" أدب السايبورغ": أدب الألفية الثالثة

" أدب السايبورغ": أدب الألفية الثالثة
الرابط المختصر

 

مع انعطافة البشرية نحو الألفية الثالثة منذ عقد أو يزيد، لم يعد الإنسان هو الإنسان الذي عرفته البشرية وأنهكته الفلسفة بحثا وتحديدًا وتأويلا. لقد ترافقت الانعطافة التاريخية بتطور مهول في القدرات البشرية لم يكن ليتم إلا بفضل اندماج التطور التكنولوجي الهائل مع القدرات البشرية لينتج ما بات يعرف بما بعد الإنسان posthuman. وتغلغل هذا التحول في كل طبقة من طبقات الثقافة وغير بالتالي مفهوم الإنسان الحداثي عن التكنولوجيا التي كانت لا ترى فيها أبعد من الآلة. إنسان الألفية الثالثة هو ذلك الذي أطلقت عليه دونا هاراوي السايبورغ Cyborg في إعلانها الصادر عام 1989 والذي يحمل اسم (إعلان السايبورغ). يعود مصطلح السايبورغ إلى الستينيات من القرن الماضي حين نحته مانفريد كلاينز وناثان كلين "للإشارة إلى الإنسان المحسّن أو المطوَّر الذي يمكنه العيش في بيئة أبعد من حدود الأرض". ولكن هاراوي هي التي أدخلته إلى عالم الأدب والثقافة.

 

تقصد هاراوي بالسايبورغ الكائن الحي السيابرنيتيكي. والكلمة بحد ذاتها نتاج اندماج كلمتي الكائن الحي organism والسايبرنيتيكي cybernetic (cyo/org)ـ إنه باختصار نتاج اتحاد الإنسان بالآلة ولكنه ليس اتحادا بسيطا، ذلك أنه غير قابل للفصل ضمن السايبورغ الذي يعمل من خلال تفاعل الجزأين معا. تكتب كاثيرين هيلز:

"منذ وقت ليس بالقصير سرت إشاعات عن أن عصر الإنسان قد سلم مقاليده إلى عصر ما بعد الإنسان. ليس الأمر أن الإنسان قد مات، ولكن الإنسان بوصفه مفهوما قد تطور درجة أو درجات. فالإنسان ليس نهاية الطريق، إذ يبزغ من خلفه السايبورغ: الكائن الهجين المخلوق من تزاوج الكائن البيولوجي والآلية السايبرنيتيكية. وفي حين إنه من الممكن أن تنظر إلى الإنسان بوصفه ظاهرة طبيعية بلغت النضج بوصفها نوعا من خلال الانتقاء الطبيعي والتطور الجيني التلقائي، فإنه لا مكان لهذه الأوهام في السايبورغ، ذلك أنه كائن مركب منذ البداية: كائن تكنولوجي يجمع ثنائية الطبيعي واللا- طبيعي المولود والمصنوع". وتفترض هاراوي أن الكتابة هي "تكنولوجيا السيابورغ الشاهقة ". إنها القفزة الطبيعية, فاللغة هي تكنولوجيا المعلومات الأولى وتبعا لذلك فإن البشرية كانت سايبورغية منذ الكلمة الأولى. فالإنسان لم يصبح إنسانا إلا حين اكتسب تكنولوجيا معلوماته الأولى: اللغة ـ وقوض كل الميثولوجيا المرتكزة حول خطيئته الأولى التي تسببت بها براءته وافتقاره إلى تكنولوجيا المعلومة. لقد كان نضاله من أجل اللغة. . . . . وضد التواصل المثالي، الذي تمثل في تحطيم الحدود، ودمج الأقطاب المتنافرة والتشابك والحوار بين الأفراد والثقافات. ما تقصده هاراوي هو أن اللغة بحد ذاتها تكنولوجيا معلومات بدئية وما يجري اليوم هو تطور طبيعي لهذه التكنولوجيا حين اندمجت بآلة تعتمد البرمجة المبنية على حروف ورموز وأرقام.

 

وهكذا يشهد الإنسان بأم عينيه ـ وللمرة الأولى في التاريخ ـ تطوره النوعي غير المسبوق. هذا التطور المصحوب بالتقدم التكنولوجي الهائل نتيجة حقيقة أن ما بعد الإنسانية قد أدت إلى تحطيم كل مبدأ حكم وحدّد الحالة الإنسانية، وإلى أن كل مفهوم بات متحللا على أرضية مائعة أو مهجنة. وهكذا فإن السايبورغ ليس مجرد جسم كائن حي سايبرنيتيكي، ولكنه نظام مفتوح يعمل دون حدود ثابتة. إنه يسمح بتفاعلات لا نهاية لها وتحولات مستقبلية قد يصعب التنبؤ بها.

