سوق سوداء للنفايات بالزرقاء تديرها "عصابات مسلحة"
لم تكد السيارة تنعطف بنا من طريق الأوتستراد نحو الشارع المؤدي إلى محطة الفرز التحويليّة التابعة لبلدية الزرقاء، حتى انجلت الصورة أمامنا عن تلال من النفايات المنتنة، والتي كان الدخان لا يزال يتصاعد من بعضها بعدما أكلته النيران.
قبل بدء رحلتنا في الشارع الذي يتوسط جبالاً مقفرة قرب حيّ المصانع جنوبيّ المدينة، كان السائق الذي بدأ عارفا ببواطن الأمور، قد همس لنا بنصيحة مفادها أن نتجنب الاحتكاك أو التحدث مع الأشخاص الذين قد نجدهم منهمكين في نبش النفايات، لأن بعضهم ربما يكون مسلحا!.
كان واضحا أن أولئك الأشخاص يتخذون من نبش النفايات مهنة يعتاشون منها، لكن أمر حمل بعضهم للسلاح، بحسب ما ذكره السائق وأكده بعدها مسؤول في البلدية، هو ما أثار لدينا الاستغراب والتساؤل.
ولعل ما زاد في الغرابة هو وصف "جماعات مسلحة" الذي ورد على لسان مدير المناطق في بلدية الزرقاء خلدون المعايطة خلال حديثه عن هؤلاء، وإشارته إلى جهات "مجهولة" تلقي النفايات في هذه المنطقة، في ما يبدو أنه لصالحهم.
وتعيد هذه التوليفة الدرامية إلى الذاكرة تقارير تحدثت في أوقات سابقة عن مافيات تتنافس في بعض المدن من أجل الاستحواذ على حمولات ضاغطات النفايات، والتي هي بمثابة ثروة بالنسبة للعاملين في مهنة النبش.
وكانت بعض تلك التقارير أغرقت في سرد تفاصيل عن سوق سوداء للنفايات وصراعات تنشب بين مافياتها، ويغدو خلالها السلاح وسيلة لفرض الهيمنة، كما اتهمت سائقي ضاغطات وموظفي بلديات بالتواطؤ مع بعض تلك المافيات.
جهات مجهولة
المعايطة لم يذهب إلى حد إعطاء صورة ذات حيثيات مشابهة لما في تلك التقارير، وحرص بدلا من ذلك على نفي الاتهامات الموجهة إلى البلدية بأنها المسؤولة عن مراكمة تلال النفايات في المنطقة.
وقال أن "المتسبب في طرح النفايات هي جهات تستخدم الطريق كمكبات خاصة، وهذه المكبات.. لا تقع ضمن سلطة بلدية االزرقاء، ولا تعرف البلدية الجهات التي تقوم باستخدامها".
وأضاف المعايطة أن "ما يحدث في هذه المكبات هو قيام أشخاص بفرز النفايات "لاستخلاص كل ما يمكن بيعه، "أما التي لا يستفيدون منها.. فيتم إحراقها".
وتابع أن "العكس تماما يحدث داخل المحطة التحويلية، حيث يوجد فيها كادر وحرس وتحتوي على آليات، ويتم نقل النفايات منها إلى مكب الغباوي (في عمان) بعد فرزها من قبل مستثمر متعاقد مع البلدية".
وكان مسؤول في بلدية الزرقاء كشف في تصريحات صحفية عن أن البلدية تتقاضى من المستثمر 55 دينارا عن كل طن نفايات تقيم بتوريده إليه في المحطة التحويلية، علما أن حجم ما تجمعه البلدية من نفايات يبلغ 800 طن يوميا.
المعايطة أوضح جانبا من الإجراءات المتبعة في محطة الفرز، قائلا أن "ضاغطة النفايات عندما تتجه للمحطة يكون مع سائقها ورقة من البلدية تظهر كمية النفايات وتاريخ (جمعها)، ويجب تسليم هذه الورقة إلى مدير المحطة أو من ينوب عنه ليقوم بالتوقيع عليها".
واعتبر هذه العملية "تثبت أن سيارات البلدية تصل إلى المحطة التحويلية"، ولا تقوم بالتخلص من الحمولات خارجها.
وعاد المعايطة وأكد أن البلدية لا تعرف على وجه اليقين من يقوم بإلقاء النفايات على طريق المحطة، وإن كان أشار إلى جهات محتملة منها بلدية الرصيفة والمولات التجارية والمؤسسة الاستهلاكية.
وكانت بلديتا الزرقاء والرصيفة وقعتا اتفاقية تتيح للأخيرة استخدام المحطة التحويلية في الزرقاء بعد إغلاق المحطة التابعة لبلدية الرصيفة وإحالة ملفها إلى الإدعاء العام على خلفية شبهة فساد.
