لم يكن زكريا نوفل، الطالب في جامعة الزرقاء الخاصة، يعتقد أنه سيصدر بحقه قراراً بالفصل من الدراسة لمدة عام لمشاركته في حملة طلابية كانت تطالب بـتحسين الخدمات داخل أسوار الجامعة فقط.
نوفل كان واحداً من ثلاثة طلاب تم فصلهم بقرار من مجلس تأديب الجامعة، الذي اتخذ القرار دون التحقق منهم، في خطوة أعادت إلى الذاكرة الإجراءات التعسفية في الجامعات الأردنية قبيل انطلاق الحراك الشعبي والشبابي بداية عام 2011 والذي ساهم في رفع الحريات في البلاد والجامعات.
العام الماضي، شهد عودة واضحة للتشديد على أي نشاط سياسي داخل الجامعة.
قال زكريا، الذي كان يدرس اللغة العربية، “لم أشارك في اعتصام الطلاب، كل ما فعلته أنني نقلت المطالب إلى عمادة شؤون الطلبة، التي لم تحقق معي بشكل عادل، ولم تأخذ بروايتي، كان كافياً بالنسبة لهم أنني فقط نقلت ورقة المطالب لفصلي لأربعة فصول دراسية خفضت لاحقاً إلى فصلين.”
بدوره قال حمزة الفراعنة، زميل زكريا والذي كان من بين الطلاب الموقوفين عن الدراسة، “أُبلغت بأن مجلس التأديب يرغب بالتحقيق معي بخصوص الوقفة، ذهبت إلى اللجنة وطلبت من عميد شؤون الطلبة تأجيلها لثاني يوم لأنني كنت مشغولاً بتقديم الامتحانات ووافق، وبالفعل عدت ثاني يوم إلى العمادة لأجد أن اللجنة اتخذت قراراً بفصلي.”
فصل طلبة جامعة الزرقاء الخاصة (20 كم شمال شرق العاصمة عمّان) لم تكن الحادثة الوحيدة خلال العام الماضي، الذي سجل اتخاذ إجراءات تبدأ من التنبيه إلى الفصل لعدة فصول جامعية بسبب النشاط السياسي داخل الجامعات.
في حادثة أخرى، أوقفت جامعة اليرموك ( 69 كم شمال العاصمة عمّان) الطالبة هبة أبو طه لمدة فصليين دراسيين لتوزيعها منشوراً كان يدعوا لخفض الرسوم الجامعية.
قال الطالب في الجامعة الأردنية فراس القصص، عضو كتلة التجديد العربية التي تعمل داخل الجامعات الأردنية، “في الفترة الأخيرة زاد الخناق على العمل الطلابي داخل الجامعات، ووصل أحياناً إلى القمع ومعاقبة من يرتفع صوته كما كان يحصل سابقاً.”
وبحسب القصص فإنه “من غير مسموح لنا ممارسة أي عمل سياسي، توزيع ملصق لوقف رفع الرسوم بأي جامعة قد يكون كافياً لفصلك.”
تشترط بعض الجامعات الأردنية الحصول على موافقتها المسبقة لإقامة أي نشاط داخل الجامعة، إلا أن النشاطات السياسية التي قد تكون مطلبية أو تتعلق بقضايا إقليمية كالقضية الفلسطينية عادةً ما ترفض. لذا يضطر الطلاب غالباً لإقامة الفعاليات دون الحصول على موافقة مسبقة، وهو ما قد يعرضهم لخطر الفصل.
تقول إدارة الجامعات إن بإمكان الطلاب ممارسة عملهم السياسي عبر اتحادات مجالس الطلاب المنتخبة، إلا أن تقليص صلاحيات هذه المجالس يجعل تأثيرها محدوداً، بحسب رئيس اتحاد الجامعة الأردنية السابق عمر منصور.
قال منصور “حاولنا في مجلس طلبة الجامعة الأردنية العام الماضي إطلاق حملة لحماية حقوق الطلاب داخل الجامعات الأردنية تحمل اسم (منظمة حقوق الطلبة)، وبعد أن إطلاق المنظمة إعلامياً وبدأنا برسم سياستها ومحاولة تفعليها داخل الجامعة وخارجها، صدمتنا الجامعة بمعارضتها الشديدة للفكرة والتي تسببت في النهاية بتوقفها.”
ويؤكد منصور “لم نحصل على الدعم الكافي والحرية من الجامعة لممارسة عملنا بشكل حقيقي”.
من جهة أخرى، يشكو بعض الطلاب من التمييز السياسي.