 

يعد هذا الجانب الأهم في تشكيل البناء الاجتماعي والثقافي. فمن الناحية الاجتماعية ـوهي الناحية التي ركزت عليها هاراوي ـ فإن حالة الانفتاح الثابتة على العمليات الجديدة تنعكس في الانفتاح على الاختلافات داخل المجتمع والعكس صحيح. وهي بذلك تطيح بتصنيفات كالطبقة والعرق والنوع الاجتماعي. فلا وجود لوحدة ثابتة يمكنها أن تعد أي تصنيف خارجها بوصفه آخرا. لقد زالت الحدود وأضحى المجتمع السايبورغي عمليات مستمرة من الالتحام والتحول اللانهائي.

 

تقف حالة الميوعة وعملية التحول المستمر للمجتمع السايبورغي على النقيض من سياسات الحداثية وجمالياتها المائلة نحو الثبات والسكون. وإذا كانت هاراوي قد ركزت على تحليل ظاهرة السايبورغية بمصطلحات السياسات ـ وخصوصا ضمن السياق النسوي، فإن آر. ال. روتسكاي R. L. Rutsk قد عالج الحالة السايبورغية من ناحية الفن والجماليات.

 

ركز روتسكاي ـ وهو أستاذ السينما والثقافة الشعبية في جامعة سان فرانسيسكوـ على تعريف التكنولوجيا العالية High Techne لتوضيح أن مصطلح التكنولوجيا يتضمن مفهوم الفن أيضا. وبالإشارة إلى صياغة هايدغر لجوهر التكنولوجيا حلل روتسكاي جماليات الثقافة التكنولوجية، وشرح كيف أن فهمنا للتكنولوجيا في الحداثة وربما فيما بعد الحداثة يختلف عن مفهوم الثقافة التكنولوجية Technoculture الذي وضعه لتوصيف الحالة المعاصرة. يقول روتسكاي:

 

"في عصر التكنولوجيا العالية، تغيرت خبرتنا عن التكنولوجيا تغيرا عظيما، ومع ذلك فإن تعريف التكنولوجيا لا يزال مشكوك فيه إلى حد كبير" . يردم مصطلح التكنولوجيا العالية الفجوة في التفكير حول التكنولوجيا، ويدرس العلاقات المتحولة في التكنولوجيا والفن والثقافة من بدايات الحداثة وحتى الثقافات التكنولوجية المعاصرة. وبتقصي الجذر اليوناني لكلمة تكنولوجي techne التي تترجم إلى فن، أو مهارة، أو حرفة يدوية، يتحدى روتسكاي المفهوم الحداثي للتكنولوجيا بوصفها أداة أو وسيلة والفكرة التقليدية عن الجماليات اللا-أدواتيه. فقد التحمت التكنولوجيا بالجماليات في عصر الثقافات التكنولوجية التي صنعتها النسخة الأشد تعقيدا والأكثر تطورا عن الإنسان: السايبورغ.

 

وهكذا فإن تكنولوجيا المعلومات وفكرة التكنولوجيا العالية قد خلقتا معا عالما هجينا اكتسبت فيه الميوعة والشفافية التي لا تعرف الحدود مناعة ضد البنى الثابتة. لقد فككت ما بعد الحداثة وأعادت تركيب كل مبدأ عندما قدمته في سياقات متغيرة وجديدة وبذلك ذابت الأسس الثابتة للأفكار في حقائق عائمة ومنتهكة لكل الحدود في عالم افتراضي. هذه الحقيقة التي بنيت من التخيل والتكنولوجيا معًا هي التي حولت الإنسان إلى ما بعد الإنسان من خلال توجيهه حسب عملياته/ ونموذجه الخاص. يحدث هذا التوجيه في بيئة مُنتجة يتداخل فيها الزمان والمكان. إنها بيئة التكنولوجيا حيث الزمان/المكان في تحول دائم وإعادة تنظيم مستمر. والواقع الافتراضي هو واقع السايبورغ الدائم التحول والتغير من خلال التفاعل المتواصل. هذا التحول هو أساس سياسات وجماليات السايبورغ في عصر الألفية الثالثة.

