"التنمية السياسية" في الأردن: معالي الرفيق

"التنمية السياسية" في الأردن: معالي الرفيق
الرابط المختصر

أمر ملك الأردن عبد الله الثاني في العام 2003 بتأسيس وزارة التنمية السياسية. كان الملك الشاب الذي لم يمضِ على جلوسه على عرش المملكة في ذلك الوقت سوى أربعة أعوام، يطمح إلى توسيع نطاق المشاركة الشعبية في الحياة العامة، ومن أجل ذلك عَهِدَ للوزارة الوَليِدةِ بمهمة وضع السياسات والإستراتيجيات والبرامج الكفيلة بتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والنقابات والروابط المهنية والعمالية والمرأة والشباب الخ... في الحياة العامة.

هل التنمية السياسية ضرورة في الأردن؟ حقاً هي كذلك، فأربعة عشر عاماً تفصل بين "الانفتاح الديموقراطي" في العام 1989 واستحداث وزارة التنمية السياسية في العام 2003، لم تمسح ذاكرة اثنين وثلاثين عاماً من الاحكام العرفية التي أعلنت عام 1957.

 وبقي الأردنيون يخشون العمل السياسي ويعزفون عن الانتماء إلى الأحزاب التي خرجت للعلن بعد سنوات المطاردة والعمل السري، وواصلت النخب التقليدية إحكام سيطرتها على الحياة العامة، وبقيت المؤسسات التعليمية تجرم النشاط السياسي والحزبي داخلها، والمرأة على حالها خارج حدود التأثير.

حدث كل ذلك في بلد لم يتعدَ الانفتاح الديموقراطي فيه كونه مسرح دمى تُمارِسُ فيه الدوائر الأمنية هواية التحريك. ويدرك القائمون على وزارة التنمية السياسية ذلك، ولكن ما العمل؟

دَشّنَت الوزارة منذ ولادتها جولات لم تنته للآن، استهدفت مختلف المحافظات الأردنية والأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات، وهي جولات انغمس فيها الوزراء المتعاقبون بهدف تبادل الآراء والوقوف على التحديات والصعاب التي تعيق المشاركة السياسية. وتستمر الجولات التي عادة ما تبدأ من نقطة الصفر كلما أوكِلت الوزارة إلى وزير جديد.

الرفيق الوزير
يؤمن الأردنيون بالمثل القائل "اعطي الخبز لخبازه .. ولو أكل نصه"، ويؤمن بالمثل رؤساء الحكومات المتعاقبون الذين درجوا على اختيار وزير التنمية السياسية من أوساط المعارضة، فكان أن جلس على كرسي الوزارة وزراء معظمهم معارضون سابقون والمفارقة أن جميعهم من اليساريين. هم يساريون "خائنون"، بحسب المعارضة منذ توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية (وادي عربة) في العام 1994، بتخوينها المشاركة في الحكومات الأردنية التي تنعتها بحكومات وادي عربة، وهم يساريون "واقعيون" بحسب اليسار الذي انخرط في مؤسسات الدولة.

غير أن أكثر وصف يثير السخرية هو "معالي الرفيق" الذي بات يطلق على وزير التنمية السياسية بعد جلوس أمين عام حركة اليسار الاجتماعي سابقاً على كرسي الوزارة ذات تعديل أجراه رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور في 21 آب/ أغسطس من العام 2013.

بعد عشرة أعوام
بعيداً عن التخوين والتبرير، وبعيداً عن التفكير في اليساري القادم الذي سيُختار وزيراً للتنمية السياسية، فالسؤال هو ماذا حققت وزارة التنمية السياسية في عشرة أعوام؟ تجيب الأرقام.

تكشف دراسة أجراها "مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني" في كانون أول/ ديسمبر 2012 عن أن 70.6 في المئة من الأردنيين لا يعرفون الأحزاب السياسية، وتقول الدراسة إن 75.1 في المئة منهم لا يعرفون الأحزاب لعدم اهتمامهم بها.

وهذه نتائج ليست مفاجِئة بالإشارة للاستطلاع الذي أجراه "مركز الدراسات الإستراتيجية" في الجامعة الأردنية في العام 2009، والذي أظهر أن 90 في المئة من الأردنيين لا يرون أن الأحزاب القائمة تمثل تطلعاتهم، وأن كل الأحزاب القائمة تمثل فقط 9.7 في المئة من التطلعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأردنيين.

ليس الخلل فيناً، تدافع الأحزاب التي تضع الخلل بالقانون الذي ينصب العوائق أمام تشكيل الأحزاب السياسية، باشتراطه أن يكون عدد المؤسسين 500 شخص ينتمون الى سبع محافظات وتشكل النساء 10 في المئة منهم. يحثون وزارة التنمية السياسية على تعديل القانون، وكف يد وزارة الداخلية عن ترخيص الأحزاب، ونقل هذه الصلاحيات للتنمية السياسية. أمر لم يحدث للآن، وليس محل تفاؤل بأن يتحقق.

تعتبر زيادة مشاركة المرأة هدفاً رئيسياً من أهداف التنمية السياسية التي وردت في مشروع الخطة الإستراتيجية للوزارة. ولكن هل تدرك الوزارة أن 22 في المئة فقط من الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية لديها وحدات معنية بالنوع الاجتماعي أو المرأة.

 وهل أطلعت على الدراسة التي أعدتها "اللجنة الوطنية لشؤون المرأة" مطلع العام 2011 والتي تكشف أن نسبة تمثيل المرأة في الوظائف القيادية العليا تبلغ 10 في المئة، وفي الوظائف الإدارية الوسطى 18 في المئة، وفي الوظائف التنفيذية 46 في المئة.

وعلى صعيد تعزيز دور الشباب في المشاركة السياسية، لم تتمكن الوزارة، خلال عشرة أعوام، من إزالة الفيتو على حرية العمل السياسي والحزبي داخل الجامعات. فعن أي تنمية نتحدث؟

تُغرقُ وزارة التنمية السياسية نفسها في الدراسات والأبحاث التي تشخِّص الواقع، وتفسر الأسباب، من دون قدرة على التغيير، لتجد نفسها وبعد عشرة أعوام: مكانك قف.

لصحيفة السفير العربي