قراءات في حادثة السفارة
قضى الأردنيون الأيام الثلاثة الأخيرة وهم يترقبون ويتابعون التطورات الدراماتيكية المحلية، التي لا تبتعد عن التأثر بالمحيط الإقليمي، وذلك عبر حادثة السفارة الإسرائيلية التي لا زالت تبعاتها مثارا للتساؤلات وإعادة القراءات، إضافة إلى نشر القوات المسلحة لمقطع فيديو يثبت التهمة الموجهة للعسكري معارك أبو تايه على خلفية "قضية الجفر".
الكاتب جهاد المنسي، يذهب إلى أن ما حصل في حادثة السفارة، وبعيدا عن التحليلات المعمقة، بات واضحا وليس بحاجة لتفسيرات مختلفة؛ "ملخصه أن حارس أمن صهيوني كان في رابية عمان استل سلاحه الناري، وصوب باتجاه اثنين من الاردنيين فقتلهما، فيما لم يكن مع أي من الاردنيين الاثنين أية وسيلة دفاع توازي قوة او نصف قوة او ربع ما كان يحمله الصهيوني من أسلحة، وهذا يعني في المفهوم العدلي توافر نية القتل العمد لدى الجاني".
ويضيف المنسي بأن "قيام جنود الكيان الصهيوني باطلاق النار على قاضٍ اردني أعزل وقتله في معبر حدودي، ومن ثم اطلاق النار على صبي وطبيب في قلب عمان وقتلهما يؤكد من جديد ان طريقة التعامل مع هذا الكيان يجب ان تكون مختلفة، وان ردود الفعل الرسمية على الحدث يجب ان ترتقي لمستوى الدم الذي أُزهق، وان القضاء الاردني وحده يتوجب ان يكون صاحب الحق في النظر بالقضية".
و"أمر مؤسف أن يعود مرتكب جريمة الرابية الى فلسطين المحتلة دون ان يتم توقيفه على ذمة التحقيق، والمؤسف ان يواصل الكيان الصهيوني جرائمه وازهاقه لارواح الاردنيين دون ان يكون لدينا ردة فعل تضاهي ردة الفعل الشعبية الغاضبة".
"صفقة" لنزول نتنياهو عن الشجرة
ويلفت الكاتب حلمي الأسمر، إلى ما أصاب الشارع الأردني من حالة صدمة،إن لم يكن ما هو أكثر نتيجة النهاية التي آلت إليها حادثة سفارة "دولة الإرهاب والإجرام" في عمان، فقد توقع نهاية أخرى مغايرة، تشعره بأنه لم يظلم، وهو طبعا غير ملم بكل تفاصيل الحكاية وتداعياتها، بسبب التقصير الرسمي في نشر الرواية الصحيحة لما حدث".
ويرى الأسمر أن سلطة الاحتلال كانت في مأزق جراء نصب البوابات الالكترونية على بوابات المسجد الأقصى، وكانت تبحث عن مخرج لإزالتها، وكانت ستزيلها عاجلا أم آجلا، ولهذا فإن صح أن إزالة البوابات كانت جزءا من صفقة عودة القاتل، فتلك لم تكن صفقة عادلة، بل بالعكس وفرت لنتيناهو سلم النزول عن الشجرة التي صعد إليها، وتلك ليست مصلحة اردنية بالقطع!
كما يشير الكاتب حازم عياد إلى تصريحات وزير الخارجية أيمن الصفدي التي أكد خلالها أنه لم تعقد صفقات مع الكيان الإسرائيلي مرتبطة برفع البوابات الالكترونية في الأقصى مقابل السماح لموظف الأمن الصهيوني التابع لجهاز الشين بيت والمسؤول عن مقتل المواطنين الأردنيين بمغادرة الأراضي الأردنية.
