رنا الدجاني.. العالمة الأردنية التي تعتمر "خمس قبعات"

رنا الدجاني.. العالمة الأردنية التي تعتمر "خمس قبعات"
الرابط المختصر

"أنا أم قبل أن أكون إحدى أبرز 20 عالمة مسلمة وأقوى مئة امراة عربية"

 

تحوز على ما لا يتسع المقام لحصره من الألقاب والتكريمات والجوائز العالمية والمحلية نظير إنجازاتها العلمية والأكاديمية والاجتماعية، لكنها تفضل على كل ذلك أن يجري التعريف بها بوصفها أما ومربية.

 

هي أستاذة علم الأحياء الخلوي والجزيئي في الجامعة الهاشمية رنا الدجاني، والتي صنفتها مجلة "مسلم ساينس" البريطانية ضمن النساء العشرين الأكثر تأثيرا في مجال العلوم على مستوى العالم الإسلامي، وأدرجتها مجلة "أرابيان بيزنس" في قائمتها لأقوى مائة امرأة عربية.

 

وهي أيضا المدير السابق لمركز الدراسات في الجامعة الهاشمية ومستشارة المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، وعضو في المجلس الاستشاري الأردني في الأمم المتحدة للمرأة، وشغلت استاذاً زائراً في مركز جامعة ييل الأميركية للخلايا الجذعية.

 

نشرت مقالات في مجلة "العلوم والطبيعة" حول العلوم والمرأة في العالم العربي، كما أسست شبكة للمدربات والمتدربات، وعملت كخبيرة في تطوير التعليم العالي لدى مكتب تمبوس الوطني لبرامج التعليم العالي، وكذلك مستشارة لدى بنك التنمية الإسلامي في السعودية.

 

أسست مركز تعلم الخدمات في الجامعة الهاشمية، وتعد من أنصار التعلم القائم على حل المشكلات، وقراءة الروايات، والدراما، ووسائل الإعلام الاجتماعية. وكانت ضمن المحاضرين في مؤتمر تيد إكس في البحر الميت وأيضاً في المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي.

 

أكثر ما يشغل بال الدجاني حاليا، إلى جانب طلبتها وأبحاثها في مجال الجينات وعلاقتها بالسكري والسرطان، هو السعي إلى تعريف جديد للمرأة المسلمة بصفتها النسوية، من أجل تقديمه إلى العالم كبديل لذاك الذي يجري فرضه من الآخرين.

 

وأيضا تواصل جهودها لمتابعة وتنمية مبادرتها "نحن نحب القراءة" التي أطلقتها قبل عقد من الزمان بهدف تنمية الشغف بالكتاب لدى الأطفال، وبات لها حضور في 27 بلدا.

 

الطواقي الخمس

 

هنا الزرقاء" حاورت الدكتورة الدجاني، وابتدرتها بالسؤال:

 

* كيف يمكن أن تصفي وتقدمي نفسك للآخرين، مع كل هذه الألقاب والمسميات وأيضا المهمات والانشغالات؟

 

- أصف نفسي بأنني ألبس خمسة طواقي (قبعات) أو خمسة حجابات. أولاها أنني أم لأربعة أولاد، وهذا أكبر مصدر فخر لي، وأيضا الأهم بالنسبة لي.

 

وثانيها أنني اعتبر نفسي معلمة ومربية، حيث انهمكت في مهنة التعليم مدة 10 سنوات متصلة في مدراس حكومية وخاصة، وثالثها أنني عالمة أشتغل على أبحاث في مرضي السكري والسرطان في المجتمعات الإثنية المعزولة، كالمجتمعين الشركسي والشيشاني.

 

ورابعها أنني رائدة اجتماعية أسست مبادرة "نحن نحب القراءة "التي انتشرت في أرجاء العالم وتهدف إلى تشجيع الأطفال على حب القراءة.

 

أما (الطاقية او الحجاب) الخامس، فهو ينبثق من تصنيفي من قبل مجلة "مسلم ساينس" البريطانية عام 2014 كإحدى المسلمات العشرين الأكثر تأثيرا في العلم، والتي شملت المسلمات الأكثر نفوذا وتأثيرا في مجالات: الفيزياء والبيولوجيا، والكيمياء والهندسة والرياضيات والعلوم الاجتماعية.

 

* على أي أساس جرى اختيارك في هذا التصنيف؟

 

تم اختياري بسبب الأبحاث العلمية التي اشتغلت عليها، ولأهمية هذه الأبحاث وتميزها على مستوى العالم والمستوى العربي، والتي تمحورت حول دراسة مرض السكري والسرطان في مجتمعات الشركس والشيشان، وجعلت الأردن يصبح مرجعا عالميا والمختبر الوحيد على مستوى العالم في هذا الشأن.

