الحبل السري لم يقطع للآن، امل اليتيمات بعودة ذلك الحبل الذي ربطهن بامهاتهن اقوى من قطعة على يد طبيب ،ويذهب بعدها كل في طريقه ،لاسباب مختلفة ومبررات لا تقنع الكثيرات منهن لكن في النهاية ،هن يعترفن بانهن تربين في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، ولا يحملن البغض او الغضب لما آلت إليه ظروفهن او ما نسب الى فئة منهن بـ "مجهولات النسب" بالنهاية ما زلن يحتفظن بعبق بطون امهاتهن.
ففي احدى ليالي عمان الباردة ولدت ايمان ابنة التاسعة عشرة، وقطع ذاك الحبل الذي احتضنها لتسعة اشهر في بطن والدتها،فعندما ولدت لم يكن حالها كحال باقي المواليد الذين ولدوا معها في اليوم ذاته فوالدتها قامت بتسليمها لاخوالها الذين أودعوها دار رعاية ايتام ،حتى ان والدتها لم ترضعها ولم تر تفاصيل وجهها الصغير ولم تلتفت الى بكاء ذلك الكائن الضعيف.
من غرفة المواليد في احد المستشفيات الحكومية خرجت أيمان على يدي خالها ليسلمها الى مركز للايتام مكتفياً بالافصاح عن انها مولودة غير شرعية من دون تفاصيل إضافية.
"كنت ابكي في الحمام حتى لا يراني احد "، بدأت ايمان الحديث عن طفولتها، وتابعت" كان اكبر حاجة عندي أم ترعاني وتتابع امور حياتي اليومية والمدرسية، وادعيت أمام قريناتي أن أمي متوفاة"
أكثر ما كان يجرح إيمان ويجعل الدموع تنهمر من عينيها معايرة زميلاتها وقت المشاجرات، بقولهن " أنت يتيمة لا أهل لك".
"كم تمنيت ان يكون لي أم" تقول ايمان " عندما رأيت وجهها كنت في السادسة من العمر، يومها طلبتني مديرة المدرسة لاتفاجأ بسيدة تحمل رضيعاً، هتفت السيدة " انا أمك" وكررتها وانا اكرر أمي ميتة، قلت ما كان يقال لنا في المركز، أمي ميتة.
الدقائق التي جمعتني بها انتهت عندما منحتني قليلاً من الحلوى، ودعتني قبل ان اقول لها أمي، قالت وهي تذهب " أنا أمك ولن تشاهديني مرة أخرى"واختفت للآن.
تلك الدقائق لم تكن كافية لينطبع وجه الام في ذاكرة الطفلة، تقول إيمان "لا اذكر وجهها"، وخلافاً للمتوقع تعلن من دون تردد "انا سامحتها"، مسامحة لا تخلو من العتب، تقول" لا الومها لكن اريد ان اقول لها لماذا تخليت عني وانت ام لديك اطفال اخرون من زوج غير ابي"
تداعت مشاعرها تجاه والدتها في عيد الام، فكتبت لها معايدة على آمل ان تقرأها لتعرف ان من تخلت عنها في ذلك اليوم تحمل لها فائضاً من الحب، كتبت تقول "أمي ..كلمة جمعت من كل شيء جماله ومن كل معنى جلاله ..دعيني اقبل يديك ورأسك ..يا رائحة الورد والياسمين ..انت يا بر الامان في عيدك اكتب ان يبارك الله في عمرك ويحميك شر المرض وان اكون نعم البنت كما انت نعم الام..ابنتك ايمان"سعيدة هي بالرسالة، التي تعلم جيداً انها لم تصل ولن تصل، كما تقول إيمان.
مشاعر صامتة
نوال ابنة الـ 23 عاما، لا تعرف معنى كلمة أم، لا تشعر بما تخلفها تلك الكلمة من مشاعر وعاطفة، بعد ان فقدت أمها وهي في الرابعة من عمرها، وقادها عجز والدها المريض عن رعايتها الى طريق انتهى بها في دار الايتام.
تقول " لم اتلمس مشاعر أمي، لم اعرف ذلك الشعور"، لذلك لم تكتب في عيد الام رسالة لامها الراحلة، لكنها قالت ما تعرفه عن الام من دون ان تعيشه "أمي .. كلمة تملأ الروح دفئاً وحباً ، حناناً وشوقاً ، لكل شيء جميل ، تضيء سماء دربك بنور المحبة والأمل.. غابت شمس سمائي فقدتها عندما كان عمري أربعة أعوام .. فقدت روحي معها " .
رغم النهايات المتشابهة تختلف البدايات، ليلى ابنة الـ 24 عاماً لها بداية مختلفة عن سابقتيها، إذ عثر عليها في اللفة بعد ساعات من ولادتها، هي لا تعرف تلك المشاعر، لا تستطيع التعبير عنها، لديها الكثير من الكلام الذي تلجمه الدموع كلما سمعت كلمة أمي.
تقول "نفسي اشوف امي واسألها ليش تركتني ..ما بحب الاعياد ولا يوم الام ..ما بعرف ليش تركوني وتخلت عني انا مسامحاها بس اشوفها" بكاؤها الشديد اوقف السؤال.