 

اقتضى الأمر بالضرورة تطورا أدبيا وفنيا يعكس هذه المتغيرات واسعة النطاق في الثقافة والمجتمع فكان ما بات يطلق عليه الفن التطويري والموسيقى التطويرية والأدب الرقمي.

 

يتسم هذا الفن والأدب بجماليات عصر الثقافة التكنولوجية والتكنولوجيا العالية: الحركة والانفتاح والتحول. فالنص مبرمج مصحوب بفلاشات معينة للتفاعل مع عمليات القارئ. يتحرك النص استجابة لحركة الماوس الذي يحركه القارئ أو المشاهد الذي يتلاعب بالنص بحيث يمنحه جمالياته المغايرة. كان تقبل الجماليات المغايرة المرتكزة على التحول المستمر والحركة الدائبة والتغير مع الزمن أفضل وأسرع في مجال الفنون ـ مقارنة بالأدب ـ لا سيما الفن التوليدي الذي يضم تجمعات من الفنون المعاصرة تشكل كل منها عالما بحد ذاته وتتضمن على سبيل المثال لا الحصر:

 

الموسيقى الإلكترونية والتلحين الخوارزمي، والغرافيك والرسوم المتحركة، وعروض الديمو (Demo Scene) التي تختلف عن الرسوم المتحركة الكلاسيكية في أنها تُحوسَب في الوقت الحقيقي مما يمثل تحديًا كبيرًا لقوة الحوسبة ذاتها. وتتألف عروض الديمو في معظمها من رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد مع تأثيرات ثنائية الأبعاد وعرض الشاشة الكاملة، هذا بالإضافة إلى ثقافة الوسائط المتعددة: السمعية والبصرية، والتصميم الصناعي والهندسة المعمارية، وغيرها الكثير من التطبيقات الفنية والهندسية. ترتكز هذه الفنون في مجملها على توظيف العشوائية في التركيب، والنظم الوراثية والخوارزميات لتطوير النموذج. وتتسم بأنها تغير مع مرور الزمن. وتقوم على تشغيل شفرة على جهاز حاسوب.

 

ولكن الأمر يختلف قليلا في مجال الأدب، فالسؤال الذي أرق الناسخون في القرون الوسطى عندما اخترعت الكتابة هو ذاته الذي يؤرق الأدباء والفنانين مع ظهور فنون وآداب مختلفة وجديدة: هل الأدب الإلكتروني أدبا؟ وهل سهولة النشر الإلكتروني بفضل الإنترنت وغيرها ستتسبب في طوفان من الهراء الذي لا قيمة له؟ هو الجودة الأدبية ممكنة في وسائل الإعلام الرقمية، وهل الأدب الإلكتروني أدنى من ذلك المطبوع؟ وما هو مستقبل الكتابة في ظل انتشار الثقافة الرقمية؟

 

لا يمكن الإجابة على هذه التساؤلات دون تناول السياقات التي أعطت هذه التساؤلات قيمة ومعنى والتي تتضمن استكشاف واسع المدى لما يمكن أن يطلق عليه الأدب الإلكتروني، وكيف يندمج أو يفترق عن الأدب المطبوع، وما هي الاستراتيجيات التي تميزه، وكيف يفسر المستخدم هذه الاستراتيجيات أثناء بحثه عن المعنى. وباختصار فإنه لا يمكن للمرء أن يجيب عن هذه التساؤلات ما لم يدرس بعمق خصائص الميديا الرقمية. ذلك أن رؤية الأدب الإلكتروني من خلال عدسة المطبوع يعني أننا لم نره على الإطلاق. لذلك فإن مزيدا من البحث والنقد مازال ضروريا لفهم الأدب الإلكتروني بوصفه حالة أدبية تشارك في التقاليد الأدبية من جهة وتسهم في إدخال تحولات حاسمة قد تعيد تحديد ما هو الأدب والفن من جهة أخرى. الأدب الإلكتروني ـ والذي يستبعد عادة الأدب المطبوع الذي جرت رقمنته ـ هو بالمقابل أدب مولود رقميًا، إنه الكائن الديجتالي الأول الذي أبتكر على الحاسوب وليقرأ على الحاسوب أيضا.