 

وأحب أن أنوه أن الجائزة لم يتم منحها فقط نتيجة للأداء العلمي بل لقوة تأثير شخصية العالمة المسلمة في المجتمع سواء المحلي والعربي والإسلامي والعالمي، وهذا الأمر تأتى من كتاباتي ومقالاتي في المجلات العالمية المرموقة، مثل مجلة الطبيعة والعلم (Science and Nature)، التي تصدر في لندن وتعد من أهم المجلات العلمية على مستوى العالم.

 

وكنت في مقالاتي أصف مشكلات المرأة العربية المسلمة وأضع لها حلولا أيضا. وإحدى المقالات كانت حول تأثير الربيع العربي على تقدم العلم في العالم العربي والإسلامي، كما كتبت مقالا آخراً يتحدث عن المرأة العالمة المسلمة ودورها وتأثيرها وحضورها في مجتمعها وعائلتها، وركزت خلال ذلك على ضرورة تعليم المرأة لتصل إلى اكتشاف نفسها وشغفها وأولوياتها في الحياة وتحقق نجاحا خالصا ومؤكدا، وتستطيع امتلاك حياتها ضمن توافق سليم بين واجباتها ومسؤولياتها في العمل.

 

وفي العام نفسه 2014 وكذلك العام 2015، تم اختياري من قبل مجلة "أرابيان بيزنس" ضمن قائمة أقوى مئة امرأة عربية.

 

"الإسلامية النسوية"

 

* نلاحظ أن لقبك في تصنيف مجلة "مسلم ساينس" كان "إسلامك فيمنست" بمعنى الناشطة النسائية المسلمة، وبيدو أن اللقب يلخص إلى حد ما الفهم الذي ذهبت إليه من حيث أنه لا يعزل المرأة العالمة عن المرأة كعضو أساسي في المجتمع يؤثر ويتاثر به..

 

-كانت كل عالمة من الفائزات قد حصلت على نفس اللقب، والذي يترجم على أكثر من صورة، ومنها (الإسلامية النسوية) إذا أردنا ترجمتها للعربية، وعند إبلاغي بهذا التصنيف من قبل القائمين عليه، قدرت أن اللقب قد يجعل الآخرين (في المجتمعات الغربية) ينظرون إليّ نظرة غير مريحة، خاصة وأن الأمر يتعلق بصورة الإسلام والمرأة.

 

ولهذا، حاولت أن أثني الجهة التي منحتني اللقب وأجعلهم يختارون لقبا آخر، غير أن الأمر بقي على ما هو عليه، وهذا الأمر جعلني آخذ على عاتقي مهمة أن أعيد إلى الأذهان العالمية تعريف المرأة المسلمة بصفتها النسوية بالمعنى الذي أحدده أنا وليس الذي يفرض علي من الآخرين، وسوف أعمل على نشر التعريف الذي أرتأيه.

 

وبعد نيلي للقب زرت الولايات المتحدة ودولا عديدة في العالم وقابلت أثناء ذلك أكثر من مئة أمرأة، وحاولت أن أتوصل إلى تعريف معنى النجاح  و"الإسلامية النسوية" بالنسبة لكل منهن، وإلى الأشياء المشتركة بيينا كنساء يعشن في عالم واحد، وأيضا الاختلافات التي تنبع تنوع ثقافاتنا.

 

وهذا العمل الكبير أعد حاليا لأصدره في كتاب خاص بنسختين عربية وإنجليزية، وبدأت فعليا في كتابة أجزائه الأولى، وأنا فعليا أطلب ممن يقرأ هذه الكلمات أن يرسل إلي تغذية راجعة تتضمن ملاحظاته ومفهومه "للإسلامية النسوية".

 

الخلاصة أن المرأة هي التي ترسم معنى النجاح لنفسها وليس المجتمع من يرسمه لها لأنها أكثر دراية بقدراتها وأولوياتها.

 

متعة القراءة

 

* أشرت إلى مبادرة "نحن نحب القراءة" كمشروع يستهدف النشء الجديد، هلا حدثتنا أكثر عن هذه المبادرة؟

 

- واجبي باعتباري عالمة وأستاذة جامعية لا يقف عند حدود الغرفة الصفية، بل يلقي على كاهلي مسؤلية تنمية مجتمعي، وهذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

أنا لاحظت أن الأولاد والبنات لا يقرأون من أجل الاستمتاع، بل ينتهي الأمر عند هدف الدراسة والامتحان، فأجريت أبحاثا لمعرفة سبب عدم القراءة لأجل المتعة، والقراءة كما نعرف تنمي الخيال وتزيد المفردات وتسهل التعبير عن النفس والأفكار والعواطف، وتجعل الفرد يتعاطف مع الآخرين، وتقلل العنف بين المجتمعات.

