الأردن وروسيا: توافق اقتصادي قبل السياسة
حمل وصول القوات الروسية إلى بلاد الشام، وانخراط موسكو بالحرب الدائرة في سورية، التساؤلات حول العلاقات الأردنية الروسية، في ظل الاصطفافات الدولية خلف القوى العظمى المتناحرة على مصالحها في المنطقة.
الأردن الذي يعتبر من مؤسسي التحالف الدولي الذي يضم قرابة الـ60 دولة لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" بقيادة الولايات المتحدة، التزم الصمت من التحرك العسكري الروسي، فالأردن معني بكل قوة من الممكن أن تحارب الإرهاب وتذود بخطره عن حدودها.
وتفرض الظروف الراهنة على الأردن أن يمسك العصا من المنتصف، فمع محافظته على التقارب الأمريكي، عليه أن لا يؤثر على العلاقات الروسية، خصوصاً وأنه يطالب دوماً بحل سياسي في سورية، لا يمكن إلا أن تكون روسياً عاملاً فاعلاً فيه.
سورية.. وقضايا أخرى
خلال زيارة الملك عبد الله الثاني الأخيرة إلى موسكو، أعلى من شأن الدور الروسي الذي من المفترض أن تلعبه في المنطقة بشكل عام وليس فقط القضية السورية، وإنما في كل من العراق وفلسطين أيضاً.
الملك وصف الدور الروسي في المنطقة بـ"المحوري والأساسي"، داعيا موسكو إلى السعي لإيجاد حل لأزمة سورية، وتقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كما تواترت اللقاءات والزيارات الروسية الأردنية خلال الأيام القليلة الماضية، حيث زارت رئيسة المجلس الاتحادي الروسي، فالنتينا ماتفيينو الأردن والتقت كلا من الملك ورئيسي مجلس الأعيان والنواب ووزير الخارجية.
الحديث عن محاربة الإرهاب كان الطاغي على جميع تلك اللقاءات، حيث وجّهت ماتفيينو دعوة للأردن للانضمام إلى مركز بغداد المعلوماتي التنسيقي والذي يضم كلا من روسيا والعراق وإيران وسوريا.
ولم تبد الدولة الأردنية أي تفاعل مع هذه الدعوات حتى الآن، وكونها مرتبطة مع غرفة التنسيق المشتركة "الموك" التي تشارك فيها الولايات المتحدة، فإن أي إشارات تجاوب مع الدعوات الروسية للانضمام لمركز بغداد سيكون لها وقع أكبر من "الصمت الإيجابي" من العملية العسكرية الروسية في سوريا.
كما حاولت ماتفيينو أن تقدّم تطمينات للأردن بتصريحها أن "روسيا ليس لها أي أهداف سياسية في سوريا سوى محاربة التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم "داعش" الذي يشكل خطرا على المنطقة والمجتمع الدولي عموما".
الاقتصاد سبّاق
العلاقات الأردنية الروسية تركّز على الشراكة الاقتصادية، قبل الحديث عن الأبعاد السياسية، وخصوصاً في مجالات الطاقة النووية، ومشاريع الأمن الغذائي وتعزيز السياحة الروسية.
الأردن ذهب تجاه الاعتماد على الخبرات الروسية في الطاقة النووية لبناء المفاعل الأردني المنوي الانتهاء منه عام 2018.
فالشركة التي أخذت عطاء المفاعل هي شركة روساتوم الحكومية للطاقة النووية ومقرها موسكو، وستساهم بنسبة 49.9% من الكلفة الاجمالية للمشروع، فيما ستساهم الحكومة الأردنية بنسبة 50.1% من كلفة المحطة لبناء مفاعلين قدرة كل واحد منهما (1000) ميغاواط من الكهرباء.
وفيما يتعلق بالزراعة، فقد كانت آخر زيارة رسمية لوزير الزراعة عاكف الزعبي إلى موسكو في شهر أيار الماضي، حيث جرى خلالها بحث إمكانية تصدير الخضار والفواكة إلى روسيا، كما اتفقت الوزارة مع الجهات الروسية منذ عام 2012 على استئجار أراض زراعية هناك للشركات والمؤسسات الأردنية الراغبة بزراعة القمح.
وخلال اجتماعات اللجنة الأردنية الروسية العليا في موسكو قبل شهور، تم توقيع اتفاقيه جمركية بين الجانبين، جرى بموجبها الاتفاق على تسهيل التبادل الجمركي بين البلدين.
سياحيا، تسعى الأردن لزيادة عدد السياح الروس الداخلين إلى المملكة، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن حصة روسيا من إجمالي التدفق السياحي إلى الأردن تبلغ 5%.
كما تسعى روسيا إلى تسيير رحلات إلى الأردن عبر ناقلها الوطني لتخفيض كلفة التنقل التي تعتبر مرتفعة عبر خطوط الملكية الأردنية التي تسيّر ثلاث رحلات أسبوعية من موسكو إلى الأردن.
"التسليح" الأردني - الروسي
تتجلى العلاقات العسكرية الاستراتيجية بين البلدين بـ"شركة جدارا للمعدات والأنظمة الدفاعية" وهي إحدى شركات مجموعة كادبي الاستثمارية، التابعة لمركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير.
هذه الشركة عبارة عن مشروع أردني – روسي مشترك لتطوير الصواريخ مضادات الدروع وتصنيعها، جرى افتتاحها عام 2013، وأول المنتجات لتلك الشركة هو سلاح "نشاب 32" وهو تطوير لسلاح آر بي جي.
وقبيل جدارا كان التعاون العسكري الفني بين روسيا والأردن في ذات السياق، حيث تركز على إنتاج قواذف “آر بي جي – 3″ (هاشم) الصاروخية.
كما تسعى شركة جدارا لشراء 8 طائرات سوخوي سوبر جيت روسية من قبل شركة الطائرات المدنية الروسية.
منح التعليم
يقدّم المركز الثقافي الروسي منحا دراسية للأردن منذ عام 2009، بلغ عددها هذا العام 118 منحة متفاوتة بين البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، بزيادة عن عام 2013 بستة أضعاف حيث كان عدد المنح وقتها 20 منحة.
في ظل هذه التجاذبات والتحالفات الدولية، يحاول الأردن الرقص على الحبال كي يحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب، وكي يعزز من وجوده في وسط هذا الإقليم المشتعل، فهل يستطيع الأردن الاستمرار لمدّة أطول في هذا الرقص بين روسيا وأمريكا والخليج وإيران، في ظل تضارب المصالح، أم أن تلك الحبال ستخونها في النهاية؟.