ويضيف بأن ذلك يؤكد الرواية التي قدمها رئيس وزراء الكيان نتنياهو الذي احتفى بالحارس الأمني الصهيوني القاتل لدى وصوله دولة الكيان؛ حقيقة تؤكد أن رفع البوابات الالكترونية جاء نتاج صمود المقدسيين ورغبة قادة الكيان بالنزول عن الشجرة قبل فوات الأوان.
و"في مقابل ذلك يطرح سؤال غاية في الأهمية هل استثمر الأردن في الأزمة سياسيا من ناحيته أم اكتفى بالالتزام بالقانون الدولي وإجراءاته التي أوضحها الصفدي التي ستؤدي الى ملاحقة القاتل خارج الأراضي الأردنية؛ وكيف ستقابل الاستثمار الصهيوني للأزمة ولدماء الأردنيين في تحقيق مكاسب للكيان داخلية وإقليمية".
وبحسب الكاتب، كشفت الأزمة الأخيرة عن جانب مشرق أبرز ما فيه تأكيدات وزير الخارجية الصفدي ومن قبلها تصريحات نتنياهو بأنه لا يوجد صفقة لتؤكد هزيمة وانكسار الكيان أمام إرادة المقدسيين؛ لتؤكد وتعطي زخما لنضالهم وأهمية استمراره من خلال المواجهة القائمة في المسجد الأقصى وضرورة تواصلها.
فيما يقول الكاتب أحمد عزم "ربما ما تزال ترتيبات مغادرة طاقم السفارة الإسرائيلية في عمّان ولا سيما الأمنيين منهم، التي أعلنت بعد مقتل أردنيين في السفارة في عمّان، غير واضحة تماماً، وكذلك الترتيبات الإسرائيلية في القدس، ولكن الواضح أنّ النهّج الذي يحكم الموقف العربي في الشأن المقدسي، كما في الشأن الفلسطيني، عموماً، هو إطفاء الأزمات ومنع زعزعة الاستقرار.
و"في ضوء ما أعلن حتى الآن فالرابط غير واضح وغير معلن رسمياً بين إعلان الإسرائيليين نزع البوابات وكاميرات ركبوها مؤخرا، وبين خروج طاقم السفارة في عمّان، ولكن الموضوعين شكلا أزمة واحدة، أو أزمتين في أزمة".
ويشير عزم إلى أن هناك الآن أزمة قتل إسرائيلية جديدة تضاف لأزمة قتل الإسرائيليين للقاضي رائد زعيتر دون وجود تفسير واضح لما حدث، أو أي اجراءات معلنة كتبعات للقتل الإسرائيلي.
أما الكاتب الكاتب محمد أبو رمان، فيرى أن تداعيات قضيتي الرايبة والجفر، على صعيد ردود الفعل الواقعية والافتراضية، كشفت عن أمرين رئيسين؛ الأول وجود "فراغ سياسي" كبير في العلاقة بين الحكومة والشارع، والثاني مزاج اجتماعي متدحرج من سيئ إلى أسوأ، على صعيد الثقة بالحكومة ومصداقية الخطاب الرسمي.
ويلفت أبو رمان إلى وجود عاملين يتلاعبان بمزاج الأردنيين: الأول هو الشعور بنعمة الراحة لاجتيازنا المنعطفات التاريخية المرعبة التي سقطت فيها دول وشعوب شقيقة، وفي المقابل يتمثل العامل الثاني، في الشعور بالاستياء من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، مع وصول البطالة إلى معدلات غير مسبوقة، والتحولات الاجتماعية والثقافية.
وينتهي الكاتب إلى أن المطلوب هو الانتقال إلى وصفة أخرى، والقراءة في كتاب مختلف تماماً، يضمن الحلّ الناجع، ومفتاح ذلك كله اليوم يتمثل بحكومة إصلاح وطني، تملك مشروعاً ورؤية وخطاباً، تشرح للناس ما يحدث، وتعطيهم تصوّراً لما ينتظرنا، وتضعهم على المسار المطلوب لمواجهة التحديات الكبيرة.