بين القوانين المشددة وانعدام الأمان الوظيفي.. حرية الصحافة في الأردن إلى أين؟

الرابط المختصر

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم في الثالث من أيار باليوم العالمي لحرية الصحافة، يواجه المشهد الإعلامي في الأردن تحديات متفاقمة، مما تعكس تراجعا ملحوظا في مؤشرات حرية الرأي والتعبير.

شهدت السنوات الأخيرة تضييقا على العمل الصحفي، سواء من خلال التشريعات المشددة التي طالت حرية التعبير، أو من خلال حبس صحفيين، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي تواجه العديد من المؤسسات الإعلامية وتهدد أمن واستقرار العاملين فيها.

ويظهر مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2025 تراجع الأردن 15 مرتبة، ليحل في المرتبة 147 عالميا من أصل 180 دولة، بعد أن كان في المركز 132 عام 2024، واصفة المنظمة بيئة الصحافة في الأردن بأنها "شديدة الخطورة"، في إشارة إلى الوضع الحرج لحرية الصحافة في البلاد.

هذا التراجع أثار نقاشا واسعا على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، عن واقع الحريات الإعلامية والتحديات التي تواجه المهنة، حيث كانت الاراء ما بين من يحمل البيئة السياسية والتشريعية المسؤولية، وبين من يرى في قانون الجرائم الإلكترونية أداة للحد من حرية التعبير، لا لحماية الصحفيين.

وفي سياق الانتهاكات، وثقت منظمات حقوقية ونقابية حالات اعتقال لعدد من الصحفيين خلال العامين الماضيين، من بينهم الكاتب أحمد حسن الزعبي، الذي أوقف أكثر من مرة بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، إلى جانب إحالة صحفيين وإعلاميين إلى القضاء على خلفية منشورات أو آراء اعتبرت "مخالفة للقانون"، في ظل انتقادات واسعة من منظمات دولية اعتبرت هذه الممارسات انتهاكا صريحا لحرية التعبير.

وإلى جانب الإشكالات القانونية، تعاني المؤسسات الإعلامية المحلية من أزمات اقتصادية تهدد استقرارها واستمرارها، وتنعكس بشكل مباشر على بيئة العمل الصحفي، إذ يشكل ضعف التمويل وتراجع الإيرادات عامل ضغط إضافي على الصحفيين، الذين أصبحوا يواجهون الملاحقة القضائية من جهة، وانعدام الأمان الوظيفي من جهة أخرى.

ومع هذا الواقع، تؤكد الحكومة، بحسب وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسمها، محمد المومني، في منشور له بمناسبة هذا اليوم، التزامها بدعم حرية الصحافة والإعلام، وتعمل على تكريس بيئة تضمن حق الصحفيين في أداء رسالتهم بكل شفافية ومهنية، ضمن إطار من احترام القانون وصون المصلحة الوطنية العليا، مشددا على دور الصحافة الحرة والمسؤولة تعد ركيزة أساسية في بناء مجتمعات واعية ومتماسكة.

 

الحرية في ظل تعدد التحديات

يقول المحامي المختص في قضايا الإعلام والنشر والجرائم الإلكترونية، خالد خليفات، في حديثه لراديو البلد، إن التراجع في حرية الصحافة لا يقتصر على الأردن أو المنطقة فقط، بل يعد جزءا من تراجع عالمي أوسع في مناخ الحريات الصحفية، معتبرا أن المشكلة لا تنحصر فقط في التشريعات أو البيئة السياسية، بل تتداخل معها عوامل اقتصادية واجتماعية.

ويشير خليفات إلى أن هناك بيئة اجتماعية رافضة لحرية الرأي والتعبير، وأن التشريعات قد تسهم أحيانا في تكريس هذه القيود، إلا أن التركيز الحصري على القوانين يغفل أبعادا أخرى بحاجة إلى معالجة جدية، خصوصا أن الدعوات لتعديل التشريعات مستمرة منذ سنوات. 

