هكذا يواجه الزرقاويون موجة الحر
حظر تجول نهارا وهجرة شبه جماعية الى الساحات المفتوحة ليلا
احدهم وضع نفسه في الفريزر واخرون لجأوا الى مكيفات السيارات ووضع الثلج امام المراوح
المفتي بني طه: النكات حول الطقس مباحة.. بضوابط
عاش أهل الزرقاء أوضاعا لا يحسدون عليها خلال موجة الحر الماضية، والتي كانت محافظتهم الصحراوية من بين المناطق الأشد تاثرا بها على مستوى المملكة، فيما انشغل بعضهم في تبادل النكات التي تتندر وتسخر من أحوالهم خلال الموجة.
وبلغت ذروة الحرارة في الموجة 45 درجة مئوية، متسببة بما يشبه حالة حظر التجول في الشوارع خلال النهار، وبهجرة جماعية من البيوت إلى الأماكن المفتوحة طلبا لما تيسر من نسائم أثناء الليالي الخانقة، والتي تخللتها انقطاعات طويلة للكهرباء.
إبراهيم مدادحة مدرس لغة انجليزية من سكان الرصيفة قال أنه عمد إلى التقليل من خروجه تحت الشمس خلال الموجة، وكان يلجأ إلى الاستحمام بالماء البارد مرات عدة في اليوم، إضافة لتناول كميات وفيرة من الماء البارد.
وأضاف أنه كان ينام على السطح ليلا فرارا من الحرارة الشديدة داخل البيت، مشيرا إلى أنه كان خلال ذلك يتابع النكات التي ينشرها أصدقاؤه ومعارفه على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي رأى أنها تمثل أسلوبا يلجأ إليه الناس للتسرية والتخفيف عن أنفسهم في مثل تلك الأجواء شديدة الحرارة.
وأكد مدادحة أن هذه النكات تعكس في كثير منها وقائع حقيقية، مبينا أنه شخصيا رأى موقفا طريفا قام خلاله أحد سائقي سيارات الأجرة بلف راسه بقطعة قماش مبللة أخفت معالمه حتى لم يكن يبدو منه سوى جزء يسير من عينيه، وتساءل حينها كيف يستطيع القيادة وهو على هذه الشاكلة.
حر ونكات
نهاية السمير قالت أنها تعاملت مع موجة الحر كأي ظرف جوي آخر يتطلب الاستيعاب والتأقلم، مشيرة إلى أنها لم تكن تغادر البيت نهارا، وأن أفراد عائلتها كانوا يحرصون على الإكثار من الاستحمام وشرب الماء لتبريد أجسامهم.
وكما هي الحال مع كثيرين، فقد كانت نهاية تتابع النكات والنوادر الساخرة التي تنشر على الانترنت، وتذكر منها صورة شخص نائم محتضنا قالب ثلج كبير، وأخرى لطفل فاحم السواد كتب عليها أنه ولد في عز الظهر.
لكنها تؤكد أنها لم تكن تجد في تلك النكات ما يستدعي الضحك، بل على العكس، كانت تثير امتعاضها لتضمنها سخرية واستهزاء بأمر قدّره الله، ألا وهو موجة الحر.
وبدوره أيضا، انتقد أحمد العندليب، وهو من سكان الرصيفة النكات التي تم تداولها خلال موجة الحر، معتبرا أنه كان الأجدر بأصحابها التوجه بالدعاء إلى الله ليكشف عنا البلاء ويجيرنا من نار جهنم.
وقال العندليب أن من الأمور التي راعاها خلال الموجة عدم الخروج من المنزل ما أمكن، مضيفا أن أطفاله كانوا يمضون وقتهم في مسبح بلاستيكي اشتراه خصيصا لمواجهة موجة الحر، وأنه كان يشاركهم اللعب بالماء لتخفيف الحر عن نفسه أيضا.
وأشار إلى أن زوجته التي أجهدها الحر توقفت عن إعداد الطعام في المنزل، ما جعلهم يلجأون إلى المطاعم لشراء الوجبات الجاهزة.
مكيف واختراعات
وبسبب عدم اقتنائها مكيفا في المنزل، فقد ذكرت انتصار أبو حويلة أنها وأفراد عائلتها كانوا يلجأون إلى سيارتهم المزودة بمكيف، حيث يمضون الوقت متجولين فيها ومستمتعين بالأجواء الباردة داخلها، مضيفة أن طعامهم خلال الموجة اقتصر على البطيخ والجبنة وسلطات اللبن والخيار.
