عمّال الوطن: أردنيّون ولكن...

عمّال الوطن: أردنيّون ولكن...

 

 

"البعض يتقبلني ويقف للحديث معي وكأنني مواطن عادي"، هكذا يفاضل عامل الوطن الأردني سلطان بين مواقف من يتعرض لهم خلال نهار عمله في تنظيف الشوارع، حتى أصبح أكثر ما يرضيه أن يعامله الآخرون مثل أي مواطن عادي.

 

الألقاب والمسميات التي يعكف المارون من سلطان على نعته بها، تظهر تباينا كبيرا في وجهات نظرهم حوله، فمن عامل وطن، مرورا بعامل النظافة والخدام، انتهاء بالزبال، جميعها تبدي إما الاحترام والتقدير لهم، أو الإنقاص والتصغير من شأنهم، وبينهما الكثير.

 

المدير التنفيذي للمناطق والبيئة في أمانة عمان المهندس عماد الضمور يوضح أن الأمانة أطلقت مسمى "عامل وطن" بدلا من عامل النظافة منذ نحو ثلاث سنوات، تقديرا واحتراما لهذه المهنة والعاملين فيها، حيث ارتأت فصل المسمى عن أي شئ يتعلق بالتنظيف والنظافة وتم ربطه بالوطن، كتدليل على أن هذا العامل يقدم خدمة للوطن.

 

سلطان قادر على فهم ما وراء مواقف كل من يمر به ويتعرض له إما بحديث أو طلب أو سؤال، يقول إن بعض الناس يكنون له الاحترام والتقدير ويبادلهم من جهته مشاعرهم، إلا أنه يستشعر في مجتمع تحكمه ثقافة العيب، حسب رأيه، نظرة دونية من بعض آخر، ولا ينكر تعرضه للعديد من المواقف التي يصفها بالمهينة.

 

نظرة دونية

 

ويوضح سلطان، أن البعض يتعامل معه بفوقية، قد تتخطاها إلى "القرف" كما يريد أن يصفها، حيث لا يمكن لهذه الفئة أن تقف وتتحدث معه بصورة جيدة، وقد تفكر بتقديم شكوى ضده لجهة أخرى لعدم رضاها عن أدائه مثلا دون أن تفكر بالمرور به وإبداء ملاحظتها دون التفكير بأذيته، وهو ما حصل معه فعلا، رغم تأكيده قيامه بواجبه "بما يرضي الله".

 

وفي حال كان سلطان يقوم بعمله أم لا، فإن معايير التعامل حتى مع المقصرين العاملين في هذه المهنة بحسب مواطنين مجحفة بحقهم وبحق المجتمع، حيث كثيرا ما يتم التعامل مع مشكلاتهم إما بالتغطية عليها بداعي الشفقة، أو إعطائها حجما يفوقها بدواعي تصغير وتحقير المهنة وممتهنيها.

 

وفي السياق ذاته يلفت خبير علم النفس الدكتور محمد الحباشنة إلى أن المعنى الحضاري للعمل بات في تراجع مؤخراً، باعتبار أن المجتمع الحضاري هو المجتمع العامل، مشيرا إلى أن تصنيف المهن أصبح قمعيا، بوصفها محترمة أو غير محترمة وما إلى ذلك من صفات.

 

"الأثر النفسي للنظرة الدونية قد تنعكس على عامل الوطن، وقد تنتج شخصا حاقدا"، ويوضح الحباشنة أن هذه النظرة قد تولد شخصاً يمكن أن يكون لديه حقد طبقي ويمكن أن ينحرف للسرقة أو إيذاء الآخرين.

 

ولا يستجدي هذا الشاب البالغ من العمر 34 عاما العطف من المواطنين، مؤكدا حاجته إلى الاحترام وتقدير عمله الذي يضطر إلى النهوض من أجله عند الفجر، ويظل يجوب خلاله الشوارع في منطقته حتى تصبح نظيفة، ثم يعود بعد ظهر يوم طويل لأبنائه الثلاثة في مخيم البقعة.

 

حيث يستطيع الباحث في حياة سلطان أن يصل إلى نتيجة أنها جيدة ومرضية له بالدرجة الأولى، حيث أنه اختار هذه المهنة منذ 4 سنوات لأنها تضمن له التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، معتبرا أنهما رصيد له ولأولاده في المستقبل.