من جهة أخرى، أكد المعايطة أن الذين يتواجدون عند أكوام النفايات العشوائية على طريق المحطة هم عبارة عن "جماعات مسلحة"، وأن البلدية قامت بمخاطبة المحافظ "أكثر من مرة من أجل توفير دوريات شرطة في الموقع".
وقال أن بلدية الزرقاء قامت سابقا بإرسال دوريات من موظفيها للتصدي لعمليات طرح النفايات، لكنها "تعرضت لإشكالات من هذه الجماعات المسلحة"، ما أدى إلى التوقف عن إرسال الدوريات البلدية إلى المنطقة "لخطورة ذلك" .
وشدد المعايطة على أن "بلدية الزرقاء جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة، وإذا تعاونت معنا الجهات الأمنية مثل الدرك أو الشرطة عبر توفير دوريات برفقة (موظفي) البلدية، فمن الممكن أن تحل هذه المشكلة".
اتهامات للبلدية
على النقيض لما ذكره المعايطة، بينت مديرة بيئة الزرقاء أنعام جودة أن مديريتها قامت بتنفيذ جولة تفتيشية في المنطقة بعد شكاوى من المجاورين، وأنها جمعت خلالها شهادات تشير بأصابع الاتهام لسائقي سيارات البلدية في طرح النفايات هناك.
وقالت جودة أن محضر ضبط الجولة التي تم تنفيذها يوم 21 حزيران، أظهر كذلك أن النفايات التي تلقى على بعد ستة كيلومترات من المحطة يتم حرقها على جوانب الطريق، ما يؤدي لانبعاث روائح وغازات تؤثر على السكان في المنطقة.
وأضافت أن مجمل ملاحظاتها كمديرة للبيئة تشير إلى أن "سيارات البلدية لا تلتزم بتشدير ناقلة النفايات أثناء مسيرها.. ما يؤدي إلى تطاير النفايات على طول الطريق المؤدية إلى المحطة التحويلية".
وبينت أن مديريتها قامت يوم 22 حزيران "بمخاطبة رئيس بلدبة الزرقاء للتأكيد على سيارات نقل النفايات بأن تفرغ حمولاتها داخل المحطة وليس على جانبي الطريق، وإلزامها بالتشدير لمنع تطاير النفايات أثناء سيرها على الطرقات".
وتابعت أنها طالبته كذلك "باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بمنع إشعال الحرائق في النفايات" والعمل على "تنظيف الطريق المؤدي إلى المحطة وتشديد الرقابة عليه".
وحول ما ذكره المعايطة من استخدام جهات مجهولة للمنطقة كمكبات خاصة، فقد نفت جودة ضمنيا ترخيص أيّة مكبات هناك، مبينة أن "مديرية البيئة.. لا تقوم بإعطاء أذونات لمكبات خاصة، وأن ذلك يحصل عن طريق وزارة البيئة فقط".
وتطرقت إلى الأشخاص الذين يمتهنون فرز النفايات في المنطقة، مؤكدة أن عملهم بهذه الصورة "غير قانوني"، وأن "مديرية الأمن العام وكذلك الإدارة الملكية لحماية البيئة هما المسؤولتان عن ضبطهم".
وقالت جودة أنها سمعت أن "المنطقة فيها عصابات مسلحة تمتهن فرز النفايات وتحتكره أيضا"، معتبرة أن ذلك "يستدعي تكاتف جهود المحافظة وشرطة الزرقاء، إضافة إلى العاملين في مجال البيئة لضبط كل هذه المخالفات البيئية والأمنية".
وأكدت أن "حماية البيئة مسؤولية مشتركة تبدأ من عند المواطن الذي له دور أساسي.. ومن ثم الجهات المسؤولة".
وحذرت جودة من أن تراكم النفايات في غير مكانها الصحيح يتضمن مخاطر بيئية عدة، منها "التلوث البصري وتلوث التربة المؤكد حصوله والذي يؤثر مباشرة على المياه الجوفية".
ونوهت كذلك إلى أن "حرق النفايات يؤدي إلى تلوث الهواء خاصة إذا احتوت هذه النفايات على مواد بلاستكية والتي بدورها تطلق غازات سامة ومسرطنة".
جدير بالذكر أنه لم يتسن لـ "هنا الزرقاء" الحصول على تعقيب من الإدارة الملكية لحماية البيئة، بالرغم من المخاطبات العديدة التي أجريت مع الإدارة التي تعد الذراع التنفيذي للوزارة، وتقع على عاتقها مسؤولية إنفاذ قانون البيئة.
إستمع الآن