إدراج بدائل عن سلب الحرية في قانون العقوبات

إدراج بدائل عن سلب الحرية في قانون العقوبات
الرابط المختصر

قرر مجلس الوزراء خلال جلسته يوم الأربعاء، الموافقة على مشروع قانون معدل لقانون العقوبات لسنة 2015، متضمنا عددا من التعديلات منها ما يتعلق بطرح العقوبات البديلة أو المجتمعية.

 

وأكد وزير العدل بسام التلهوني أن مشروع القانون تبنى مفهوما جديدا فيما يتعلق بالعقوبات المجتمعية، مشيرا إلى أن المشروع سمح بأن تكون هناك عقوبة اجتماعية في بعض أنواع الجرائم غير الخطيرة.

 

وأوضح التلهوني بأن العقوبات الاجتماعية تعني أن يخدم المشتكى عليه أو الشخص الذي يخالف القانون، المجتمع بطريقة أو أخرى دون المساس بحريته أو أن يكون هناك سلب لحريته.

 

وكان موقع "عمّان نت" قد تناول مفهوم العقوبات البديلة في تقرير معمق، ويعيد نصه كاملا.

 

عقوبات مجتمعية بديلة عن سلب الحرية

 

 

لم تعلم ليلى بأن سجن زوجها لمدة 6 شهور سيجعلها تطرق أبواب الغرباء بحثا عن لقمة عيش تسد بها جوع ابنيها في غياب معيلها الذي كان يعمل سائقا لسيارة أجرة.

 

فمنذ أن دخل زوجها السجن على خلفية قضيتي “كمبيالات”، تخلت عنها عائلتها ولم تجد من يعيلها، فاضطرت للبحث عن وظيفة، إلا أن أصحاب العمل كانوا يرفضون توظيفها بمجرد معرفتهم بسجن زوجها.

 

وتوضح ليلى بأن وضعها المعيشي تدهور تماما بعد انقطاع زوجها عن عمله بسبب سجنه، فضلا عن نظرة المجتمع السلبية تجاه أسرتها جراء ذلك، “الأمر الذي كان من الممكن تفاديه بوجود عقوبة أخرى بديلة عن الحبس، تسمح له بالعمل وإعالة أسرتها”، على حد تعبيرها.

 

وتؤكد مديرة وحدة مراكز الإصلاح والتأهيل في وزارة العدل القاضي إيمان القطارنة، وجود إشكاليات في قانون العقوبات المطبق حاليا، وخاصة فيما يتعلق بالعقوبات قصيرة الأمد التي تعجز عن تحقيق أهدافها الرادعة والإصلاح والتأهيل، وهو ما يمكن علاجه بإدخال العقوبات البديلة، إلى القانون.

 

كما يشير الناشط الحقوقي رئيس وحدة التشريعات في المركز الوطني لحقول الإنسان عيسى المرازيق، إلى أن الدراسات أثبت بأن النظام العقابي المطبق في الأردن على نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل، لا يشجع على الإصلاح إطلاقا.

 

فبحسب إحصاءات مديرية الأمن العام الصادرة عام 2013، فإن 40% من الأشخاص الذين يعودون إلى السجون هم من الأشخاص المكررين “ممن يتكرر دخولهم إلى المراكز”، بما يدلل على ضرورة إعادة النظر في التشريعات العقابية، ومعرفة مدى معالجة الجريمة، وأن يصبح هدف العقوبة إصلاحيا لا تجريميا، بحسب المرازيق.

 

نفسيا، يرى المتخصص في مجال الدراسات النفسية والتربوية الدكتور عاطف الشواشرة، أن العقوبات “السالبة للحرية” كالحبس، تجعل من الجاني شخصا غير منتج، وعاجزا عن العطاء، حيث يقتصر وقته ما بين النوم وتناول الطعام والشراب، دون الاستفادة منه كشخص فعّال في خدمة ذاته ومجتمعه.

 

عقوبات بديلة لتخفيض أعداد نزلاء مراكز الإصلاح:

 

تسعى وزارة العدل لإدراج العقوبات المجتعية أو ما يسمى بالعقوبات البديلة، إلى منظومة القوانين العقابية التي يتم تطبيقها حاليا على مرتكبي الجرائم، وذلك لمعاجة الكثير من القضايا الإصلاحية التي تنعكس بدورها على المجتمع إيجابا، إضافة إلى ما قد توفره على ميزانية دور الإصلاح والتأهيل.

 

وتستخدم العقوبات البديلة، بدلا من حبس الجاني في مراكز الإصلاح والتأهيل، كإلزامه بالقيام بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع ضمن ساعات تحددها المحكمة.

 

ووفق مشروع دعم تطوير نظام العدالة الجزائية في الأردن، الذي من المنتظر أن تقدمه وزارة العدل لمجلس الأمّة خلال دورته الحالية، فإن العقوبات البديلة تجنب اختلاط الأشخاص خاصة المحكومين بعقوبة قصيرة الأمد مع المجرمين المتمرسين، مما يؤثر سلبا على هؤلاء الأشخاص ويجعلهم يتعرفون على أساليب إجرامية جديدة.

 

وتؤكد الدراسات المتضمنة في مشروع الوزارة، أن العقوبات البديلة ستساهم بتخفيض عدد النزلاء في مراكز الإصلاح، بنسبة 20%، مما يحقق وفرا ماليا على الدولة بما قيمته 6 ملايين دينار سنويا.