 

وكانت نتائج الأبحاث تشير إلى أن القراءة تشكل هما لا شغفا بالنسبة للأطفال. وهكذا، اشتغلت على أبحاث أخرى، حول كيفية غرس حب القراءة في الأطفال، وتوصلت إلى نتائج طابقت أبحاثا سابقة، وخلاصتها أن نقرأ بصوت عال للأطفال في عمر مبكر جدا، بل وحتى أن نعرض الطفل إلى هذه التجربة وهو في رحم أمه.

 

كان من الصعب أن أثقف جميع الأباء والأمهات حول هذا الموضوع وألفت نظرهم إلى أهمية القراءة، وبالتالي كانت بداياتي المتواضعة عام 2006 بأنني قمت بجمع أولاد الحارة وصرت أقرأ لهم بصوت عال.

 

وهكذا ولدت مبادرة نحن نحب القراءة، وهي مبنية على أن هناك شخصا بالغا يجتمع مع أطفال في أي مكان، سواء كان بيتا أو مسجدا أو مدرسة، أو حتى تحت شجرة، ويقرأ لهم بصوت عال. وقد انتشرت المبادرة في أرجاء الأردن، ولدينا الآن ألف مكتبة في المحافظات، ومعنى مكتبة أن هناك شخصا يتسلم من المبادرة مجموعة قصص يقرأها ويعيرها للأطفال في مكان عام.

 

ولاحقا توسعت المبادرة التي فازت بجوائز محلية دولية عديدة، وأصبحت موجودة في 27  بلدا حول العالم، ما جعل الأردن يصبح مصدرا للحلول إلى العالم، وأعني الحلول المقنعة التي تأتي من الجذور.

 

حجر الأساس

 

* حدثينا عن موقع العائلة ودورها في النجاحات والتقدم الذي أحرزته ولا تزالين على صعيد مسيرتك العلمية والاجتماعية..

 

- زوجي وأولادي هم حجر الأساس في كل نجاح حققته، ولا أحد يستطيع إحراز النجاح وحده، وأسرتي كانت معي دائما، واعتدت لدى عودتي من مختبري أن أشركهم في أبحاثي من خلال سؤالهم عن آرائهم فيما أعمل عليه. أما مبادرة نحن حب القراءة فقد كانوا مساندين في التنفيذ منذ البداية، ويساعدونني في اختيار القصص والأماكن التي نقرأها فيها.

 

وزوجي قدم تضحية عندما استقال من عمله كعقيد في سلاح الجو ليرافقني إلى أميركا لدى حصولي على منحة من برنامج فولبرايت لدراسة الدكتوراة. وكان الشريك والمساند في كل خطوة قمت بها.

 

وأيضا كان للمجتمع دور مهم جدا في دعم مشاريعي، فالزملاء والطلبة في الجامعة كل كان له دوره المشرف والحقيقي، وأيضا فريق المتطوعين في المبادرة، والذي ينتشر في كل المحافظات من الشمال إلى الجنوب، وأغلبه متطوعات، وأنا أحييّهم.

 

* هل من نصح تسدينه إلى الآخرين في ضوء تجربتك مع البحث العلمي والكتابة والعمل التطوعي؟

 

- هي دعوة للجميع، أن يعرفوا أن كل إنسان فيه شيء مميز، وأن التغيير يبدأ بشيء بسيط، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد واضح حين يقول: "لا تحقرن من المعروف شيئا".

 

ابدأوا بشيء بسيط ولا تفكروا كثيرا في النتائج، فالنتائج قادمة مستقبلا مع كثرة العمل كما حدث في مبادرتي نحن نحب القراءة. وهنا يتحقق قانون فيزيائي تلخصه نظرية الفوضى التي تؤكد أن فراشة إذا رفت بجناحيها في الصين يتحرك الهواء فيحدث إعصار في المحيط الأطلسي، وبداية التغيير دائما هي أن هناك أحدا ما أحس بالمسؤولية وقام بعمل شيء صغير أو قام بحل مشكلة صغيرة على مستواه.

 

كما أنصح بأن يقرأ كل إنسان يوميا ولو لمدة عشر دقائق. ليقرأ لنفسه أو لأولاده أو لأي كان، المهم أن يقرأ، فالقراءة تحدث تغييرا في حياة الناس.

 

 

أضف تعليقك