نقل السفارة وشفير الهاوية
ما لم يعلن الرئيس الأمريكي رونالد ترامب، عن اعتراف إدارته بمدينة القدس عاصمة لدولة إسرائيل، حتى كان "نقل السفارة" العنوان الأبرز والأوسع انتشارا، ليس بين عناوين نشرات الأخبار فقط، وإنما امتد ليكون مادة للعديد من مقالات الرأي في الصحف اليومية، في قراءة لمآلات هذه الخطوة "التاريخية".
الكاتب محمد أبو رمان، يلفت إلى ما واجهه إعلان ترامب من عاصفة احتجاج ديبلوماسي عربياً، إسلامياً وعالمياً، إلا أن "الرئيس" استسلم في النهاية لـ"رعونته" وغلّب مصالحه الشخصية وحرصه على كسب اللوبي الصهيوني في أميركا، ولم يكترث أنّه بهذا القرار سيُدخِل المنطقة العربية، ومعها الأمن العالمي في مرحلة جديدة، ستتبدى نتائجها في وقت لاحق.
ويؤكد أبو رمان أن هذا القرار سيدفع بالمنطقة إلى أقصى درجات المزاج الراديكالي العدمي، وسيتزاوج مع ما يحدث في المنطقة من انفجارات واهتزازات ليضع النظام العربي في أضيق زاوية.
وتشير الكاتبة جمانة غنيمات، إلى أن ترامب "في وادٍ والعالم في واد آخر؛ الأول مصرّ على تغيير الوضع القائم لمدينة القدس والإقدام على خطوة مجنونة ستقلب استقرار المنطقة وتهدد ما تبقى من بعض سلام فيها، فيما كل من يمتلك الحكمة يحذر من هذا الجنون، ويعتبره خطوة تنسف المواثيق والتفاهمات الدولية، ويوسّع الفجوة بين الفلسطينيين وإسرائيل".
فـ"الرئيس يصر على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، منكرا أنها أرض محتلة لا يجوز تغيير الوضع القائم فيها حتى بموجب "قرارات" أميركية رعناء لا تستند إلى أي عقل، مزدريا فيها الشرعية الدولية، ليستبدلها بشريعة الغاب".
والكارثة في الخطوة الرعناء، بحسب غنيمات، أنها لا تضرب التشريعات والقوانين والمواثيق وتزدريها فقط، بل هي تفتح الباب واسعا لجعل المجتمعات أكثر راديكالية، وتنسف جميع ما تحاول دول المنطقة تعميمه من نشر التسامح والتخفيف من الفكر المتطرف.
فـ"الخطوة الخرقاء هي الوصفة المناسبة لتحفيز البيئة الحاضنة للإرهاب والتطرف، وتوفر، أيضا، سببا إضافيا لكراهية الغرب، وإن كان ترامب يظن أنه يحمي مصالحه بهذه الخطوة فإنه مخطئ تماما، بل ويضر بمصالح وأمن واستقرار العالم كله".
وأول الأسئلة التي تحيط بخطوة ترامب "الكارثية والمتهورة"، بحسب الكاتب فهد الخيطان، وأشغلت بال المراقبين تمحور حول موجبات القرار في ظل عدم وجود أية ضغوط إسرائيلية يعتد بها على ترامب للإقدام على هذه الخطوة.
"ويذهب بعضهم لتفسير الخطوة بالقول إن ترامب رجل مهووس بوعوده الانتخابية، ويخضع لتأثير عاطفي من جماعات صهيونية ومسيحية متشددة ترى في هذا القرار ترجمة لهلوسات دينية تؤمن بها كما يؤمن بها ترامب".
ويضيف الخيطان "في أوساط الدبلوماسية العربية تشاؤم غير مسبوق بدور واشنطن في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. حلفاء أميركا مستاؤون أكثر من غيرهم، فما الذي سيقدمه ترامب كي لايخسر أصدقاء أميركا في الشرق الأوسط".
ويذهب الكاتب موسى شتيوي، إلى أن ترامب بإعلانه هذا، قد ارتكب خطأً استراتيجياً ستكون له تبعات خطيرة على مستقبل العملية السلمية وعلى الأطراف كافة.