 

ويقدر عدد نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل بحوالي ثمانية آلاف نزيل موزعين على 14 مركزا للإصلاح والتأهيل، وبكلفة تقدر بـ64 مليون دينار سنويا.

 

وتشير مديرة وحدة مراكز الإصلاح في وزارة العدل إيمان القطارنة، إلى أن العقوبات البديلة تعمل على تلبية احتياجات المذنب والأسرة والمجتمع، وتراعي ظروف الجاني الشخصية والإرشادية من جهة، وتحمي المجتمع في ذات الوقت.

 

ويؤكد الناشط الحقوقي عيسى المزاريق أن العقوبات البديلة من شأنها أن تكون إصلاحية ورادعة، إذا تم تطبيقها بالشكل المطلوب على النزيل، فضلا عن انخراط النزيل بالمجتمع.

 

وحول الآثار الإيجابية لتطبيق العقوبات البديلة على الفرد نفسه والمجتمع، يقول المختص بالدراسات النفسية عاطف الشواشرة، إن شعور الجاني بأنه ما زال شخصا فعّالا في مجتمعه وغير مقيد، ولا تتجه له الأنظار سلبيا كمجرم، سيساهم من خلال تطبيق هذه العقوبات البديلة في علاجه النفسي والاجتماعي، وتحقيق الأهداف الإصلاحية وتغيير السلوك بطريقة حضارية متطورة،

 

ويشير الشواشرة إلى ضرورة تصميم العقوبة البديلة بناء على دراسة لشخصية الفرد ومهاراته وقدراته العملية، واختيار المكان المناسب لوضعه الاجتماعي، بما يمنحه فرصة للعلاج، كما يمكن استثمار طاقته الإنسانية وتفعيلها داخل المجتمع.

 

وتستشهد مديرة مركز العدل للاستشارات القانونية هديل عبدالعزيز، بتجارب عدد من الدول الأوروبية والعربية بتطبيق العقوبات البديلة في مجتمعهم وتنفيذها على بعض الجرائم، كدولة المغرب والجزائر، واصفة إياها بالناجحة لما لها من آثار إيجابية بتخفيض أعداد نزلاء مراكز الإصلاح.

 

ساعات عمل بديلة.. وعلاج مدمني المخدرات:

 

يتم تطبيق العقوبات البديلة، وفقا لمشروع وزارة العدل، على المحكوم عليهم بالجنح ممن لا يشكلون خطرا كبيرا على أنفسهم والمجتمع، وأن تكون مدة الحبس فيها لفترات قصيرة، إضافة إلى الأطفال والمراهقين ممن تقل أعمارهم عن 18 عاما، فضلا عن متعاطي أو مدمني المخدرات والكحول ممن يحتاجون لعلاج.

 

وبحسب القطارنة، فإن تطبيق العقوبات البديلة على مرتكبي الجرائم يكون لمدة أقصاها 3 سنوات وبحد أدنى ستة شهور، حيث تلزم الجاني بعمل يكتسب منه مهارات وظيفية واجتماعية تمكنه من العيش كمواطن منتج.

 

وتوضح القطارنة بأن القاضي هو المخول بالنطق بالحكم على الجاني، وتحديد عدد ساعات عمله بناء على خطورة جرمته.

 

ووفق مشروع دعم تطوير نظام العدالة الجزائية، فقد حدد ساعات عمل الجاني على أن تكون بحد أقصى 300 ساعة، وبحد أدنى 20 ساعة، شريطة أن يستكمل تنفيذ حكمه خلال 12 شهرا.

 

عقوبات بديلة في قانون الأحداث:

يتضمن قانون الأحداث الذي أقر مؤخرا، عقوبات بديلة تطبق على مرتكبي الجرائم من الأحداث، كإلزامه بأنواع من الخدمة العامة المجتمعية.

 

ومن ضمن العقوبات البديلة التي نص عليها القانون، التحاق الجاني بالعمل بالحدائق العامة والمدارس الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني التطوعي، أو الالتحاق بالتدريب المهني.

 

وتظهر دراسة رسمية سابقة لوزارة التنمية الاجتماعية، بأن حوالي 23% من الأحداث في مراكز التأهيل والرعاية في الأردن  فكروا بالانتحار، وأن 87% منهم يعانون من الاكتئاب الشديد، و64% منهم تعرضوا لصدمات نفسية عنيفة، الأمر الذي دفع العديد من الحقوقيين للعمل على إدخال العقوبات البديلة ضمن قانون الأحداث الجديد.

 

وتوضح مديرة المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تغريد جبر، بأن القانون حرص على اتخاذ الإجراءات اللازمة في فرض العقوبات دون أن تؤثر على التحاق الأحدث بمقاعدهم الدراسية.

 

وتشير أرقام صادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية إلى أن 64% من الأحداث مرتكبي الجنح والمخالفات لأول مرة هم من طلبة المدارس، وأن معدل قضايا الأحداث الجنائية 6200 قضية سنويا.

 

 

ووفق الإحصائية الأخيرة الصادرة عن مديرية المعلومات الجنائية، فإن عدد مرتكبي الجرائم من الطلبة بلغ 2،697 ، ومن الأحداث 2،500، خلال عام 2013.

أضف تعليقك