آلام نفسية تحاصرها نظرة سلبية

آلام نفسية تحاصرها نظرة سلبية
الرابط المختصر

تعرضت خولة "32 عاما" بعد ولادة طفلتها بعشرة أيام لحالة من الاكتئاب الشديدة، حيث كانت كثيرة البكاء، وفاقدة للشهية، إضافة إلى شعورها الدائم بالأرق.

 

وتصف خولة حالتها النفسية والتي شخصت طبيا بـ"اكتئاب ما بعد الولادة"، بالصعبة، حيث باتت عديمة التركيز خلال نشاطها اليومي، وأخذت الأفكار السوداوية تحاصر ذهنها، إلى حد التفكير بقتل طفلتها، والانتحار، علها تنهي بذلك آلام نفسها العميقة.

 

إلا أنها سرعان ما تداركت تطور حالتها، لتقرر التواصل مع أحد الأطباء النفسيين لمعالجتها، رغم استهزاء البعض من محيطها ورفضهم ذهابها للعلاج النفسي، على أن تستبدله بالأساليب الشعبية في مثل هذه الحالات، كالتوجه للعرافين.

 

وبعد تسعة أشهر من تلقي العلاج، من خلال جلسات لدى أخصائي نفسي، وتناول الدواء الذي يقرره لها، بدأت نفسية خولة بالتعافي، إلا أنها تصمم على مواصلة العلاج لحين تعافيها تماما.

 

وينص دستور منظمة الصحة العالمية الذي صدر في العام (1946) على أن التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة هو أحد الحقوق الرئيسية لكل شخص دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الجنس أو العقيدة السياسية أو الوضع الإقتصادي أو الإجتماعي”.

 

كما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام (1948) في مادته (15) على الحق الأساسي للإنسان في رعاية صحية وطبية مناسبة.

 

الأستاذ المساعد في جامعة عمان الأهلية في علم النفس الدكتورة فداء أبو الخير، ترى أن الإقبال على الصحة النفسية أصبح أفضل مما كان عليه سابقا، مرجعة ذلك إلى زيادة الوعي بمخاطر التوترات والاضطرابات النفسية.

 

وتوضح أبو الخير بأن الإصابة بالمرض النفسي، لا تختلف عن الأمراض العضوية، والتي من الممكن علاجها، كما أن بعض الأمراض النفسية لا تتطلب العلاج بالدواء وإنما يكفي لعلاجها عدة جلسات مع الأخصائي النفسي، ليشعر بعدها بالتحسن.

 

كما يؤكد مدير مستشفى المركز الوطني للصحة النفسية الدكتور نائل العدوان، أن نشر التوعية الصحية بالأمراض النفسية وكيفية علاجها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وعقد الندوات والمحاضرات، ساهم بشكل كبير بتقبل العلاج بالطب النفسي، خلافا للنظرة المجتمعية السلبية السابقة.

 

النظرة المجتمعية تبعد الناس عن العيادات النفسية

 

ورغم هذا التقدم بتقبل العديد من المواطنين للعلاج النفسي، إلا أن أبو الخير تشير إلى أن نسب المصابين بالإضراب النفسي أعلى من نسب المتقبلين للعلاج، وذلك  بسبب ضعف الخدمات المقدمة بهذا المجال.

 

كما أن العلاج النفسي يحتاج في بعض الحالات المرضية، لوقت طويل  للشعور بالتحسن، حيث يؤدي توقف البعض عن العلاج، لانتكاس حالته ليعود إلى مرحلة الصفر.

 

وتظهر دراسات أكاديمية أن ما نسبته 12 إلى 20 % من الأردنيين يعانون من اضطرابات نفسية مختلفة، أي ما يعادل مليونا و750 ألف مواطن تقريبا، فيما يتلقى ما نسبته 5 % منهم فقط العلاج النفسي.

 

وتشير توقعات منظمة الصحة العالمية إلى أن ربع سكان العالم سيصابون بأمراض نفسية أبرزها الاكتئاب، نتيجة تزايد التحديات المجتمعية بخاصة البلدان ذات الدخل المحدود.

 

وهذا ما يؤكده الخبير في علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، بقوله إن كل إنسان أصبح عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، نتيجة الظروف الصعبة التي تمر بها المجتمعات من حروب وتراجع للأوضاع الاقتصادية والبطالة والفقر.

