في مناقشة النواب للموازنة
بعد أسبوع من المناقشات المطولة تحت قبة البرلمان، والخطابات النيابية "النارية" الموجهة ضد السياسات الحكومية الاقتصادية، أقر مجلس النواب مشروع قانون الموازنة العامة بعد الاستماع للرد الحكومي وتوضيحاتها، ما كان له قراءات بين أعمدة مقالات الرأي في الصحف اليومية.
الكاتب والنائب جميل النمري، يرى أن مناقشة الموازنة هي في الحقيقة مناقشة لكل سياسات الدولة الداخلية، فكل ما تقوم به الحكومة وتقرره، في أي شأن، ينعكس رقما في الإنفاق أو الإيرادات.
ويضيف النمري أن "النقاش الماراثوني" للموازنة الجاهزة، لا معنى له من الزاوية العملية، مشيرا إلى ضرورة تغيير آلية نقاش الموازنة، وضرورة أن يبدأ النقاش ليس بعد تقديمها من الحكومة في نهاية العام، بل منذ بداية العام؛ ملفا ملفا وقطاعا قطاعا، بالتزامن مع بحث هذه الملفات في اللجان المعنية الأخرى.
"لكن حين نذهب مباشرة إلى الخطابات لطرح المطالب والتمنيات، فهذا بلا جدوى ويفتقر للمصداقية، والمطالب غالبا ما تكون على طرفي نقيض من حيث انعكاساتها على الأرقام؛ إذ يمكن أن نطلب تقليص عجز الموازنة، وهو ما يعني تقليص الإنفاق؛ بينما في الوقت نفسه نطلب زيادة الرواتب والأجور وتوسيع الخدمات والبنية التحتية في مختلف المناطق والقطاعات"، يقول النمري.
ورغم امتعاض الكاتب مما وصفه بـ"الإنشاء العاطفي" الزائد والاستعراض الشعبوي الذي يصل حدّ الإساءة الشخصية البليغة، فإنه يمتعض أكثر من التعليقات التي تقلل من شأن مجلس النواب وتسخر من ممثلي الشعب وتهاجمهم بالجملة.
أما الكاتب الاقتصادي فهد الفانك، فيؤكد أن الخطابات النيابية خلال مناقشة الموازنة كانت في معظمها موجهة للرأي العام وليس للحكومة، فالنائب يشعر أن من واجبه أن يقول شيئاً، ويفضل أن يأخذ موقف الناقد ، وأن يعترض على بعض سياسات الحكومة والنتائج التي أسفرت عنها، وخاصة البطالة والفقر والأسعار والضرائب والعجز والمديونية.
فيما كان الرد الحكومي في معظمه شرحاً مفصلاً لسياسات الحكومة وخططها وإنجازاتها، وليس تفنيداً أو توضيحاً لما طرحه النواب، بل تأكيد على أن الحكومة قامت بواجباتها بنجاح وليس بالإمكان أبدع مما كان، بحسب الفانك.
ويلفت الكاتب إلى أن خطابات النواب في مناقشـة الموازنة ليس لها علاقة بأرقام الموازنة، ولا تختلف عما قيل في مناقشة موازنات السنوات السابقة، موضحا أن الحكومة تعرف سلفاً ما يمكن أن يقال في المجلس، ولذلك قامت بإعداد الرد على كلماتهم سلفاً باعتباره تجديداً لبيان الحكومة السياسي والاقتصادي.
ورغم ذلك، يرى الفانك أن هذا لا يعني أن ما قامت به اللجنة المالية من دراسات، والاستماع إلى وجهات نظر مختصين، ومناقشة المسؤولين، وما جرى في المجلس من خطابات وردود كان عبثاً، فالواقع أن وجود المجلس ووجهات نظره أحدثت التغيير سلفاً، ذلك أن الحكومة، في إعدادها لمشروع الموازنة ، أخذت بالاعتبار أن ما ُتعده سيعرض على المجلس ويجب أن يحصل على موافقته، وبذلك يكون مجلس النواب قد شارك في إعداد الموازنة وليس في إقرارها فقط.
من جانبه، لا يقف الكاتب جمال العلوي ضد مشروع الموازنة، ولا ضد أن ينال ثقة النواب بعد "طخ" دام طويلا، إلا أنه يعرب عن استغرابه من ربط بعض النواب منحهم للثقة للموازنة بكلمات من قبيل "لعيون الوطن"، "فتلك مصيبة لأنها مزاودة لا حدود لها ومحاولة للصيد في الماء العكر والادعاء أن صاحب هذا التوجه هو مخالف للحكومة وتوجهاتها لكنه إكراماً لعيون الوطن تنازل عن قناعته".
ويدعو العلوي النواب إلى الابتعاد عن هذه "العنتريات" وممارسة حقهم التشريعي، فلم يعد في الوقت مجالاً للمحاسبة والمساءلة ولن تتغير صورة البرلمان بكل هذه الموسيقى التي لا تطرب ولا المعلقات التي لا يسمعها أحد.
ويخلص الكاتب إلى القول "انتهى المطاف ولم يعد أمامكم سوى مهمة أخيرة وهي إقرار مشروع قانون الانتخاب وعندها فقط سيكون المجال مفتوحاً لكم لسماع رأي الجماهير الانتخابية التي لم تسهم في إيصالكم لقول الحقيقة بكل وضوح وعندها فقط ستعرفون ماذا بعد وماذا بعد صبر الناس الذين كانوا يأملون أن تكون لكم صولة في الدفاع عن حقوقهم وعن معيشتهم ولكنكم تقاعستم في الوقت المناسب".