أكيد: نشر صور المشتبه به تعدٍ صريح على أخلاقيات المهنة

أكيد: نشر صور المشتبه به تعدٍ صريح على أخلاقيات المهنة
الرابط المختصر

ارتكبت العديد من الوسائل الإعلامية المحلية عدة مخالفات مهنية وأخلاقية، في تغطيتها لحادثة السطو على احدى البنوك في منطقة عبدون بتاريخ 22 كانون الثاني 2018، حيث غلبت السرعة والسبق الصحفي على الأخلاقيات المهنية والمعايير الصحفية المتبعة في تغطية مثل هذه الحوادث.

وتتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" ما نشرته الوسائل الإعلامية في هذا الشأن، ولاحظ المرصد أن الصحف اليومية ارتكبت مخالفات كحال المواقع الالكترونية على صفحاتها الرسمية في فيسبوك، في حين التزمت بالمعايير في نسخها الورقية.

ولم تتوخ العديد من الوسائل الإعلامية الدقة في نقلها للمعلومات، وذلك بسبب السرعة في نقل الحدث، حيث أعلنت في البداية عن سرقة 50 الف دينار أردني، وأخرى تحدثت عن سرقة 60 ألف،  ثم قامت العديد منها بتعديل الخبر وإضافة الرقم الصحيح، الذي اتضح فيما بعد أنه 98 ألف دينار.

وانتشر على منصات التواصل الاجتماعي فيديو لحادثة سطو على البنك اللبناني السويسري في لبنان بتاريخ 18 كانون الثاني من العام الحالي، حيث تناقله مستخدمو فيسبوك على أنه فيديو حادثة السطو التي جرت في عمان، ونشره موقع إخباري محلي بعد أن أضاف اليه لقطات مهربة من كاميرات فيديو المراقبة الموجودة في البنك الأردني.

المخالفة التي ارتكبتها معظم الوسائل الإعلامية المحلية، رغم أنها تعتبر تعديا صريحا وواضحا على الأخلاقيات المهنية والمعايير الصحفية المتبعة في مثل هذه الحوادث، هي نشر صور المشتبه به وبشكل واضح، حيث انتهكوا بذلك القاعدة الأساسية "المتهم برئ حتى تثبت إدانته"، كما أساءوا الى الحياة الخاصة لموظف البنك، حينمانشروا صوره في حالة هلع وخوف مما يجري، حيث لا يحقق نشر الصور أي مصلحة عامة، والأجدر بذلك تقديمالمعلومات الأساسية والضرورية دون التعدي على خصوصيات التحقيق أو الحياة الخاصة للمتورطين في القضية سواء الجناة أو الضحايا.

والمفلت، أن عددا كبيرا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أبدوا نوعا من التعاطف مع المشتبه بتنفيذه عملية السطو  حيث ربطوها بصعوبة الظروف الاقتصادية التي يعيشها المواطن الاردني جراء رفع الأسعار، وتسرب هذا التعاطف وتبرير الحادثة الى وسائل الإعلام حيث نشر موقع إلكتروني تقريرا بعنوان "ديون عائلية وراء السطو على البنك"، فيما تضمن رسما كاركاتوريا في صحيفة يومية، عبارة تقولها موظفة البنك لمنفذ السطو بصفتها ممثلا للمجتمع هي "منهم لله اللي عملوك هيك".

وأكد المختص في الأخلاقيات المهنية عبد الكريم الوحش أن نشر الإعلام أية معلومات عن المتهم سواء اسمه أو صورته، ستكون "وصمة سلبية" عليه وعلى عائلته، حيث لم تراعي الوسائل الإعلامية أن هذا الشخص ينتمي إلى عائلة ويمكن لنشر هذه المعلومات أن تعرضهم للسخرية من قبل الأخرين وربما النبذ.

ما يحكم الإعلام في النشر عن هذه القضايا - بحسب الوحش - ليس فقط أنها قضايا جاذبة وتنتشر سريعا وبشكل كبير، إنما أيضا هناك معايير أخلاقية ومهنية أهم بكثير من تحقيق السبق الصحفي. كما لا توجد أي مصلحة وفائدة من نشر هوية المتهم، انما يجب تغطية هذه الحوادث بشكل ايجابي من حيث التركيز على أخبار الناس بوقوع حادثة ومن ثم  الكشف عنها لما في ذلك من إشاعة للطمأنينة في المجتمع.

ووفقا للوحش، يجب على الوسائل الإعلامية عند الكتابة عن الجرائم مراعاة عدة أمور، منها طبيعة المجتمع الذي سيتلقى الخبر، المعايير الأخلاقية وميثاق الشرف الصحفي، وعدم الكتابة بشكل تحريضي على المتهم وبالتالي على ذويه، وصياغة الخبر بشكل إيجابي.

وطرح الوحش تساؤلا عن أهمية نشر الصور او الفيديو، حيث أنها لا تقدم أية معلومة قيمة ويمكن من خلال الفيديو الكشف عن أساليب جرمية جديدة او تجنبها وابتكار أساليب أخرى، نحن بغنى عنها، ولا يجوز نشر الصور او الفيديوهات وإن كانت مسربة او موزعة من قبل أجهزة الأمن العام او غيره.

بدوره أوضح استاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي أن الجريمة سلوك مخالف للقانون والعادات والدين، وهو سلوك مرفوض عقلا وشرعا وقانونا ولا يجوز للإنسان أن يقوم بمثل هذه الأفعال تحت اي مبرر من المبررات التي قد يتسلح بها السارق.

ولكن عند دراسة الجريمة في المجتمع الأردني، وبالاستناد الى تقارير إدارة المعلومات الجنائية، فإن ثلثي هذه الجرائم تقع على المال، أي الاحتيال والسرقة.

وفيما يتعلق بتبرير العديد من الناس لهذه التصرفات وتعاطفهم مع المتهم، يبين خزاعي أن التضخم الذي يجري في الاردن بسبب ارتفاع الاسعار بطريقة جنونية، سيؤدي إلى مزيد من بروز ظواهر جديدة ومنها السرقة. حيث من المتوقع، وفقا لـخزاعي تنامي المجرمين، والسرقات وعمليات السطو وطرق جديدة في الاحتيال والاعتداء على المال العام.

وحذر من ظهور ما يسمى بـ "مجرم الصدفة" أو "المجرم الجديد" وهم الأشخاص الذين وصلوا إلى هذه السلوكيات بالصدفة وبسبب ظروفهم الاقتصادية، ومنهم من كان يملك الدوافع العدوانية وكشف عنها بسبب طبيعة الأوضاع الراهنة.

وأنهى الخزاعي حديثه مشيرا إلى أن الحكومة أخطأت حينما رفعت أسعار 164 سلعة اساسية، ويقع الان على عاتق الأجهزة الأمنية ضغطا كبيرا لمواجهة ما يستجد من هذه الجرائم وردعها.

يشار الى أن مجلس الوزراء وجه بتاريخ الأول من شباط 2017، نشر أسماء وصور فارضي الأتاوات في الصحف، باعتبارها أعمال خارجة عن تقاليد وأعراف المجتمع.    

وسبق لمرصد "أكيد" أن قدم العديد من التقارير حول أصول نشر أخبار الجرائم والحوادث، بالابتعاد عن نشر صور المتهمين أو الضحايا ونشر أية معلومات تتعلق بحياتهم الخاصة، بالإضافة إلى عدم نشر معلومات تؤثر على سير مجريات التحقيق، والاكتفاء بخبر صامت يقدم حدوث الواقعة و بدء التحقيقات وإلقاء القبض على الجناة وتحويلهم الى القضاء.

أضف تعليقك