طاهر… صانع الأطراف والأحلام والأمل
"رسالتي تنتهي مع آخر نفس لي" بهذه الكلمات يعكس اللاجئ السوري طاهر، وهو شاب ثلاثيني فقد قدمه وعينه اليسرى، إصراره على العطاء ومساعدة الآخرين والتمسك بالحياة والأمل.
يروي طاهر لـ"سوريون بيننا"عن تجربته خلال الحرب التي فقد خلالها قدمه اليمنى وعينه اليسرى، إثر انفجار لغم وهو في طريقه مع أحد أقربائه إلى قرية مجاورة، يقول: "لم أشعر سوى بانفجار رمى بي عدة أمتار، أذكر أنني لم أفقد وعيي تماما.. وقفت ومشيت.. اضطررت أن أقطع إبهام قدمي الذي كان معلقا وشبه مقطوع وكان يؤلمني بشدة.. إلى أن وصلت لأقرب مستشفى".
عزلة عانى منها نتيجة عدم تقبله لنفسه وللمجتمع بوضعه الجديد، طاهر يصف لنا حالته النفسية في ذلك الحين، “كنت محبطا ولا أريد الاستمرار، حاولت الانتحار مرتين، لم أستطع تقبل نفسي في أن أكون بلا قدم وبلا عين، تلقيت علاجا طويلا لمدة عام ونصف، كنت أجلس مع نفسي لساعات طوال، معزولا عن الناس”.
لم يكن الاستسلام أحد الخيارات المتاحة بالنسبة لطاهر، فبعد تفكير طويل استمر لأشهر، قرر الالتحاق بجمعية الهلال الأحمر السوري، وخضع لـ12 دورة للتوعية من مخاطر الألغام والقذائف غير المتفجرة، ليؤسس بعدها هو وأصدقاؤه مركزا لإعادة تأهيل المصابين الذين أدت إصاباتهم إلى إعاقة دائمة.
تعليم وتوعية الغير هدف وضعه طاهر أمام عينيه، فقد أصر على الذهاب إلى أكثر من مكان وبخاصة المناطق المحاصرة والتي تتعرض لقصف شبه يومي، ليعلم الآخرين هناك ما تعلمه هو، “علمتهم كل شيء أعرفه، فضلا عن الدورات التي كنا نعطيها للناس لكي يتلافوا الأخطار منها ما هو في الإسعافات الأولية، وكيفية صناعة الأطراف الصناعية من الأدوات المتوافرة”.
بعينين لامعتين، ترتسم على وجه طاهر ابتسامة الرضى والتفاؤل كلما تحدث عن مساهمته في صناعة طرف لشخص فقد قدمه أو يده في الحرب، يقول: لم يكن يهمني من الذي أعالجه، فأنا أساعد إنسانا، سواء كان محالفا للنظام أو المعارضة، الإنسان خلقه الله ولم تخلقه الحروب”.
لم يقف اللجوء عثرة في طريق طاهر الذي لجأ إلى الأردن بسبب إصابة ابنه في الحرب، وأصر على متابعة رسالته في العطاء والتعليم، واستمر في تقديم طلبات عمل للمنظمات التي رفضته كثيرا، إلى أن أصبح ناشطا في أحد المراكز المتخصصة في مساندة المعاقين ومصابي الحروب.
بحماسة، يروي طاهر كيف كان يدخل إلى المركز ويكشف عن طرفه الاصطناعي قبل إلقائه محاضرة، “كنت أكشف عن طرفي الاصطناعي دائما، ففي طريقتي هذه رسالة لأصدقائي المصابين في المركز، بأنني واحد منهم، ولن يشعروا بالخجل مني وذلك سيزيدهم إصرارا وتفاؤلا لمواصلة مشوار علاجهم”.
الأمل هو كل ما يحتاجه الإنسان ليزين حياته بالمعنى، فالإعاقة لا تعني دائما بالنسبة لطاهر فقدانه لأحد أطرافه، لكنه يرى نفسه عاجزا عن كل شيء في حال فقد قدرته وعزمه عن العطاء.