تجريم الإضراب هل يستهدف لجم الحركات العمالية؟

تجريم الإضراب هل يستهدف لجم الحركات العمالية؟
الرابط المختصر

 

تجرّم المقترحات الحكومية على مسودة مشروع قانون العقوبات الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص الذين ينفذون إضرابا عن العمل، الأمر الذي اعتبره ناشطون عماليون "ِردة عن الإصلاح" و "استهداف للحركة العمالية".

 

وتنص المادة 183 من مسودة مشروع قانون العقوبات المعدل أن "كل موظف أو مستخدم، عاما كان أم خاصا امتنع عن العمل بهدف الضغط لتحقيق مطلب معين أو حرض على ذلك في المؤسسات التي تقدم خدمات عامة أو أساسية للجمهور يعاقب بالحبس مدة ثلاثة أشهر أو بالغرامة من خمسين دينارا إلى مائتي دينار".

 

رئيس اتحاد النقابات المستقلة عزام الصمادي يرى أن "المقترحات الحكومية التي تجرم المضربين "ردة عن الإصلاح وتراجع واضح باتجاه التضييق على الحريات"، معتبرا إياها "عودة للأحكام العرفية التي سادت الأردن في سبيعنيات القرن الماضي".

 

قائلا: "إن الحكومة بمقترحاتها ضربت بعرض الحائط كل المعايير الدولية التي التزم بها الأردن أمام الأسرة الدولية والتي كفلت حق الإضراب للمطالبة بالحقوق".

 

وتأتي المقترحات الحكومية على مسودة مشروع القانون بعد أن تمكنت الحركة العمالية في الأردن من تحصيل حقوق العمال من خلال الإضراب عن العمل و تكبيدها لمؤسسات حكومية وخاصة خسائر مالية من أبرزها "إضراب شركة عمال الكهرباء، وإضراب شركة الموانئ" وإضراب شركة الفوسفات"، وإضراب المعلمين حيث أجبر العمال الشركات على التفاوض مع النقابات العمالية المستقلة و تحقيق مطالبهم.

 

 

مدير المرصد العمالي (مؤسسة مجتمع مدني) والناشط الحقوقي أحمد عوض يقول أن "التعديلات الحكومية على مسودة مشروع القانون "تخالف معايير العمل الدولية كونها تجرم ممارسة الإضراب، وتشكل منعا للإضرابات في القطاعات الحيوية وليس تقييدا لها".

 

مؤكدا أن "حق الإضراب منصوص عليه ومكفول في العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو من الحقوق الفورية التنفيذ"، وهو جزء أساسي من الحق في التجمع السلمي المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو كذلك شكل من أشكال حرية التعبير عن الرأي المكفول في العهد ذاته".

 

وجاء القرار الحكومي في وقت شكلت فيه الإضرابات ما نسبته 24% من مجموع الاحتجاجات العمالية في الأردن حسب تقرير حديث صادر عن المرصد العمالي، وبلغت نسبة التهديد بتنفيذ إضرابات عمالية 11.2% من مجمل الاحتجاجات التي شملت كذلك بعض التحركات الفردية، بينما شكلت الاعتصامات ما نسبته 61.3% من مجموع الاحتجاجات".

 

 

الحكومة بدورها قالت على لسان رئيس لجنة تعديل قانون العقوبات القاضي ياسين العبداللات، أن المادة لم تجرم الإضراب بالمطلق، وإنما جرمت الإضراب الذي لا يتوافق مع مواد قانون العمل.

 

وأكد العبدللات في مؤتمر صحفي عقد في دار وزارة العدل أن التعديلات جاءت نظراً للتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الأردني ولمواكبة التطور العصري للدولة الأردنية ولتغطية أوجه القصور في معالجة المستجدات التي نجم عنها مساس بهيبة الدولة وسيادة القانون وفي ظل ظهور ظواهر جرمية أصبحت تؤرق المجتمع الأردني.

 

إلّا أن مدير المرصد العمالي يؤكد أن المادة التي تجرم الإضراب عن العمل "تتعارض مع الدستور الأردني الذي كفل حق العاملين ضمنا بممارسة حقهم بالإضراب من خلال المادة (128/1)، التي نصت على أنه “لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها”.

 

ونظم قانون العمل الأردني في المواد (134، 135، 136) ونظام شروط وإجراءات الاضراب رقم (8) لسنة 1998 عمليات الإضراب، وطلب من العاملين في القطاعات الحيوية الإبلاغ عن موعده قبل أربعة أسابيع من موعده، وليس منعه.

 

ودفعت المقترحات الحكومية عدد من النقباء للاجتماع الطارئ وبحث خطوات الرد على "تجريم الإضراب عن العمل، وقال نقيب المعلمين حسام المشه أن "النقباء عبروا عن رفضهم لمقترح المادة 183 في قانون العقوبات" مؤكدا على أن رؤساء النقابات المهنية أجمعوا على وجود مخالفة دستورية في هذه المادة من القانون، وأنها لا تتفق مع الحياة الديمقراطية وحرية التعبير".

 

 

وشهدت المملكة في السنوات الأخيرة ارتفاع أعداد الاحتجاجات العمالية متأثرة بالربيع العربي الذي نتج عنه تشكيل ناشطون عماليون لنقابات عمالية ومهنية مستقلة لا تعترف بها الحكومة قانونيا، إلا أن هذه النقابات فرضت أمرا واقعا وأجبرت الحكومة على مفاوضتها بعد أن نفذت إضرابات في قطاعات حيوية كالموانئ و الكهرباء أدت إلى شلل العمل بهذه المؤسسات.

 

 

وسرعان ما تراجعت وتيرة الاحتجاجات العمالية في الأردن في السنة الماضية بسبب تراجع الحماس للربيع العربي وتوقف عجلته بالجارة سورية، وتبين إحصائيات المرصد العمالي أن عدد الاحتجاجات العمالية المنفذة في الأردن شهد انخفاضاً، في النصف الأول من عام 2014، بشكل ملحوظ، إذ بلغت 302 احتجاج، قياساً بمجموع الاحتجاجات العمالية، التي جرت في النصف الأول من العام الماضي، البالغ عددها 597 احتجاجاً، بتراجع كبير نسبته 49%.

 

ويُرجع المرصد العمالي سبب تراجع أعداد الاحتجاجات إلى ارتفاع نسبة الاحتجاجات العمالية التي لم تحقق أهدافها خلال السنوات الماضية، بسبب عدم تعامل الإدارات العليا في القطاعين الخاص والعام بجدية مع مطالب العمال المحتجين، إلى جانب الضغوط المختلفة التي مورست على القيادات النقابية والعمالية والعمال المحتجين من قبل الإدارات العليا وبعض الأجهزة الحكومية، وفض العديد من الاحتجاجات من قبل قوات الأمن، يضاف إلى ذلك ضعف قدرات غالبية العمال المحتجين على تقنيات المفاوضة الجماعية بسبب حرمان غالبيتهم الكبيرة من حق التنظيم النقابي.

 

ويحتل تحسين الوضع المعيشي المرتبة الأولى في قائمة أسباب اندلاع الاحتجاجات العمالية في الأردن، إذ تقدر الحكومة الأردنية الحد الأدني للأجور في الأردن بـ260 دولارا، حيث دفع انخفاض الأجور والرواتب عمال إلى تنظيم ما يقارب 116 احتجاجا عماليا مطالباً برفع الأجور والعلاوات، بواقع 38 % من مجمل الاحتجاجات.

 

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي أن ثلثي العاملين في الأردن يقعون  تحت خطر الفقر المطلق.