وأبدت أبو حويلة إعجابها بأسلوب النكات الذي اتبعه البعض للترويح عن أنفسهم خلال الحر، مشيرة إلى نكتة استظرفتها، وتقول أن الناس الذين ضجوا من العاصفة الثلجية هدى، باتوا الآن يوجهون إليها الدعوة لزيارتهم، هي وأولادها أيضا.
من جانبها، قالت عائشة أبو شوشة التي تقيم في حي الضباط، أنها طبقت مع عائلتها وصفة لكسر حدة الحر وتتمثل في وضع قالب ثلج كبير أمام المروحة، مبينة أن تاثيرها كان نفسيا أكثر منه فعليا.
واعتبرت أبو شوشة أن إحدى إيجابيات الموجة، إن كانت لها إيجابيات، هي لم شمل الأسرة معظم الوقت في غرفة واحدة في البيت، وهي التي كانت أجواؤها الأكثر اعتدالا بين بقية الغرف، ومساء كانت الأسرة بأجمعها تنتقل للسهر على الشرفة.
وذكرت أنها كانت تشارك في تمرير ونشر النكات بين معارفها خلال الموجة من باب التسرية، مشيرة إلى النكتة التي اشتهرت تحت شعار "الجو خليجي والراتب أردني".
ولا يختلف حال أحمد الدغيمات عن باقي الناس في تقليل الخروج من المنزل أثناء موجة الحر، فضلا عن أنه تجنب تحريك سيارته خشية خرابها بفعل حرارة الجو المرتفعة كما يقول.
وأشار الدغيمات وهو من سكان الرصيفة، إلى أن أفراد أسرته كانوا يكثرون من شرب العصائر الباردة والماء ويحرصون على تناول مأكولات خفيفة.
وبينما روى موقفا طريفا لإحدى شقيقاته التي قامت بوضع طفلها في جردل مملوء ماء وراحت تطعمه بينما هو في الجردل، إلا أنه وصف نفسه بالشخص المتدين الذي لا تروقه النكات حول الطقس لأن في بعضها اعتراضا على حكم الله على حد تعبيره.
نوم في الفريزر
ومن ناحيته، قال مصعب النجار أن موجة الحر زادت ضغط العمل عليه حيث أنه موظف في شركة مشروبات غازية، وقد تضاعف الطلب ثلاثة أضعاف على منتجاتها خلال الموجة، مضيفا أنه خلال الساعات القليلة التي يعود فيها إلى البيت كان يقف تحت دوش الحمام وهو في كامل ملابسه.
لا بل أن النجار أكد أنه كان يعمد أحيانا إلى الجلوس داخل فريزر التخزين في منزله من شدة الحر، كما كان يبلل ملاءة السرير والوسادة ويضعهما في الثلاجة حتى يبردا تماما، ثم ينام عليهما خلال الليل.
ولانشغاله معظم الوقت في عمله، فهو يقول أنه لم يكن متابعا للنكات المتداولة حول حالة الجو، والتي يخالف القائلين بأنها تتضمن استهزاء من أحد مخلوقات الله، معتبرا أن الأعمال بالنيات، والنية هنا هي الترويح عن النفس والتخفيف من وطأة الأجواء الحارة.
حمامات ومسابح
هناء القردحجي قالت أنها وأفراد أسرتها لم يعانوا كثيرا خلال الموجة، حيث أنها اشترت لأطفالها مسبحا بلاستيكيا ليلهوا فيه ويبردوا عن أنفسهم، كما أن المراوح لم تكن تتوقف عن العمل، فضلا عن أنهم كانوا يمضون الليل خارج المنزل.
وأكدت القردحجي رفضها للنكات حول موجة الحر، حيث أنها قرات في مواقع التواصل الاجتماعي نهيا عنها كما تقول، غير مستبعدة أن تكون الموجة عقابا أو غضبا من الله.
ويصف أحمد الأطرش معاناته وأسرته خلال الموجة قائلا أنهم كانوا يغسلون البلاط بالماء عدة مرات في اليوم لكسر حدة الحرارة، كما أن المراوح لم تكن تتوقف في حين أن الثلاجات لم تستطع مجاراة الأجواء.