ويستعرض شتيوي الأسباب لاعتبار هذه الخطوة خطأ استراتيجيا، أولها أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يعد مخالفة للقوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية، وثانيها، أن هذا القرار يضع الولايات المتحدة في مواجهة مع العالمين العربي والإسلامي، ويؤدي إلى عواقب وخيمة مثل اندلاع العنف وانتشار الفوضى عقب القرار، كما أنه سيشكل إعلانا لنهاية العملية السلمية.
كما يرى الكاتب عريب الرنتاوي، أن ترامب خرج بقراره على مألوف السياسة الأمريكية منذ العام 1967، وانتهك تقاليدها المتوارثة بين رؤوساء جمهويين وديمقراطيين على حد سواء، ويكون قد سجّل أفدح تجاوز على قرارات الشرعية الدولية.
ويكون ترامب وبقراره المذكور، قد قرر الانتقال بالموقف الأمريكي، من الانحياز الكامل لإسرائيل إلى التبني الكامل لوجهة نظر يمينها الديني والقومي الأشد تطرفا، يضيف الرنتاوي.
و"بقراره المذكور، يكون ترامب قد أطلق رصاصة الرحمة على مبادرته الجديدة للسلام، والتي تحمل زوراً اسم “صفقة القرن”، فلا هي صفقة، ولا هي تنطوي على هذا القدر من “القيمة” و”التميز”.
ويلفت الكاتب أحمد الحسبان، إلى ان الرئيس الأمريكي قد مهد لمشروعه الذي اطلقه خلال حملته الانتخابية، والمتمثل بإعلان قراره نقل السفارة الأميركية الى القدس، وهو القرار الذي يساوي او ـ لا يقل ـ خطورة وضررا عن وعد بلفور الذي أسس لاغتصاب جزء من أراضي فلسطين.
ويوضح الحسبان أن "المشروع» الترامبي» لا يقتصر على مسالة نقل السفارة، وانما يتعداه الى ما اطلق عليه زورا» صفقة القرن»... والتي يمكن ان تكون صفقة لصالح الجانب الإسرائيلي وليس للعربي".
أما الكاتب ماهر أبو طير، فيشير إلى أن للولايات المتحدة الاميركية بعثة دبلوماسية في مدينة القدس، والكل يعرف، ان هناك قنصلية اميركية في المدينة المحتلة، بما يعني اعترافا جزئيا، بالقدس عاصمة لاسرائيل.
ويتساءل أبو طير "مالذي تعنيه كل الاجراءات الاسرائيلية في المدينة المحتلة، من حيث مصادرة الارض وبناء المستوطنات، وتهجير السكان، وغير ذلك من تفاصيل، تطمس الهوية العربية للمدينة، غير ان اسرائيل لديها الضوء الاخضر في الاساس، لتحويل المدينة الى عاصمة".
فـ"الأمر ليس جديدا، كليا، لكننا لانعترف بمسؤوليتنا، ونريد التظاهر ان هذه خيانة اميركية للعلاقات مع العرب، ومفآجأة غير متوقعة من الادارة الاميركية، برغم كل المؤشرات التي اقلها الدعم المالي الاميركي، الذي تستعمله تل ابيب في بناء المستوطنات في القدس، اضافة الى الدعم المالي المتدفق من اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة، لصالح المشاريع الاسرائيلية، في القدس".
ويوضح الكاتب بأن "الاعتراف الاميركي، بالقدس عاصمة لاسرائيل، مجرد امتداد لوجود السفارة في «تل ابيب» وللمفارقة فقد تورطنا بذات الخدعة المطلوبة، اي قبول وجود سفارة اسرائيلية، في «تل ابيب» وعدم قبولها في القدس، وكأن الاحتلال هناك مقبول، والاحتلال في القدس مرفوض!.
ويخلص أبو طير إلى القول إن الادارة الاميركية تريد فرض تسوية جديدة، يتوسل اليها العرب، مقابل عدم تنفيذ قرار السفارة الاميركية في القدس، بمعنى ان الاعلان عن هكذا توجه، يراد منه ممارسة اكبر ضغط على الفلسطينيين والعرب، من اجل قبول تسوية بشكل اقل حدة.