بدأ المخرج الأميركي سام مينديز العمل على مشروعه السينمائي الطموح، الذي يسلط الضوء مجددًا على أسطورة فرقة "الخنافس" (The Beatles) من خلال أربعة أفلام مستقلة، يخصص كل واحد منها لسيرة أحد أعضائها: جون لينون، بول مكارتني، جورج هاريسون، ورينغو ستار. ويحظى المشروع، الذي انطلق تطويره مطلع عام 2025، بدعم رسمي من الأعضاء الأحياء وعائلات الراحلين.
من المقرر أن يُعرض في عام 2028، وقد بدأ تصوير مشاهده الأولى في لندن منتصف 2025. ويبتعد العمل عن القوالب التقليدية لأفلام السيرة الموسيقية، معتمدًا على سرد متداخل يروي حكاية كل عضو من منظور شخصي، ضمن محطات زمنية ومكانية متقاطعة.
وكان المخرج البريطاني سام مينديز، صاحب الفيلم الشهير "الجمال الأميركي" (American Beauty) عام 1999، قد صرّح لمجلة "فانتي فير" بأن فرقة البيتلز غيّرت نظرته إلى الموسيقى، قائلاً: "لطالما رغبت في إنتاج فيلم عنهم، وكنت أبحث عن طريقة تتيح سرد قصتهم. كان لا بد أن نجد أسلوبًا يلائم هذا العمل الملحمي ويقدمه للجيل الجديد"، مضيفًا: "لا يزال هناك الكثير لاكتشافه، وأعتقد أننا وجدنا الأسلوب المناسب. نحن لا نصنع فيلمًا واحدًا فقط، بل أربعة أفلام".
استثمار سينمائي في إرث موسيقي
يأتي مشروع مينديز ضمن موجة من الأفلام التي تستثمر في إرث الفرق الموسيقية والفنانين الذين ما زالوا يتمتعون بجماهيرية واسعة، مثل "كوين" (Queen)، و"إلفيس بريسلي" (Elvis Presley)، و"بوب مارلي" (Bob Marley). غير أن ما يميز هذا العمل هو طموحه السردي والإبداعي، إذ يعد أول تجربة سينمائية تقدم أربعة أفلام مترابطة ضمن رؤية واحدة، مع الاستعانة بحقوق كاملة لموسيقى الفرقة، ووثائق أرشيفية أصلية، إلى جانب توظيف تقنيات "الواقع المعزز" لإحياء حفلاتهم الأسطورية، ومن بينها حفل ملعب "شيا" الشهير في لندن بتاريخ 15 أغسطس/آب، الذي حضره أكثر من 55 ألف متفرج، وحقق إيرادات بلغت 304 آلاف دولار، وكان من أبرز الأحداث الموسيقية في عصره.
حصل سام مينديز على موافقة مباشرة من ورثة أعضاء فرقة "البيتلز" لاستخدام إرثهم الموسيقي والبصري، بما يتيح له إعادة بناء نسخ مطابقة للفرقة وحفلاتها وموسيقاها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
تأسست الفرقة في مدينة ليفربول بإنجلترا عام 1960، وحققت شهرة عالمية في منتصف الستينيات ضمن موجة «الغزو البريطاني» التي حملت موسيقى الغيتار والبوب إلى الولايات المتحدة. تميزت الفرقة بقدرتها على المزج بين البساطة الموسيقية والابتكار الفني، ما جعلها أيقونة ثقافية تتجاوز حدود الفن لتؤثر في الفكر والوعي الجمعي. وقد جسدت أغنيات مثل تخيل (Imagine)، وثورة (Revolution)، والغواصة الصفراء (Yellow Submarine) أحلام جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية في السلام وتحقيق الذات.
ولا تزال الفرقة تحافظ على قدرتها في جذب جماهير جديدة، إذ تكشف بيانات منصة "سبوتيفاي" أن أكثر من 60% من مستمعيها هم دون سن الخامسة والثلاثين. ويرى نقاد ومحللون غربيون أن مشروع مينديز يحمل فرصًا كبيرة لإحياء أسطورة "البيتلز"، لكنه يواجه تحديًا جوهريًا: إذا كانت موسيقاهم قد أسرت خيال شباب الستينيات، فهل سينجح المشروع في تحقيق الصدى ذاته لدى جيل العصر الرقمي؟
تألفت فرقة "البيتلز"، التي تُعد الأشهر في تاريخ الموسيقى العالمية، من أربعة موسيقيين بارزين.
