أنور حامد: أمضي إلى حيث يجلس القارئ

أنور حامد: أمضي إلى حيث يجلس القارئ
الرابط المختصر

في الرحلة الطويلة من مطار هيثرو بلندن إلى بلدة عنبتا بطولكرم، لا بدّ للروائي الفلسطيني أنور حامد في كل مرة من المرور بعمّان، مستذكراً الرحلة الأولى التي عبر فيها المدينة إلى أوروبا للدراسة، وكان ذلك في العام 1976. يستقل تاكسي ويتذكر فيه شرقهُ، فيذكّره السائق بغربه وهو يحاول مخاطبته بإنجليزية لا تشبه الإنجليزية.

 

- لست من هناك. ويكمل الروائيّ بالقرويّة العنبتاوية الحديث معه، ويتذكر مخططي المدينة.

 

يوم 14 من هذا الشهر نزل الروائي الفلسطيني والصحفي في البي بي سي أرض عمّان، في طريق عودته إلى بلده عنبتا.

 

- لا تذكرني عمّان برائحة، المدن بالنسبة لي تتصل باللون، عالم عمّان اللوني ملتبس، تتباين الألوان فيه، والغلبة للرماديّ، ربما كان هذا إسقاطاً من تجربة ذاتية. لست أدري تماماً...

 

يرى حامد عمّان جسراً وملاذاً في آن، كما الكثير من أبناء الضفة، فهي "تربطنا بالعالم الخارجي، وعبرها نعبر للعالم، وهي ممرنا الوحيد". ولها صفاتٌ، إذا حُصرت بلونٍ، رائحة، صفة واحدة، سنظلمها، يقول.

 

حامد الذي درس نظرية الأدب أكاديمياً بدأ كتابة القصة والشعر – بحذر شديد وخطوات مرتبكة- كما يقول، أما كتابته للرواية فهي تأتي ضمن مشروعٍ يراه ويعمل عليه، الروائيّ بحاجة لمشروع في نهاية المطاف، لدي مشروعي ورؤيا أحاول إيصالها عن طريق الرواية، قد أنجح، وقد لا أنجح، وذلك ليس مربوطاً بالوصول، إنما بمدى قدرتي على ترجمة رؤيتي إلى روايات.

 

- وأين تمضي؟

 

- إلى حيث يجلس القارئ، أخاطب القارئ لا الناقد، جواز مروري الأول، وأسأل نفسي على الدوام. هل وصله الصوت، هل قرأ الرواية دون أن يلجأ لشتمي؟

 

 

- والحكاية؟

 

- ليست -وحدها- شرطاً للرواية، إنما هي أساس ضروريٌ، وهي شيء خلافيٌّ، قد يقول البعض أنها نظرة محافظة، لا ضير. الشخصيات أساسٌ أيضاً، بتركيبتها؛ فالإنسان كيان معقد بالأضداد.

 

تلعب اللغة – في سرد حامد- دور الأداة الوظيفية، ويُكيّفها لتتناسب مع شخوص رواياته، ويستخدم العامية، و"يميل لها"؛ فهي أقدر على تجسيد الشخصيات، و"أعتمد عليها كثيراً في الحوارات".  وعن لغة إيميل حبيبي – غير البسيطة- يقول: لغته في روايته المتشائل تحديداً، حالة فريدة ليست في اللغة فقط، إنما في البناء أيضاً، اعتبرها قمة في الرواية.

 

يقرأ صاحب "جنين 2002" و "يافا تعد قهوة الصباح"، في الموسيقى والأدب كل ما يقع تحت يده، على المستوى الفلسطيني معجبٌ بنتاج الروائيّ أكرم مسلّم، تحديداً روايته "سيرة العقرب الذي يتصبب عرقاً" و"التبس الأمر على اللقلق"، "اللغة فيهما عنصر أكثر من أساسي في بنية الرواية".

 

- لو أردنا بالحساب الكميّ معرفة كم يشكل الشرق من أنور وكم للغرب حصة فيه، بشقين: أنور الروائيّ، والأخر الشخصيّ. لأيّ نتيجة نصل؟

 

- لدي نظرة رومانسية في هذا الموضوع؛ فأنا ابن شرقٍ يبحث عن الغرب، وغرب يحنُّ للشرق. المحاصصة فاشلة لديّ في هذا الشأن. أبحث عن الغائب؛ الاثنان موجودان فيّ، في محاولة مستميتة للتعايش، ألمسه بتربية أولادي، أعتمد مبادئ التربية الغربية وعواطفي شرقيّة، مفهوم تربيتهم قائم على الحرية وأسلك طريقة الفرنسيّ والبريطانيّ بفارق بسيط أنني أقلق عليهم إن غابوا، لكن أحاول ألّا أشعرهم بذلك.

 

- وإن وسّعنا المفهوم أكثر؟

 

- هناك محاولة وإيمان أن أساس الحوار بين الثقافات موجود، لكن بمستوى يتجاوز الجغرافيا والعرق والدين، مستوى أعلى؛ حيث تذوب هذه المكونات، لدي منظومة أخلاقيّة وإنسانية من يخرج عليها يكون على الجهة الأخرى، دون أن أفكّر بجنسيته، و اللغة المكتوبة على بندقيته، هل هو في تناقض مع منظموتي أم لا، أتعامل معه في أين يقف من منظومتي.

 

ويكمل: أعتقد أن الإنسان ليس نوايا ولا تاريخ، إنما وضعٌ لحظيّ، من هو في مأزق أتعاطف معه، حين يلتقي قويٌ وضعيف أنحاز للأخير.

 

يترك أنور حامد مدينة عمّان مثلما تركَ مدناً قبلها خطفته لكن لم تأسره- كما يقول- حاملاً حنينهُ ولهجته القرويّة إلى حيث بلدته عنبتا، يعبر الجسرَ، ويهمس في أذن المدن: وداعاً لكن إلى حين.

أضف تعليقك