ويبين الأطرش أنه كان يولي اهتماما شديدا لأطفاله خلال الموجة، حيث يكرر حمامهم عدة مرات في النهار، ويحرص على أن يتناولوا المشروبات البادرة والماء .
وعن النكات، قال النجار أنه من الذين تناقلوها، معتبرا أنه لا بأس فيها ما دامت تروى بعقلانية وبعيدا عن الإساءة للدين، مشيرا إلى أنه اطلع على بعض منها وكانت خارجة عن المالوف على حد وصفه.
ويروي محمد قبلان، وهو مربي ماشية، تجربة فريدة مع موجة الحر، قائلا أنه فوجئ باتصال من العمال يبلغونه فيه بأن الماشية تمتنع عن الشرب برغم اشتداد الحرارة.
وأضاف أنه عندما ذهب إلى الحظيرة اكتشف أن الماء الذي ينزل من الصنبور والخزانات كان ساخنا جدا، ولذلك لم تشربه الماشية، فما كان منه إلا أن اشترى قوالب ثلج ووضعها في الخزانات، وعندما وجدت ماشيته أن الماء قد اصبح باردا أقبلت على الشرب.
وسيلة للتاقلم
الاخصائية النفسية الدكتورة منى أبو هنطش قدمت تفسيرا لمسالة النكات وتبادلها خلال الموجة قائلة أنها تعبر عن بحث الناس عن حالة من التناغم مع الأجواء المحيطة والتكيف والتعايش معها.
وقالت أبو هنطش أن تطرف البرد والحر يجعل لزاما على الناس أن يبحثوا عن التأقلم والتكيف بشتى الطرق، ونحن نعلم أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار معاكس له في الاتجاه، فكأن لسان حالهم الأردنيين والزرقاويين مع الموجة يقول: انتظروا سأفعل شيئا لا يتوقعه أحد، سأعلن أنا كذلك تطرفي على هذه الظروف.
وأضافت أنهم كذلك يعلنون للآخرين ممن اعتادوا على تجهم الأردنيين نهم سيتغلبون على هذه الظروف الصعبة بتطرف إيجابي.
واعتبرت أبو هنطش أن ما حدث من انفجار للنكات طوال فترة الحر كان شيئا جميلا، مؤكدة أن كافة فئات الناس شاركت في نشر النكات وتبادلها على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحاتهم الخاصة، ومنهم من هم معروفون بالأصل بتجهمهم وجديتهم العالية في حيانهم اليومية.
ورأت أن النكات أثناء الموجة اتسمت ببعد التلاحم الاجتماعي الذي كان يحض على مساعدة الآخرين على تخطي الموجة، وكأنها كانت تقول لمن يصلها "لست وحدك من تشعر بالحر فنحن معك".
مُباحة بضوابط
وحول موقف الشرع من النكات، وخصوصا التي جرى تداولها أثناء موحة الحر، قال مفتي محافظة الزرقاء الدكتور محمد بني طه، أن المزاح بشكل عام مسموح، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يمزح، لكنه لم يكن يقول إلا حقا.
وأوضح بني طه أن النكات والفكاهة والطرائف محكومة بثلاث ضوابط، حيث يشترط فيها أولا ألّا يكون فيها كذب وإيهام بأن هناك شيئا حدث وهو لم يحدث، يعني أن يكون الأمر خياليا ولكن المتحدث يتحدث به وكأنه حقيقة واقعة، وهذا يعد من الكذب، أما إذا كان الأمر خياليا ومعروف أنه خيالي لدى المستمع فلا يعد من الكذب.
وتابع أن الأمر الآخر ألا يكون فيها إساءة إلى الدين، فهذا يوقع قائل النكتة في المحذور من الكفر، وهناك نكات تتعلق بالملائكة واليوم الآخر وهذه حرام لا يجوز المزاح فيها، وألا يكون في النكتة إساءة لأشخاص بعينهم، وهذا أيضا لا يجوز وهذا يعد من الغيبة والتشهير المحرمان.
ومضى قائلا أن الأمر الثالث أن تكون النكتة خالية من الألفاظ النابية.
واعتبر المفتي أن ما يتدواله الناس من طرائف ونكات خلال فترة الحر هي محاولة للخروج من حالة الجو المضنية إلى شيء من الفكاهة، وهذه هي طبيعة الإنسان.