آلية "التمويل الأجنبي" الحكومية.. بين التقييد والتنظيم
يصف قائمون على منظمات مجتمع مدني، الآلية الحكومية الجديدة لـ"ضبط التمويل الأجنبي"، لإجبارها على التنسيق مع الحكومة وعرض أفكارها ومشاريعها عليها قبل الحصول على التمويل، بأنها آلية مُقيدة، وأنها جاءت للحد من عملها.
المنظمات العاملة في المملكة، عبرت عن خيبة أملها لتعارض هذه الآلية مع ما تتحدث عنه الحكومة في الخطاب الرسمي، وما جاء في الأوراق النقاشية الملكية، وخطة الأردن 2025، التي تنص صراحة على وجوب خلق شراكة حقيقية بين المجتمع المدني الذي يلعب دورا مكملا للدور الحكومي في عملية التنمية المدنية والسياسية والاقتصادية.
هذه الآلية، جاءت بعد لقاء منظمات المجتمع المدني مع الحكومة، التي لم تفصح في حينها عن أي تصور يتعلق في "تنظيم عملية التمويل"، حيث اعتبرت منظمات أن الحكومة باغتتهم بهذه الآلية، من خلال خبر صحفي، دون العودة إليهم.
وتجبر الآلية الجديدة المنظمات على التنسيق فيما بينها وبين الجهات المانحة والدولية، والجهات الحكومية المعنية، "بهدف ضبط الحكومة لعملية التمويل الأجنبي للجمعيات وتنظيم حصولها عليه"، وفقا لما جاء في القرار.
وبموجب الآلية، تقوم الجمعيات المسجلة لدى سجل الجمعيات التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، والراغبة في الحصول على التمويل أو التبرع الأجنبي، بتقديم طلب رسمي للسجل، يتضمن مصدر التمويل وتحديد الشركاء المحليين لتنفيذ لمشاريعها، وقيمة التمويل وتفاصيل الحساب والحوالة، واسم البنك، واسم المشروع وأهدافه المرتبطة بالأهداف التنموية الوطنية ومكان تنفيذه والفئات المستهدفة .
الرواية الرسمية: الآلية بهدف التنظيم
يؤكد الناطق الإعلامي في وزارة التنمية الاجتماعية فواز الرطروط، أن هذه الآلية تأتي بهدف عملية تنظيم استقبال طلبات الحصول على التمويل، لافتا إلى أن المادة الـ 17 من قانون الجمعيات تنص على ضرورة إشعار أي جمعية راغبة بالحصول على تمويل أجنبي، لمجلس الوزراء، متضمنا مقدار التمويل وطريقة استلامه وغاياته، والذي يعتبر موافقا عليه في حال عدم رفض المجلس خلال 30 يوما.
ويشير الرطروط، إلى أن الحكومة تهدف من هذه الآلية، لأن يكون عمل منظمات المجتمع المدني مكملا لعمل الحكومة، حيث نصت على ضرورة اتفاق المشاريع التي تعمل عليها هذه المنظمات، مع الأهداف التنموية الوطنية الواردة في وثيقة الأردن 2025.
ووفقا للآلية الجديدة، تشرف وزارة التنمية الاجتماعية، على عمل وطلبات الجمعيات، فيما تعنى وزارة الصناعة والتجارة بما يتعلق بعمل المؤسسات غير الربحية، أما وزارة التخطيط، فتتكفل بالإشراف على المشاريع التي تتعلق باللاجئين السوريين.
وينفي الرطروط وجود أهداف للحد من حرية العمل المدني من خلال هذه الآلية، التي ستنظيم التمويل، مع توجيه المنظمات إلى الأهداف الوطنية الرئيسية.
تدخل في عمل المنظمات
اعتبرت منظمات مجتمع مدني، آلية الحكومة، "ضربة قاسية" للعمل المدني في الأردن، وخطوة إلى الوراء فيما يتعلق بتعزيز دور المجتمع المدني في العمل بجانب الحكومة، مؤكدة منافاتها للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت ووقعت عليها المملكة.
الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور، يرى أن الأصل في عمل منظمات المجتمع المدني هو الاستقلالية، وأن من الأفضل للحكومات عدم وضع قيود تعزز البيروقراطية التي تحد من عمل منظمات المجتمع المدني.
ويشير منصور إلى أن الحكومة لم تتطرق إلى هذه الآلية ولم تعرض حتى ولو تصورا عنها خلال اجتماع تنسيقية منظمات المجتمع المدني "همم" مع رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، الذي بحث العديد من القضايا التي تتعلق في عمل المنظمات.
كما تقول رئيسة مركز تمكين للمساعدة القانونية، ليندا كلش، إن هذه الآلية، تمثل أداة رقابة وتقييد على عمل منظمات المجتمع المدني، مطالبة الحكومة بالإفصاح عن موقفها الحقيقي من هذه المنظمات بدلا من عمليات التقيد التي تفرض عليها، على حد تعبيرها.
وتتساءل كلش حول قدرة الحكومة على مراجعة كمية الطلبات من منظمات المجتمع الدني، ومدى ضمانة عدم تعطيل عملها بسبب البيروقراطية الحكومية في مراجعة هذه الطلبات.
وتلفت إلى أن عمل المنظمات قد يتطرق إلى تعديل التشريعات أو انتقادات للحكومة، مما سيعطل بالفعل هذا المشروع بسبب رفض الحكومة.
من جهته، يعتبر مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، أن هذه الآلية جاءت لتعزز فكرة السيطرة على المجتمع المدني، وتعمل على تحويله إلى مؤسسة حكومية تعمل وفق توجهاتها.
ويقول عوض أن ممارسات الفساد في الحكومة أكثر من فساد بعض المجتمع المدني، وأن تقارير ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد تؤكد ذلك.
ويشير إلى أن هذه الآلية تبين عدم رغبة الحكومة في توسع دور المجتمع المدني في تعزيز مسيرة التحولات الديمقراطية.
فيما يؤكد مدير عام مركز هوية محمد الحسيني، على قدرة الحكومة على إحالة أي منظمة تثبت عليها شبهة فساد إلى هيئة مكافحة الفساد، لا أن تعاقب جميع المنظمات.
ويشير الحسيني إلى ما وصفه بـ"ضبابية" الآلية الحكومية، إن كانت تخص مشاريع اللاجئين السوريين، أم تشمل عمل المنظمات بكل مشاريعها.
وتشهد منظمات المجتمع المدني، هجوما متكررا من مسؤولين ونواب، حيث اتهمها النائب عبد الكريم الدغمي مؤخرا، بأنها تقوم بدور "الجاسوسية" لدول أخرى على حساب الأردن، مما يؤكد عدم إيمان الحكومة بدورها في عملية التنمية السياسية والاقتصادية في المجتمعات.
مطالعة قانونية
تؤكد مطالعة قانونية أصدرها المركز الدولي لقوانين المنظمات المجتمع المدني، أن اشتراط الحصول على الموافقة المسبقة من أجل الحصول على التمويل الأجنبي يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي انضم الأردن إليها.
وتشير المطالعة إلى ما ستتحمله موارد الحكومة من أعباء في حال اعتماد مسودة نموذج طلبات الجمعيات، إذ يجب أن يخصص سجل الجمعيات عددا كبيرا من الموظفين لمراجعتها والتأكد منها.
يذكر أن عدد الجمعيات المسجلة في سجل الجمعيات العاملة في المملكة، بلغ 4869 جمعية تشرف وزارة التنمية الاجتماعية على 3353 منها، في حين بلغ عدد الجمعيات التابعة للوزارات الاخرى على التوالي: الداخلية 774، الثقافة 701، التنمية السياسية 136، البيئة 94، الصحة 73، السياحة والاثار 33، الزراعة 22، الصناعة والتجارة 12، الاوقاف 8، العدل 5، والاتصالات 4 جمعيات.
إستمع الآن