الأول هو جون لينون، الذي واصل بعد انفصال الفرقة عام 1970 مسيرة فردية ناجحة، قدّم خلالها ألبومات تعكس رؤاه السياسية والاجتماعية. لكن مسيرته توقفت فجأة عام 1980 عندما قُتل برصاص مارك ديفيد تشابمان أمام منزله في نيويورك، في حادثة صدمت جمهور الفرقة وعالم الموسيقى بأسره.
العضو الثاني، بول مكارتني، واصل نشاطه كمغنٍ وكاتب أغانٍ، وأسّس فرقة "وينغز" التي حققت نجاحًا لافتًا في السبعينيات. يُعد مكارتني اليوم من أكثر الموسيقيين تأثيرًا في تاريخ الفن، وله آلاف الأغاني الناجحة سواء مع "البيتلز" أو في مسيرته الفردية.
أما جورج هاريسون، العضو الثالث، فقد اتجه نحو موسيقى الروك الفردية، وبرز في دمج الموسيقى الشرقية والأدوات الهندية في أعماله. رحل عام 2001 بعد صراع مع سرطان الرئة.
العضو الرابع، رينغو ستار، واصل هو الآخر مشواره كموسيقي منفرد وممثل، وأصدر ألبومات ناجحة، كما أسس فرقته الخاصة. ولا يزال حتى اليوم نشطًا فنيًا، يشارك في جولات موسيقية حول العالم.
أربعة نجوم يجسدون أسطورة "البيتلز"
في أول تصريح له بعد الإعلان عن اختياره لتجسيد شخصية جون لينون، عبّر الممثل هاريس ديكنسون لمجلة فانيتي فير عن شعوره بـ"رهبة ممزوجة بالحماس"، موضحًا: "لينون لم يكن مجرد موسيقي عبقري، بل كان روحًا قلقة تبحث عن المعنى في عالم مضطرب، وهذا ما سأحاول استحضاره على الشاشة". وأشار ديكنسون إلى أنه أمضى شهورًا في دراسة أبعاد شخصية لينون، من خلال أرشيف المقابلات والرسائل الشخصية.
أما الممثل بول ميسكال، الذي يؤدي دور بول مكارتني، فكشف في حوار مع هوليوود ريبورتر أن التحدي الأكبر يتمثل في تجسيد شخصية فنية ما زالت حية ومؤثرة. وقال ميسكال: "أشعر بمسؤولية كبيرة. مكارتني أسطورة لا تزال نابضة بالحياة، وأريد أن أقدم نسخة إنسانية تحترم هذا الإرث، من دون أن أقع في فخ التقليد السطحي".
وفي تصريح لصحيفة الغارديان، عبّر الممثل باري كيوغان، الذي يجسد شخصية رينغو ستار، عن فخره بالمشاركة في هذا المشروع قائلاً: "رينغو لم يكن مجرد عازف درامز، بل كان القلب النابض بالدفء والفكاهة داخل الفرقة. أحاول أن ألتقط طاقته العفوية وأعيد صياغتها بأسلوب سينمائي".
أما جوزيف كوين، الذي سيؤدي دور جورج هاريسون، فقد أوضح في مقابلة مع رولينغ ستون أن ما يجذبه في الشخصية هو عمقها الروحي وغموضها، مضيفًا: "أسرتني رحلته من نجم عالمي إلى متصوف يبحث عن الحقيقة. أعتقد أن هذا المشروع فرصة لاكتشاف الجانب الهادئ في البيتلز".
ومع حصول العمل على موافقة الورثة والشركات المالكة لحقوق الملكية الفكرية والأداء العلني لاستخدام الموسيقى الأصلية كاملة، يرتقي المشروع من مجرد إعادة تمثيل إلى تجربة سمعية بصرية شاملة، تعيد إنتاج أسطورة الفرقة بروح جديدة.











