 

بحث أبسين آريست في كتابه (النص السايبيري: وجهات نظر في الأدب الإرجوديكي) العلاقة بين النص والكاتب والقارئ في الأدب الإلكتروني وقدم منظورًا مهمًا عن تغير الأدوار في النص السايبيري واختار النص التشعبي أو نص الهايبرتكست أنموذجا. يرتكز الأدب الرقمي على نظام الترابط. تسمح الروابط للقارئ بالتنقل خلال النص، بطريقة خطية أو شبكية معقدة أو مزيج من كليهما أو دونما وجهة محددة في بعض الأحيان. تمنح تلك الروابط القارئ مزيدا من الخيارات للتحكم ـ وليس السيطرة ـ في النص أكثر مما كان عليه الأمر في النص المطبوع. يقترح آرسيت نظريات مختلفة في العلاقة الجديدة بين القارئ والمؤلف في الفصل المعنون (حكم القارئ). يقول على سبيل المثال" "تعد الوظائف الإضافية لمشاركة المستخدمين تحريرا وتمكينا من قبل البعض ولكن آخرون قد يعدونها قمعية وسلطوية"، ويضيف "إن المؤلف والقارئ يصبحان أكثر وأكثر الشخص نفسه وتصبح التكنولوجيا الرقمية مسئولة ". ويقول أيضًا "إن مستخدم رواية النص التشعبي، على سبيل المثال، الذي يعيد ربط، ويعلق نسخته أو حواشيه على بنية النص التشعبي، ليس على نفس المستوى من الخطاب المتعلق بمبدع الرواية ". وآرسيث نفسه لا يقدم نظريات نهائية حول هذا الموضوع تحديدا، ولكن هذه الاقتباسات قد تشكل أساسا جيدا ومقدمة لتفسير العلاقات الجدلية في النص الجديد. يعطي الكتاب وصفا جيدا لكيفية تغيير ممارسات القراءة مع الأدب الإلكتروني، وتحديدا في الهايبرتكست. يقتبس آرسيث من جورج آندو ادعائه بأن "الهايبرتكست يطمس الحدود بين الكاتب والقارئ". ويطرح لاندو إحدى الطرق التي يمارس بها الهايبرتكست هذا الطمس فـ "من خلال السماح بمسارات مختلفة من خلال مجموعة من الوثائق، فإنه يجعل القراء، بدلا من الكتاب، يتحكمون بالمواد التي يقرؤونها وبالترتيب الذي يتم قراءتها به. وعندما يمتلك القراء السيطرة على ما يقرؤون (وهذا مستقل عن سلطة بدء أو إيقاف القراءة)،إلى الدرجة التي يمكن بها أن يغيروا معنى النص، فإنهم يصبحون عرضة لمغامرة أن يكونوا مؤلفين لا قراء فحسب. يمكن قراءة نص الهايبرتكست من البدايات والنهايات على طول مسارات عديدة بمعاني مختلفة. فإذا كان المؤلف قد خطط لكل قراءة ممكنة من نصوصه، فإنه يحتفظ بالقدرة على (القبض) على القارئ، والسيطرة على معنى القطعة بأكملها. وإذا كان للقارئ أن يغير النص في أي لحظة لإنشاء ترجمة لم تكن مقررة صراحة من قبل المؤلف، فإن القارئ يتحول إلى مؤلف مشارك. وكلما اكتسب القارئ مزيدا من التحكم، كلما خسر المؤلف. ولكن يجب أن يبقى هذا التحكم منفصلا عن التفسير من الناحية المفاهيمية. فالتحكم هو واجهة التفسير الملموسة. وهو التغيير المادي للنص أثناء القراءة، ولكنه ليس الدراسة الفكرية الموضوعية للنص. وعندما يتعمد المؤلف العشوائية بمعنى أن يفترض أن جزءا من النص سيتغير على يد القارئ بطريقة لا يمكنه التنبؤ بها، فإن ذلك لن يفقده التحكم بالضرورة، ولكنه سيقحم القارئ في نوع من التفكير الحر، الأمر الذي قد يضر بالنص وبجدارته واستحقاقه. إن فرصة وجود أكثر من مؤلف للنص تعني فقد القدرة على تحديد معنى معين. وإذا ما عمل هؤلاء المؤلفين بشكل مستقل عن بعضهم البعض فإن ذلك يعني رؤى متنافسة ومن ثم استحالة التثبت من المعنى الذي قصده المبدع.