ويشدد على أن وجود قانون ينظم الحياة المهنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أمر ضروري ولا يمكن الاستغناء عنه، لكن المشكلة تكمن في بعض النصوص التي تشدد العقوبات دون مبررات واضحة، ما قد ينعكس سلبا على حرية التعبير، مضيفا أيضا أن طبيعة المهنة الصحفية نفسها وما يواجهه الصحفيون من تحديات ميدانية ومهنية تمثل عائقا إضافيا أمام حرية العمل الإعلامي، "فالمشهد العام، محليا وعربيا ودوليا، لا يبدو مشجعا لحرية التعبير، وليس ذلك بسبب التشريعات وحدها، بل نتيجة تداخل عوامل سياسية وأمنية واجتماعية".

ويرى بأنه على الحكومة أن تتعامل بجدية مع نتائج مؤشر "مراسلون بلا حدود"، مضيفا إذا كانت الأرقام دقيقة، فهي بمثابة جرس إنذار يدعو لمراجعة المنظومة كاملة التشريعية، السياسية، والقانونية لأن حرية الصحافة لا يمكن تقييمها من زاوية واحدة.

الذكاء الاصطناعي والإعلام.. فرصة أم تهديد؟

تحت شعار "حرية الصحافة في العصر الرقمي: التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي على الإعلام"، جاء احتفال هذا العام ليطرح تساؤلات حول مستقبل الصحافة في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة.

وفي هذا السياق، يرى عميد كلية الإعلام في جامعة اليرموك، الدكتور أمجد القاضي، في حديثه لـ "عمان نت" أن استخدام الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة في المشهد الإعلامي، لكنه لا يشكل تهديدا على حرية الصحافة ما دامت المهنية حاضرة، موضحا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يثري المحتوى الإعلامي ويزودنا بمعلومات بسرعة ودقة عاليتين، لكن الخطورة تكمن في التسرع أو الاعتماد على معلومات غير موثوقة دون التحقق من مصادرها.

ويشير القاضي إلى أن التحدي الأساسي يتمثل في كيفية استخدام هذه التقنيات بما يضمن صحة ودقة المعلومات، مضيفا إلى أن المهنية الإعلامية هي الأساس، وعلى الصحفيين استخدام الذكاء الاصطناعي بحذر، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا سياسية أو دينية تمس المنطقة، وخصوصا الأردن.

ويشير القاضي إلى أن المؤسسات الأكاديمية في الأردن، مثل جامعة اليرموك، كانت سباقة في وضع سياسات تنظيمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، تضمن تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على مصداقية المحتوى الصحفي.

ويشدد على أهمية وجود سياسات إعلامية واضحة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية، مشددا على أنه من الضروري أن تعمل الحكومات والنقابات، وخصوصا نقابة الصحفيين، على وضع هذه السياسات لتقليل الشكوك والمخاوف المحيطة بالتقنيات الجديدة، وضمان استخدامها بما يخدم مصلحة المجتمع.

الحماية من التضليل وبناء وعي إعلامي

أحد أبرز التحديات التي يشير إليها القاضي هو تراجع الثقة بين وسائل الإعلام والجمهور، نتيجة انتشار الأخبار المضللة وهجمات إلكترونية موجهة، محذرا من أن ضعف الرد الرسمي على هذه الأخبار يسهم في نشرها، داعيا إلى ضرورة الرد السريع والشفاف عند ظهور الشائعات والمعلومات الكاذبة.

كما  يؤكد على أهمية بناء وعي إعلامي حقيقي لدى الجمهور، وتمكين الصحفيين من أدوات التحقق الرقمي والتدريب المستمر على التعامل مع الذكاء الاصطناعي، بما يعزز الدور المهني للإعلام ويحميه من الانجراف خلف التضليل الرقمي.

هذا ولا يمكن الحديث عن حرية الصحافة دون الإشارة إلى الثمن الباهظ الذي يدفعه الصحفيون في مناطق النزاع، ففي سياق الاحتفالات باليوم العالمي لحرية الصحافة، استشهد نحو 200 صحفي في قطاع غزة، وهو رقم يوازي ما فقده الإعلام العالمي في الحرب العالمية الثانية، مما يشكل صدمة ويعيد التأكيد على أن حرية الصحافة ليست مجرد شعار بل نضال يومي.