تاريخ العنف في مجلس النواب الأردني
الزمان: 10 أيلول/ سبتمبر 2013. المكان: مجلس النواب الأردني. الحدث: نائبٌ يقتحم قبة المجلس ببندقية كلاشنكوف قاطعاً نقاشاً ديمقراطياً ـ إلى حد ما - لينهي برصاصتين خلافاً في وجهات النظر نشب بينه وبين زميل في الجلسة السابقة.
في الجلسة التي سبقت حادثة الكلاشنكوف، والتي عقدت في 8 أيلول/ سبتمبر 2013، كان نجم المشاجرات النيابية، النائب يحيى السعود، يمارس التشويش على رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور كلما هَمّ بالحديث. تشويش استفز النائب قصي الدميسي الذي صرخ غاضباً بالسعود ليصمت. تبادل السعود والدميسي الشتائم. تدخل لصالح السعود النائب طلال الشريف وهو الذي لا ناقة له في المشاجرة ولا بعير.
الشريف الذي صمت على إهانات سابقة تلقاها من زملائه النواب تحت القبة، تصدر المشهد الذي ختمه بأن هدد الدميسي بالاحتكام إلى السلاح.
نفذ الشريف تهديده وأطلق رصاصتين من بندقية الكلاشنكوف باتجاه الهدف دون أن يصيبه. غير أن الرصاصتين استقرتا في شعبية المجلس النيابي السابع عشر الذي انتخب في 23 كانون الثاني/ يناير 2013 منقوص الشعبية، بعد أن قاطعت الانتخابات قوى معارضة على رأسها حزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لحركة الأخوان المسلمين في الأردن، ووصمت الانتخابات بالتزوير. وهو المجلس الذي لم يعتقد سوى 28 في المئة بأنه سيكون أفضل من سابقه الذي حله العاهل الأردني لإرضاء الشعب الغاضب، حسب نتائج دراسة نفذها مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية في 20 شباط/ فبراير 2013.
حدثت المصيبة. رصاصة تحت القبة. شعر النواب أن مصير مجلسهم على المحك لاسيما وأن الملك يمتلك صلاحيات حل المجلس والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة. دافعوا عن بقائهم بأن انتفضوا بوجه زميلهم الذي صوت المجلس في جلسة طارئة عقدت في اليوم ذاته على فصله، وجمد المجلس عضوية الدميسي عاماً كاملاً.
انتهى المشهد الدراماتيكي. تنفس النواب الصعداء، وخرج بيان يدين السابقة في تاريخ المجالس النيابية، ويستهجن العنف النيابي الذي اعتبر غريباً. هل حقاً العنف النيابي غريب؟ وهل وجود السلاح تحت قبة النواب سابقة؟
من ذاكرة العنف النيابي
في 6 آذار/ مارس 2013، ظهر السلاح تحت قبة مجلس النواب السابع عشر. كاد النائب شادي العدوان أن يشهر مسدسه بوجه زميله النائب زيد الشوابكة في لحظة غضب بعد خلاف بينهما. وثقت الكاميرات صوراً للمسدس. لم يأخذ المجلس أي إجراء، لم يندد، وطويت الواقعة على الطريقة الأردنية بصلحة عشائرية بين النائبين.
تبع ذلك بأيام، اعتداء لفظي من النائب العدوان بحق زميله - المفصول لاحقاً - طلال الشريف، استخدم فيه الفاظاً بذيئة على غرار «قواد»، لم يندد المجلس، ولم يتخذ إجراء.
نجم المشاجرات داخل المجلس، النائب يحيى السعود وجه لزميله النائب معتز أبو رمان، لكمة على وجهه بعد خلاف في الرأي، لكمة تبعها قصف متبادل بعبوات المياه ومحضر اجتماع الجلسة، حتى أن النظام الداخلي للمجلس والدستور استخدما في القصف العشوائي بين النائبين.
العنف النيابي ليس حكراً على المجلس السابع عشر، بل ظاهرة عابرة للمجالس النيابية في الأردن. في المجلس السادس عشر الذي انتخب في العام 2010 لمع نجم النائب السعود الذي كان يخوض الحياة النيابية للمرة الأولى، بالاعتداء المتكرر على زملائه. أقدم على ضرب زميله النائب اليساري جميل النمري وقصفه بالحذاء دون أن يصيبه، ولم يسلم من السعود النائب اليساري بسام حدادين الذي كان ضحية لاعتداء جسدي.
وكذلك حدث في المجلس الخامس عشر الذي انتخب عام 2007، عندما هجم النائب خليل عطية على زميله فخري اسكندر بعد أن وصف الأخير عطية بـ «الحقير والرذيل».
تعج الذاكرة البرلمانية الأردنية إذاً بالمشاجرات، ومن أبرزها تلك التي شهدها المجلس الرابع عشر الذي انتخب عام 2003، وكان بطلها آنذاك النائب عبد الرؤوف الروابدة، ونواب حزب جبهة العمل الإسلامي، وتبادل النواب خلالها الشتائم والاتهامات خلال نقاش حول قضية إبعاد حركة حماس من الأردن.
من ذاكرة المجلس الثالث عشر الذي انتخب عام 1997، المشاجرة المشهورة التي وقعت بين النائب منصور مراد والنائب أحمد عويدي العبادي، والتي انتهت بقضم العبادي لأذن مراد! وصرح العبادي بعدها أنه «لا يدري كيف سقطت أذن مراد».
وحدث في المجلس الثاني عشر المنتخب عام 1993 مشاجرة بين جمال الخريشة والسيدة توجان فيصل، مشاجرة بدأت بجدل تطور إلى ملاسنة ختمها الخريشة بأن قذف فيصل بمنفضة السجائر. الانجاز الذي حققه المجلس أثر تلك المشاجرة كان استبدال المنافض الزجاجية بأخرى من النحاس... ثبتت على مكاتب النواب.
وشهد المجلس الحادي عشر الذي انتخب عام 1989، بعد عودة الحياة البرلمانية للبلاد، مشاجرة بطلها النائب الإسلامي عبد المنعم ابو زنط وعدد من نواب العشائر الذين استفزهم انتقاد ابو زنط لقانون الانتخاب، فما كان من احدهم إلا أن شهر مسدسه بوجه أبو زنط قبل أن يعيده إلى جرابه. لم يحاسب مشهر السلاح.
في مواجهة العنف
بعد أن قدم مجلس النواب السابع عشر النائب طلال الشريف كبشاً لبقائه، قرر اجتثاث العنف النيابي من جذوره، فأقر بنظامه الداخلي: «للمجلس الحق بتجميد عضوية أو رفع الحصانة عن كل من يحاول الإساءة إلى مجلس النواب بالقول أو الفعل أو بحمل سلاح تحت القبة أو في أروقة المجلس بالمدة التي يراها المجلس مناسبة وبالنظر إلى جسامة كل فعل على حدة، بعد الاستئناس برأي اللجنة القانونية»، نص استشعر النواب خطره على وجودهم.
يعتقد النواب أن العنف سينتهي بالنص، ويرى معارضون أن العنف لن ينتهي إلا بقانون انتخاب يفتح الطريق أمام تمثيل حقيقي للأحزاب في البرلمان، ويتيح وصول أغلبية نيابية تحمل على عاتقها تشكيل حكومة برلمانية. ودون ذلك وفي ظل قانون يغذّي العشائرية والمناطقية والعنصرية، التي تنعكس تحت القبة، فإن نيران العنف النيابي لن تنطفئ وإن خَبَت قليلاً.