 

وباختصار فإن النص الإلكتروني لا يميز بين المؤلف والقارئ والنص نفسه، ولكنه ينظر إليهم جميعا بوصفهم أجزاء من نظام. وإن استبعاد أيا منهم يعني أن النظام لن يعمل بالكفاية المطلوبة. والصورة الأخيرة التي يرسمها الأدب الإلكتروني هي مجموعة كبيرة من الأفراد يتصرفون بوصفهم قراءً ومؤلفين في شبكات التغذية المرتدة المعقدة.

 

والملفت للنظر أن كتاب ونقاد الأدب الإلكتروني الذين حاولوا في بدايات ظهور هذا الأدب منذ منتصف الثمانينيات الماضية تقريبا تحديد العمل الإلكتروني من خلال مقارنته بالأدب التقليدي، قد اقتنعوا أخيرا أنهم يتعاملون مع حالة جديدة لا يمكن مقارنتها بما سبقها أو إسقاط المصطلحات الأدبية التقليدية عليها لا سيما ما يتعلق بالأجناس الأدبية التقليدية. وهكذا فقد جرى التحول نحو فهم الأدب الإلكتروني ضمن سياق تاريخي شامل يموضعه جنبا إلى جنب مع أنواع أخرى من الأعمال الإبداعية التي تتضمن تطبيقات فنية غير خطية مثل فن الصوت والعروض والتصوير وتصميم الجرافيك وحتى الأفلام. فالأدب التقليدي لم ينطو قط على هذا القدر من التفاعل والتشاركية، ولا الرسوم البيانية والتصاميم والصور المتحركة والفلاشات واللافتات والرسوم وملايين الألوان ولا حرية التغيير والتلاعب. إن أهم ما يجعل هذا الفن جديدًا هو رفضه للتمايز الواضح المفترض بين الأجناس الأدبية فالنص الجديد " نص جامع، عابر للفنون (وليس للأنواع، بمعنى سقوط مفهوم تآزر الفنون وتداخل الأنواع لصالح تداخل الفنون وتمازجها) أما مرجع هذا النص فليس غائبًا لأنه نص متعدد المراجع بحيث يصعب تحديد وجود مرجع منها وجودًا واضحًا. حياديًا. فهو دائم الإحالة لاتجاهات ومتغيرات شتى "إنه فن يحاول أن يعبر عن روح الإنترنت: المعلومات والتضليل. فن يحاول التعبير عن جوهر الإنترنت: المعلومات والتضليل. نص يعرض التفاعل، والرسومات، والتصميم، والصور، والرسوم التوضيحية، والشعارات، والألوان، والخطوط و. . . النص.

 

يلخص أسبين آرسيث ذلك كله بعبارة جديرة بالاهتمام حين يقول: "ينبغي أن نكون أكثر دقة فنطلق على أدب الكمبيوتر مصطلح " أدب السايبورغ " ولذلك فإننا بحاجة إلى نقد ومصطلحات تقرب بين الإنسان والآلة، بين الإبداع والآلية، بين المهم واللا مهم ".

 

لقد انتقل الأدب الإلكتروني من الهامش إلى المركز، ومن الضجيج إلى الموسيقى. وتزايد عدد الفنانين والنقاد والمهتمين والمتابعين اللذين يحاولون مأسسته بطريقة مشرفة: من خلال الكتابات والاجتماعات والمؤتمرات، والجوائز والمنافسات. وبقطع النظر عما يخبئه المستقبل لهذا النوع من الاشتغالات الفنية، فإنه الآن في بؤرة الاهتمام، وهو بذلك يخلق مساحة لتكون نموذج فكري جديد تلتقي فيه العلوم بالإنسانيات في توفيقية هي الأولى من نوعها بعد صراعات ومجادلات طويلة صبغت أزمنة الحداثة وما بعدها.

باحثة ومترجمة فلسطينية حاصلة على ماجستير تكنولوجيا حيوية، ماجستير تربية وعلم نفس، بكالوريوس صيدلة، صدر لها مجموعة أبحاث أبرزها:

 

 

1-  أفق يتباعد: من الحداثة إلى بعد ما بعد الحداثة، دار نينوى للنشر والتوزيع. دمشق 2014.

2-  الإنسان في ما بعد الحداثة، دار يوتوبيا، بغداد، 2014

3- نهايات ما بعد الحداثة: إرهاصات عهد جديد، مكتبة ودار عدنان للنشر 2013.

4- فصل في موسوعة: الفلسفة الغربية المعاصرة: صناعة العقل الغربي من مركزية الحداثة إلى التشفير المزدوج- الجزء الثاني.

أضف تعليقك