المرأة والمواصلات العامة..قصة معاناة يومية

المرأة والمواصلات العامة..قصة معاناة يومية
الرابط المختصر

تضطر وجدان من سكان مدينة الزرقاء، أن تستيقظ قبل عملها بثلاث ساعات يومياً لكي تصل لعملها في احدى شركات التسويق بالعاصمة عمان مبكراً.

 

تستقل ثمانية وسائل مواصلات يومياً ذهاباً واياباً حتى تتمكن من الوصول الى عملها، تخرج من منزلها في تمام الساعة السادسة صباحاً  لتستقل حافلة "حي الأمير محمد" الى المجمع القديم، ومنه تركب حافلة اخرى الى المجمع الجديد، وما ان تصل الى هذا المكان تبدأ رحلة المتاعب المكللة بالانتظار والاستعداد لخوض المعركة الصباحية والتي قد تستغرق نصف ساعة او كثر حتى تستقل الحافلة التي تقلها الى دوار الداخلية في العاصمة عمان.

 

وهنا تقع وجدان ضحية التنمر ضد المرأة في شبكة المواصلات العامة، إذ يتزاحم الناس بشكل عشوائي في الأماكن المخصصة للركوب،  تروي معاناتها "قد اضطر احيانا للانتظار بعد مرور 3 حافلات دون أن استطيع حجز مقعد والركوب، بالرغم من وصول دوري وذلك بسبب استقواء الرجال وتنمرهم على الإناث، بالإضافة إلى عدم التزامهم ووقوفهم في طابور الانتظار،  ناهيك عن الألفاظ البذيئة والاباحية التي نسمعها بشكل شبه يومي ومتكرر من قبلهم، وبعد ذلك تختتم معاناتها بانتظارها للسرفيس الذي يقلها من دوار الداخلية لمكان عملها الواقع في شارع عبدالله غوشة".

 

و في ظل غياب قوانين رادعة بالاضافة الى التواطئ المجتمعي، أصبح التنمر على الفتيات في المواصلات العامة يشكل كابوسا يوميا للعديد من الفتيات، بسبب الصبغة الذكورية والسلطوية مع غياب التربية على المساواة واحترام الآخر التي تبرر وتدفع بهذا الاتجاه .

 

ترى وجدان أن المشكلة الأكبر تكمن "عند العودة من عملها مساءً؛ كونها متزوجة، قائلة " للأسف الشديد نحن النساء حقنا مهضوم بتأمين أبسط وسائل الأمان، فأنا كامرأة عاملة متزوجة ولدي اطفال، استيقظ منذ ساعات الفجر لمتابعة شؤون بيتي واطفالي،كمتابعة دراستهم وتحضير سندوتشات الصباح بالاضافة الى وجبة الغداء لهم بسبب تواجدي في العمل خلال فترة الغداء، اما عملي فينتهي عند السادسة مساء، لكنني لا أصل لمنزلي قبل الثامنة مساء؛ بسبب عدم وجود وسائل نقل آمنة، بالاضافة الى الازدحام الخانق والشديد في المحافظة".

 

تقول وجدان انها تفكر جديًا بالتوقف عن العمل، لأن عملها أصبح يعيق تأدية واجباتها تجاه أسرتها كزوجة وأم لثلاثة أطفال .

 

بدوره، اعتبر المرصد العمالي الأردني، التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أن النساء يتعرضن لانتهاكات في حقوقهن الأساسية أكثر من الرجال. يضاف الى ذلك، ضعف شبكة النقل العام، التي تؤدي إلى استهلاك أوقات طويلة من أوقات العاملين أثناء ذهابهم وعودتهم من أماكن عملهم، ساهم في الضغط أكثر على النساء لعدم الانخراط في سوق العمل

 

ولفت المرصد الى مواجهة  النساء من ذوات الإعاقة تحديات مضاعفة في مجال التشغيل، مقارنة مع الرجال، تتمثل بوجود صعوبات كبيرة لا تمكنهن من الحصول على فرص عمل ملائمة.

 

ليلي، التي تعمل موظفة في اكاديمية بالعاصمة عمان، وتقيم بمحافظة اربد ، يستغرق الطريق الى عملها ساعتين ونصف يومياً، تركب خلالها الحافلة، ثم التكسي، وثم الحافلة.

