في ذكرى النكسة وهزيمة الذات

في ذكرى النكسة وهزيمة الذات
الرابط المختصر

حرب الأيام الستة.. النكسة.. الخامس من حزيران.. هزيمة 67.. مسميات وتوصيفات لذات الحدث في تاريخ الدول العربية، والمتمثل بالهزيمة التي تجرعتها جيوشها أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية التي تصادف اليوم ذكراها الخمسين.

 

الكاتب جهاد المنسي، يرى أن العرب حبذوا كعادتهم تجميل المصطلحات، أطلقوا على هزيمة حزيران (نكسة)، بدل (هزيمة) على أمل الاستفاقة مما حصل، بيد أن تلك الاستفاقة لم تحصل حتى اليوم، وماتزال الأجيال تلو الأجيال تنتظر العرب حتى يفيقوا.

 

ويضيف المنسي "مرت 50 عاما وكأنها أمس، فحال العرب لم يتبدل، فماتزال هزائمهم تتوالى، هزيمة تتلو أخرى، ومانزال نبحث في قواميس اللغة عن مبادرات سلمية نقدمها للصهاينة الذين يرفضون المبادرة تلو الأخرى، ويواصلون سياساتهم الاستيطانية التوسعية، وقضم الأراضي ومصادرة البيوت وهدمها، وقتل الأطفال والشباب، وتعذيب الأسرى، وانتهاك حرمة المقدسات، والقتل والإبادة وعدم الانصياع لكل القرارات الدولية".

 

فـ"مخجل ما جرى في حزيران 1967، والمخجل أكثر حالة الصمت التي تمارس حتى يومنا هذا واستجداء سلام من كيان فاشي يظهر يوميا رفضه لكل المحاولات السلمية التي أطلقها العرب وكل محاولات مد اليد السلمية التي ظهرت منذ عشرات السنين وحتى اليوم.. وللأسف نكستنا مستمرة.. والخامس من حزيران يتوسع يوما بعد يوم".

 

وما يستحق التوقف الكبير من كل الجماهير العربية والإسلامية ومن الأجيال الشابة، بحسب الكاتب رحيل غرايبة، أن هذا الحدث لم يخضع للتقويم والدراسة الحقيقية  لا من قبل الأنظمة العربية المسؤولة عن الحدث ولا من أي جهة رسمية أو شعبية, وبقيت الزعامات العربية المسؤولة عن الهزيمة محتفظة بمواقعها  السلطوية، ومستمرة في منهجيتها وخطها السياسي السابق.

 

يقول غرايبة "خمسون عاماً مضت على ذكرى هزيمة حزيران وما زلنا بحاجة إلى إعادة دراسة الحدث بطريقة مختلفة تتسم بالجرأة الزائدة في ملامسة الجرح ووصف الواقع  وإبراز الحقائق أمام الجماهير وأمام الناس وأمام أفواج الشباب والأجيال الجديدة  من أجل الخروج من تحت أكوام الرماد المتراكمة عبر الزمن، والنجاة من عوامل الهزيمة وأسباب النكوص الحضاري المريع".

 

ويؤكد الكاتب على أن "محطة حزيران لم تشكّل عامل يقظة ولم تشكّل محطّة فاصلة بين مرحلة ومرحلة, حيث أن  الأمور تسير إلى الخلف, وأصبحت الأقطار العربية  تعيش حالة  من الفتنة الداخلية والحروب الأهلية  ومعارك التدمير الذاتي".

 

أما الكاتب جميل النمري، فيرى أن ما كان ينشر غداة الهزيمة من أن كل الخلفيات الاستخبارية والمؤامراتية أو الاختراقات، وهي كانت موجودة بالفعل، لم تكن الشيء الحاسم في صنعها، بل كانت نفسها جزءا من عناصر التفوق الكثيرة عند العدو.

 

ويذهب النمري إلى أن الهزائم والانكسارات في تاريخ الشعوب، قد تؤدي إلى مراجعة وتغيير وأخذ الأمة في مسار جديد كما حصل للدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية، "لكن كلما تأملت في هزيمة حزيران أرى أنها الكارثة الكبرى التي كان لها عواقب مدمرة على مدى العقود التالية".

 

وينتهي الكاتب إلى قناعته "بأن حزيران 67 كان محطة مفصلية في كل المسار اللاحق، وأن تلك الهزيمة هي سر نصف قرن لاحق من التعثر والارتداد والفشل".

 

فيما يستعرض الكاتب عزت جرادات، جملة مما تناولته معظم مراكز الدراسات وكبريات الصحف الغربية بالذكرى الخمسين للنكسة، حيث وثقت إحدى الصحف الأمريكية أحداث تلك الحرب يوما بيوم، واصفة إياها (بالحرب المعجزة).

ففي خلال الأيام الثلاثة الأولى: دمّرت إسرائيل ما يقارب (90%) من القوة المصرية الجوية، ووجدت نفسها تحتل قطاع غزة وسيناء حتى قناة السويس، والضفة الغربية والقدس الشرقية، ويقف الإسرائيليون أمام (الحائط الغربي للحرم القدسي) يؤدون الطقوس الدينية، وتنتهي الحرب بسقوط (الجولان السورية) وقبول وقف إطلاق النار.

 

"ويذهب تحليل سياسي-عسكري آخر إلى أن الحروب عادة ما تنتهي إلى حلول، وقد تكون سياسية بالدرجة الأولى، إلا أن (حرب الأيام الستة) تختلف كلياً: فقد أوجدت قضية (جيوسياسية) جديدة تعرف (بقضية الشرق الأوسط)".

 

ويضيف جرادات بأن الذكرى الخمسين (للخامس من حزيران) تضع النظام العربي أمام مجموعة من المعطيات والمستجدات والتحديات: فمبدأ (الأرض مقابل السلام) الذي طرحه العرب لا تعترف به إسرائيل، أما المبادرة العربية، التي تعبر عن الحل الشامل للسلام في المنطقة، وعلى الرغم من وضوحها وبخاصة الانسحاب الإسرائيلي الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران (1967) وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة أولاً، فقد أصبح (التطبيع) أولا.

 

وأما المكتسبات الفلسطينية على المستوى الدولي مثل اعتراف منظمة الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.. فهي مكتسبات معنوية للشعب العربي الفلسطيني.

 

ويخلص الكاتب إلى "أن أقلّ ما يمكن تحقيقه على المستويين العربي والدولي، في هذه الذكرى الخمسين (لحرب الأيام الستة) أو الذكرى الخمسين للاحتلال الصهيوني، أن تفرض (القضية الفلسطينية) على الأجندات العربية والدولية أولوية قصوى باللغة التي يفهمها العالم: سياسيا واقتصادياً، في بيئة دولية تحكمها المصالح المتبادلة".