 

 

الاحترام في المشاركة

 

مدير المركز الإعلامي في الأمانة مازن الفراجين يرى أن التعامل مع قضايا عامل الوطن من خلال ما ينشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي تصب جميعها في خانة التعاطف الذي لا يؤدي إلى نتيجة إيجابية  تنعكس على أداء وعمل العامل وقيمته في المجتمع.

 

 

ويرى فراجين أن ما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي من عبارات أو صور تنشر تعاطفاً مع عمال الوطن ما هي إلا موجة من الشعارات تجذب الكثير من النشطاء، إلا أنه مقتنع بأن التعاون الحقيقي مع عامل الوطن يكمن في احترامه بعدم رمي النفايات في الشوارع أو حول الحاويات ما يرتب عبئا أكبر يلقى على كاهل العامل.

 

ويؤكد فراجين على ما يجد فيه العامل سلطان احتراما حقيقيا له ولمهنته، وهو مشاركته في جهده وتقدير تعبه ما ينعكس إيجاباً عليه، دون الحاجة إلى إظهار الشفقة أو العطف عليه.

 

اعتاد الكثير من الأردنيين على صورة عامل الوطن المرتبطة بصباحاتهم كل يوم، حيث يرون فيه رمزا للعمل الدؤوب ومصدرا لتفاؤلهم حين خروجهم من منازلهم ومصادفتهم له، وخاصة أن بعض العمال يتستمر بالعمل في نفس المنطقة لسنوات طويلة.

 

الكثير من الرضى يظهر جليا على وجه عامل الوطن المصري أبو علاء، بعد أن قرر العودة إلى بلده لينهي مسيرة 20 عاما في هذه المهنة قضاها في الأردن، والتي ينظر إليها بكل حب لسكان منطقة الجبيهة الذين اعتادوا على ابتسامته ودعواته لهم بتوسيع الرزق والتوفيق.

 

وصول أبو علاء لسن التقاعد هو ما أجبره على ترك "وطنه الثاني" بعد سنين طويله يرفض أن يعتبرها غربة، وهو الذي دخل كافة بيوت سكان المنطقة كفرد منها، يأكل ويشرب ويجلس ليتسامر معهم يوميا، كما يؤكد.

 

 

إلا أن هذه الصورة ليست لسان حال كل عمّال الوطن، أو على الأقل، ليست كذلك في جميع الأحوال، حيث أن المار قد لا يستطيع أن يرى وجه عامل الوطن أبو محمد لشدة انحاء ظهره، وهو يعمل مرتديا كمامة تقيه من الغبار الكثيف الذي أثر على المملكة، ولا يلبث أن يقوم برفع النفايات عن الشارع، حتى يقوم مارون بسياراتهم أو مشاة على رمي غيرها.

 

مهنة تحكمها الظروف

 

ورغم اضطرار عمال الوطن إلى العمل بكافة الظروف والأحوال، وتعرضهم لكافة فئات المجتمع، إلا أن الكثير منهم مثل أبي محمد يكتفون بالرضا ممن يحترمونه ويقدرون مهنته التي يحبها ويعتبرها من أرقى المهن.

 

ويتراوح راتب عامل الوطن ما بين 300 دينار قد تصل إلى الـ 400 دينار باحتساب العلاوات والزيادات وغيرها، بالإضافة إلى شمولهم في الضمان الاجتماعي والصحي، بحسب نائب مدير المدينة لشؤون المناطق والبيئة في أمانة عمان باسم الطراونة.

 

ويضيف الطراونة أن النسبة الأكبر من العمال أردنيون، حيث يوجد نحو 4 آلاف و500 عامل وطن في عمان منهم 3% من العمال الوافدين.

 

 

وحول ظروف عملهم، يؤكد الطراونة أن الأمانة تعمل على وضع آلية لضمان سلامة العمال بحسب الأجواء السائدة، حيث يتم تعطيلهم عن العمل في الظروف الجوية الطارئة كارتفاع درجات الحرارة أو تراكم الثلوج.

 

ويشير الطراونة إلى أن الأمانة استحدثت منذ عامين لجنة لأول مرة لدراسة وتحويل شكاوى عمال الوطن، مؤكداً أنه يتم التعامل معها ومراجعتها بشكل دائم لضمان حل أي معيقات تواجههم.

أضف تعليقك