعته الأولى عن دار الفارابي ببيروت (2013)، والطبعة الثانية عن دار راية للنشر بحيفا (2014)، وصدر له مؤخراً عن رابطة الكتاب الأردنيين مجموعة شعرية بعنوان "حيفا وقصائد أخرى" باللغتين العربية والإنجليزية (ترجمة الشاعر نزار سرطاوي). كما صدر له في مجال اختصاصه العلمي ستة عشر كتاباً في مختلف المجالات الاقتصادية باللغتين العربية والإنجليزية منها: "الموسوعة الاقتصادية" في جزأين (2008)، و"الأزمة المالية العالمية، نهاية الليبيرالية المتوحشة" (2011).

أضف تعليقك