 

لجأت ليلى في بادئ الأمر لاستخدام المركبات التي تعمل عبر التطبيقات الذكية، إلا أنها مكلفة جداً، مما اضطرها لاستئجار سكن مع مجموعة من الفتيات بالقرب من عملها".

 

تقول "حقا لم يعد لدي أي طاقة لتحمل حجم المضايقات الهائل الذي كنت اتعرض لها اثناء ذهابي وايابي بالاضافة للاعباء المادية التي كانت تفوق قدراتي، فضلاً عن أن الحافلات تكاد تختفي تماما عند المساء  مما زاد من معاناتي حينها".

 

وحال الطالبة الجامعية هديل، ليس بأفضل حال، اذ تدرس في جامعة البلقاء التطبيقية،و تقيم بمحافظة الزرقاء، ولم يعد لديها رغبة بالذهاب للجامعة؛ بسبب معاناتها اليومية في المواصلات العامة.  كما تقول.

 

تؤكد هديل أن "عدد حافلات النقل العام قليل جداً بالنسبة لعدد الطلاب، كما أننا لن نستطيع اخد حقوقنا في الركوب بسبب طوابير الانتظار، بالاضافة الى تعرضنا لمواقف محرجة بسبب شح عدد الحافلات فقد نضطر للركوب ثلاثة  فتيات في المقعد المخصص لفتاتين، وقد نضطر احياناً للوقوف طوال الطريق من محافظة الى محافظة اخرى؛ بسبب رفض بعض الشباب للوقوف".

 

وتتعرض هديل، إلى إساءات لفظية لا تستطيع إلا أن تواجهها بالصمت، مما اضطرها في نهاية الامر أن تلجأ إلى مبادرة عبر موقع الفيسبوك تعرف بأسم توصيلة، لتقلها إحدى الفتيات صباحاً مقابل مبلغ مادي شهري .

 

عدي ناجي صاحب مبادرة "وصلني" التي اسست منذ خمسة اعوام، يؤكد أن من اهم الأسباب التي دفعته للخروج بالمبادرة، "هي تأمين وسيلة نقل آمنة للفتيات بالدرجة الاولى"، قائلا  "ابسط حق من حقوق الفتيات كمواطنة أن تنتقل من مكان الى مكان بوسيلة نقل آمنة".

 

وأضاف "لم يقتصر الامر على فكرة  التوصيل بين الفتيات فحسب بل هناك نسبة كبيرة اصبحن صديقات بأجواء تسودها الفرح فضلاً عن شعورهم بالأمان أثناء ذهابهم وعودتهن من وإلى عملهن".

 

الخبيرة الدولية في حقوق الإنسان والمرأة، اسمى خضر، تعتقد أن تدني نسبة مشاركة المرأة  في سوق العمل الى 16% ، يسبب "مؤشرات خطيرة على وضع الاقتصاد الوطني، وخطيرة على الوضع الاقتصادي للأسر ايضاً".

 

وترى أن من أهم أسباب تدني مشاركة المرأة في سوق العمل "المشكلات الخدمات العامة كتنقلهم من أماكن سكنهم لأماكن عملهم".

ودعت خضر الى تذليل العقبات أمام الأم العاملة، وخاصة المتزوجة، ذات الأبناء، فهي بحاجة لرعاية من الدولة، ومن المجتمع، لتمكينها التوفيق بين دورها كأم ودورها كامرأة عاملة، من خلال تطبيق أحكام العمل المرن والنظام الذي دعا له القانون".

 

مؤكدة على "ضرورة العمل على إيجاد حلول جذرية تساهم بصفة فعالة في القضاء على هذه المشكلة والاسراع بتأمين مواصلات عامة آمنة  حضانات لرعاية الأطفال والتي من شأنها أن تحفظ كرامة للمرأة العاملة".

 

وبحسب دراسة أجرتها دائرة الاحصاءات العامة في الربع الأخير من العام الماضي فقد  بلغ معدل البطالة 18.5% خلال الربع الرابع من عام 2017، حيث بلغ المعدل للذكور 16.1% مقابل 27.5% للإناث لنفس الفترة.