"الدوار الرابع" وإدارة الأزمات
في ظل التطورات التي شهدتها الساحة المحلية خلال الفترة الأخيرة، والتي كان أبرزها حادثة السفارة الإسرائيلية، وأزمة المسجد الأقصى، وبالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية واللامركزية، يتجدد التقليد الأردني بالحديث عن التغيير أو التعديل الحكومي المرتقب.
الكاتب فهد الخيطان، يقول إن النخب السياسية والإعلامية غارقة في التوقعات والتنبؤات حول التغييرات المحتملة بعد سلسلة الأحداث الأخيرة التي شهدتها المملكة، مشيرا إلى أن السيناريوهات المفترضة أحاطت بكل الاحتمالات الممكنة والتوقيتات. تغيير حكومي جذري أم تعديل وزاري، قبل الانتخابات البلدية أم بعدها - الأغلبية ترجح بعدها.
ويضيف الخيطان بأن "الحديث عن تغيير الحكومات والمسؤولين تقليد أردني متجذر، ورغم تجربة السنوات الأخيرة مع حكومات مستقرة لأربع سنوات، إلا أن النخب السياسية ما تزال تأمل بكسر هذه القاعدة والعودة للأسلوب السابق في التشكيل والتغيير".
و"لن تطوى ملفات التأزيم بين الحكومة والبرلمان قريبا، خصوصا حادثة السفارة الإسرائيلية، وإذا لم تبادر الحكومة لإحاطة النواب بكافة التفاصيل والتطورات، فإنها ستعلق طويلا معهم وتواجه مأزقا مع بداية الدورة العادية بعد أشهر قليلة"، بحسب الخيطان.
ويعتقد الكاتب أن الرهانات على تغيير حكومي ليست في محلها خلال هذه المرحلة، فهناك شعور قوي بالحاجة لتطوير الأدوات ووسائل عمل المؤسسات، وسد الثغرات في آليات التنسيق، واقتراح أشكال جديدة للعمل تساعد على انسياب المعلومات بسلاسة ووصولها لوسائل الإعلام والجمهور بوقت قياسي.
فـ"ليس سرا القول إن الثقة بالحكومة قد تدهورت بشكل كبير بعد الحادثة الأخيرة، لكن هذا كان متوقعا في كل الأحوال، فالرأي العام غير مستعد لتفهم الدوافع القانونية التي تفرض على الحكومة عدم تقديم القاتل الإسرائيلي للمحاكمة أمام القضاء الأردني، خصوصا في ضوء التطورات العاصفة التي كانت تشهدها القدس، ومقدار التفاعل الشعبي معها".
ويلفت الكاتب جميل النمري، إلى الفجوة التي تبرز في كل الأزمات وخصوصا الحوادث الأمنية، بين الحكومة والشارع، وهكذا كان الحال في جريمة السفارة الاسرائيلية.
ويوضح النمري بأن "السلطة في أي مكان تعاني بالعادة من أزمة ثقة مع الجمهور، لكن عندنا يفاقم الأمر أن ثقافة الإشاعة تسيطر بصورة فاقعة، وهي مع السنوات لا تتراجع بل تتقوى، ومن حيث لا ندري ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يمكن تسميته بالإعلام البديل في تقويتها".
ويشير الكاتب إلى أن "الحوارات السريعة التي جرت عن الشأن الإعلامي في سياق مناقشة الأحداث، خصوصا حادثة السفارة، تستحق تسليط الضوء عليها لأنها هم أساسي يرتبط بقوة الأداء وسلامة القرار، وهو في جزء منه "إعلامي"".
كما يذهب الكاتب ماجد توبة، إلى إمكانية قراءة وتحليل أجواء العاصفة التي تسببت بها جريمة حارس الأمن في السفارة الإسرائيلية، والتي لم تتمثل فقط في القتل البارد والمستهتر بغطاء "حصانة دبلوماسية"، بل كانت في أفشل إدارة أزمة من قبل حكومتنا، لقضية بحجم وحساسية ما ارتكب من جريمة وتداعياتها!
ويضيف توبة بأن "المراقب والمتابع لأمواج أزمة السفارة لمس في تحرك مؤشرها لدى الرأي العام الأردني، أنه سادها في أول يومين حالة من الترقب والغضب الشعبي العارم الموجه أساسا ضد الكيان الإسرائيلي، وضد سفارته في عمان، لكنه لم يطل كثيرا الحكومة والمؤسسة الرسمية، التي خرجت ببعض التصريحات عن منع سفر القاتل الإسرائيلي، وضرورة مثوله للتحقيق القضائي رغم احترام الحصانة الدبلوماسية، والحديث "الإعلامي" عن توفر خيارات أمام الأردن في ضمان تحقيق العدالة".
إلا أن "الانقلاب في المؤشر الشعبي، الذي أشعل الأضواء الحمراء كان في نهاية يوم الاثنين الماضي، بعد أن صدر تصريح الأمن العام بانتهاء التحقيق الأولي بالقضية، وما ورد فيه من تحميل الطفل المغدور محمد الجواودة المسؤولية وقصة "المفك". بعدها انتقل الفعل والمحرك إلى الجانب الآخر، وتصدر رئيس وزراء الاحتلال، كبير القتلة، بنيامين نتنياهو المشهد، باستقباله الاحتفالي للمجرم وإطلاقه التصريحات المستهترة بكرامة الأردنيين والعرب".
ويرى الكاتب أن التخبط الحكومي وعدم تقدير خطورة الأزمة وانعكاساتها على الرأي العام الأردني، بقي سيد الموقف يوم الثلاثاء الماضي، فقد استمر غياب الرئيس، رغم عقد مؤتمر صحفي لثلاثة وزراء للحديث حول القضية، فيما صبت تصريحات وزير الداخلية أمام النواب الزيت على النار بوصفه الحادثة بالجرمية والضحية الأول بالبادئ بالمهاجمة والضحية الثاني بالقتيل خطأ.
وينتهي توبة إلى القول إن "أكثر ما افتقده الأردنيون في المرحلة الأولى من هذه الأزمة، وما تركهم تحت وطأة شعور بالقهر وجرح الكرامة، هو في غياب الحكومة عن المشهد الذي احتلته الضحكات المستفزة لنتنياهو وكيانه! في انتظار الحكومة كان مؤشر الثقة الشعبية ينحدر حتى القاع.. قاع سحيق قد يصعب عليها الخروج منه".