قال عضو مجلس الطلبة في الجامعة الأردنية السابق بديع الخطيب، والذي يحمل افكاراً ذات خلفية إسلامية،”مع بداية الحراك الشعبي كانت الجامعة ترحب دائماً بالإسلاميين وتستمع لهم، لكن بعد توقف الحراك لم يعد أحداً يستمع لنا.”
مضيفاً “في الوقت الذي كانت الجامعة تضييق فيه على نشاطاتنا السياسية كانت تسمح بها للذين يحملون أفكاراً سياسية مقربة من الحكومة، أي أن العمل السياسي مسموح لكن لمن أفكارهم تتوافق مع أفكار الدولة.”
يعتقد فاخر دعاس منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة “ذبحتونا” أن أسباب التضييق على العمل الطلابي داخل الجامعات تعود إلى الحالة السياسية والأمنية في البلاد التي تقلصت فيها الحريات مع المشاركة بالحرب ضد تنظيم داعش وانحسار الحراك مما انعكس على حالة الحريات وهو ما ساهم في العودة إلى التشدد في اتخاذ الاجراءات التأديبية بحق الطلبة الذين لهم دور سياسي.
قال “النصوص الفضفاضة في قوانين مجالس التأديب الجامعية سمحت باتخاذ إجراءات تعسفية بحق الطلبة، وزيادة التضييق على عملهم السياسي. لا يوجد مرجعية لمجالس التأديب الجامعية التي تشكل وفق اهواء بدون أسس علمية، وفي بعض الجامعات يستطيع رئيس الجامعة أن يتخذ قرارات بحق الطلاب دون تشكيل أي مجالس تحقيق، كما رصدنا اتخاذ إجراءات غير منصوص عليها في قوانين مجالس التأديب بحق طلاب، وهو ما يزيد من التعسف بحقهم.”
بدوره، يقر عميد شؤون الطلبة جامعة آل البيت في محافظة المفرق موسى بني خالد ( 68 كم شمال العاصمة عمان) بأن قوانين مجالس التأديب في الجامعات باتت بحاجة إلى مراجعة لعدم قدرتها على مواكبة التغيير في سلوكيات الطلاب.
قال “تحتاج العقوبات في قوانين مجالس التأديب إلى إعادة نظر بشكل حقيقي، بحيث يجب حصر إقرار العقوبة بلجان التأديب وأن ينتزع هذا الأمر من بعض رؤساء الجامعات الذين يتخذون قرارات تأديبية دون عقد مجالس تحقيق.” مشيراً إلى الدور السلبي لمجالس التأديب في الجامعات “هذه المجالس أصبحت مصدراً رئيسياً لقمع حرية الطلاب بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، ألاحظ خوف الطلاب من التعبير عن أرائهم داخل الجامعات خوفاً من العقاب.”
يقترح بني خالد تشكيل لجنة مستقلة تعيد النظر في قرارات المجالس التأديبية حتى لا تكون سيفاً على رقاب الطلاب على حد تعبيره، بينما يقترح دعاس أن تكون هذه اللجنة جزءاً من وزارة التعليم العالي.
أما وزارة التعليم العالي فقالت إن قوانين مجالس التأديب وقرارتها “هي شأن داخلي للجامعات”، لا تملك الوزارة سلطة عليها ولا يحق لها التدخل في قرارتها، بحسب الأمين العام للوزارة الدكتور هاني الضمور. قال “مجالس التأديب وقوانينها تضعها الجامعات، وهي شأن داخلي لمحاسبة الطلبة، إلا أن الطلاب يملكون حقاً بمتابعة والطعن بهذه القرارات داخلياً”.
يستطيع الطلاب اللجوء إلى المحاكم الإدارية للطعن بقرارات مجالس التأديب في الجامعات، إلا أن اللجوء إلى المحكمة الإدارية لا يعتبر خياراً سهلاً. إذ تعتبر رسوم المحكمة باهظة مقارنة بباقي المحاكم، كما أنها تلزم بتوكيل محامي لا تقل خبرته عن 5 سنوات وهو ما يزيد من تكاليف رفع القضايا، بالإضافة إلى أن المحكمة توجداً حصراً في العاصمة عمّان.
الفصل القادم، يعود زكريا إلى مقاعد الدراسة. ورغم خسارته لعام كامل، مازال زكريا مؤمناً أنه لم يرتكب خطاً. قال “كنت فقط أرغب بأن يتحقق العدل وأن نحصل على خدمات لائقة بنا وبالرسوم التي ندفعها. عندما أعود إلى الدراسة سأبقى أطالب بحقوقي وحقوق زملائي.”
نشرت بالتزامن مع موقع الفنار للإعلام المختص بتغطية قطاع التعليم بالوطن العربي.