حول ما جرى في حرم "الأردنية"
لم يكن انشغال الشارع الأردني بمناقشات النواب للبيان الوزاري لحكومة هاني الملقي ومنحها الثقة، بأقل من متابعته لما شهده حرم الجامعة الأردنية الخميس، من تجدد لمشاجرة اندلعت في وقت سابق، وما صاحبها من استخدام لأسلحة بيضاء كـ"السيوف"، وأخرى نارية، وهو ما فرض نفسه بين أعمدة الرأي في الصحف اليومية.
الكاتب علاء الدين أبو زينة، يسترجع تاريخ إنشاء الجامعة الذي قارب نشأة الأردن نفسه، والمراحل التي مرت بها، وصولا إلى التغيرات الحادة فيها وفي غيرها من الجامعات، وأبرزها تراجع المستوى التعليمي وكفاءة الخريجين؛ وتكرار المشاجرات الجماعية الكبيرة.
ويتساءل أبو زينة، ومن خلال متابعته للمشاجرات المتكررة في "الأردنية": كيف يستطيع طالب واحد راغب في الشجار أن يحشد بسهولة عشرين أو ثلاثين شخصاً من خارج الجامعة، ويجعلهم يخوضون مغامرة التسلل إلى الحرم الجامعي ويخوضون معركة؟ والمفروض أن يأتي هؤلاء بنية إيقاع الأذى بغيرهم أو التعرض للأذى الجسدي أو الاعتقال هم أنفسهم؟
ويؤكد الكاتب على ضرورة ضبط سلوك العصبة الذي وجد مساحة للتجلي في المجتمع كله، لأنه لا ينتج إلا رعاعاً فالتين من العقال. لكنه يجب أن يُبعد بكل السبل عن الجامعات، باستبعاد كل المقدمات الواضحة التي يتحدث عنها المعلقون.
أما الكاتب حسين الرواشدة، فلم يشعر بالمفاجأة لما حدث في الجامعة، "لأننا عشنا بعض فصوله في بعض جامعاتنا التي تعرضت لسلسة من الصدامات وأعمال العنف، وفي أخرى ارتفعت أسوارها واختنق من بداخلها بفعل المقررات الخاطئة، لكن لا شك أن صدمتنا بكل ما جرى يفترض أن تحرك فينا سؤالاً واحداً وهو: لماذا لا نزال صامتين أمام مثل هذه الكوارث حوّلت حرم الجامعات إلى ميادين عنف واشتباك بالأيدي والأسلحة البيضاء".
ويخلص الرواشدة إلى أن ما فعلناه بأنفسنا، وليس فقط ما فعلته الحكومات بنا، تحصد “ثماره” في جامعاتنا وفي مؤسساتنا وفي شوارعنا، سواءً على شكل عنف طلابي، أو خيبات أمل ومواقف وصور مخجلة، أو جرائم ومخدرات وانتحار وفساد وانحراف.
ويعرض الكاتب نضال منصور لصورتين متناقضتين شهدهما حرم "الأردنية"، أولهما أولهما صورة المشاجرة الأخيرة بما حملته من استخدام للسيوف وإطلاق نار، والأخرى صورة حشد الطلبة في العام الماضي أمام رئاسة الجامعة الأردنية يهتفون نشيد موطني بكل انضباط وسلمية حين اعتصموا مطالبين بالتراجع عن رفع قرار رسوم الدراسة في الماجستير والموازي.
ويضيف منصور "وللأسف فإن إدارات الجامعات والحكومات وأجهزتها الأمنية على مدار عقود طويلة كانت تخشى الحركات الطلابية المنتظمة، رغم سلميتها وحضاريتها والقدرة على الحوار مع قادتها، وتقمع هؤلاء بعنف وتتخد كل التدابير لوأدهم، وتستخدم القانون بشكل غير عادل لاتخاذ عقوبات بحق الطلبة البارزين في هذه التحركات تصل إلى الفصل النهائي، هذا ان لم يعتقلوا على أبواب جامعاتهم.
و"لم تحل مشكلة البلطجية في الجامعات الأردنية وما حدث في العام الماضي من تراجع لأحداث الشغب والمشاجرات لم يكن أكثر من هدنة مؤقتة"، يقول منصور، الذي يرجع عودة الأزمة إلى عدم معالجة الدولة جذورها.
أما الكاتب فهد الخيطان، فيقول إن الجامعات لم يعد لها مشروع ثقافي وطني، إنما هى في الواقع تجميع لثقافات "محلياتية" تحت سقف واحد، يأتي إليها الطالب مسنودا بعزوته، وعشيرته، وبروح الحارة والقرية والمخيم.
ويلفت الكاتب أيمن الصفدي، إلى أن جامعاتنا تستمرّ في التدهور نحو فشلٍ يحاصرها إمّا في طمع الحسابات الربحيّة أو بين جدران النهج التلقينيّ المكرّس للقيود الاجتماعيّة والفكريّة والمجذّر للجهل والقاتل للإبداع، بدلاً من أن تتطوّر من مساحاتٍ للتعليم التقليديّ إلى ساحاتٍ رحبةٍ لتنافس الأفكار واشتباك الآراء وإنتاج التيّارات الفكريّة والسياسيّة المحدّثة المستنيرة.
فـ"ليس غريباً، إذن، أن يصير العنف جريمةً تتكرّر في العديد من جامعات، ولا مفاجآت من أن يُضخّ إلى سوق العمل خرّيجون أمّيّون لا يستحقّون الشهادات التي يحملونها"، يقول الصفدي.
وبحسب الكاتب، فقد تنازلت الجامعات، مع وجود استثناءات، عن دورها بأن تكون مراكز تنويرٍ وفكرٍ ومصانع كفاءات، ورضيت أن تكون خطّ إنتاجٍ رديءٍ تقيس نجاحها بحجم الربح الذي تجنيه أو بعدد الطلبة الذين يغادرونها حاملين الشهادات.