 

ويضيف الخزاعي بأن النظرة المجتمعية السلبية لا تزال هي السائدة، كربط الأمراض النفسية بالأمراض العقلية والجنون، الأمر الذي يولد شعورا بالخجل والعيب الذي يمنع الكثيرين من التعامل مع الأخصائيين النفسيين.

 

فيما لا يزال العديد من الأشخاص يؤمنون بالطب الشعبي والعرافين، بدلا من العلاج بالطب النفسي، ومنهم من يصل إلى مراحل متطورة من المرض، قد تصل إلى درجة الهلوسة السمعية والبصرية، ربما تدفعه إلى ارتكاب الجرائم، بحسب الخزاعي.

 

ويشدد على أهمية إدارك كافة المواطنين بضرورة العلاج بالطب النفسي، مشيرا إلى سهولة معالجة الحالة النفسية وهي في مراحلها الأولى، في حال تم تشخيصها من قبل الأطباء والأخصائين النفسيين .

 

ومن العوائق التي تساهم بعزوف الكثيرين عن العلاج بحسب أبو الخير، غلاء كلفة مراجعة الأخصائين النفسيين، وارتفاع أسعار بعض أصناف الأدوية العلاجية النفسية، إضافة إلى اعتقاد البعض بأن مثل هذه الأدوية العلاجية قد تسبب حالات من الإدمان.

 

فيما يؤكد العدوان حرص وزارة الصحة على توفير العلاج النفسي من خلال عياداتها المنتشرة بمختلف محافظات الممكلة بتكاليف رمزية، إضافة إلى توفير العلاجات الدوائية بأسعار منخفضة جدا.

 

إشكاليات داخل القطاع

 

يعاني قطاع الخدمات النفسية من نقص بالموارد البشرية القادرة على تقديم هذه الخدمات، إلى جانب النقص بعدد العيادات النفسية المنتشرة، والتي تعد غير كافية لتأمين الاحتياجات اللازمة، مما يزيد من معاناة المرضى، بحسب أبو الخير.

 

وفي هذا السياق، يشير مدير مستشفى المركز الوطني للصحة النفسية الدكتور نائل العدوان، إلى أن عدد العيادات النفسية التباعة للوزارة 47 عيادة، إضافة إلى تغطية المستشفيات والمراكز الصحية الشاملة والأولية ومراكز الإصلاح والتأهيل ودور الرعاية، بعيادات الطب النفسي .

 

كما ويبلغ عدد مختصي الطب النفسي 40 طبيبا مقيما، و16 أخصائيا، وفق العدوان، الذي يقر بنقص أعداد الأطباء ليس على مستوى المملكة فحسب، وإنما على مستوى العالم.

 

ويبلغ عدد خرجي التخصصات النفسية من حاملي شهادة الدكتوراة والماجستير ما يقارب 200 شخص ممن تضمهم اللجنة التحضيرية لنقابة الأخصائيين النفسيين، فيما تفوق أعداد حاملي شهادة البكالوريوس هذا العدد بكثير.

 

ويعتقد الخزاعي أن تأخر الممكلة بمستوى الوعي بأهمية الطب النفسي، ساهم في ابتعاد الكثيرين عن دراسة تخصصات الطب النفسي، بما في ذلك وصف شريحة عريضة من المجتمع للأخصائيين النفسيين بـ"الجنون".

 

ويضيف بأن انتشار البرامج النفسية عبر وسائل شبكات التواصل الاجتماعي، من قبل أشخاص لديهم موهبة بتشخيص الحالات النفسية، ساهم بشكل كبير في اللتفاف العديد حولهم ومتابعتهم، محذرا من أنهم غير قادرين على العلاج أو التشخيص السليم في كثير من الأحيان.

 

هذا وتسعى وزارة الصحة إلى سن مسودة قانون خاص بالصحة النفسية، لأهمية هذا القطاع وتوسعته خلال الأعوام المقبلة، في ظل عدم وجود سياسة واضحة وخطة وطنية معتمدة للصحة النفسية في الممكلة، وعدم وجود قانون خاص بها، باستثناء بعض التشريعات الجزئية النافذة لإتمام قضايا علاجية، بحسب بحسب العدوان

 

بينما تؤكد أبو الخير أن الأخصائيين النفسيين بصدد وضع تشريعات خاصة لتنظيم هذا القطاع، والحد من انتشار الأشخاص المتجاوزين على هذه المهنة، للحفاظ على حقوقهم.

 

ولا يزال الأخصائيون النفسيون على أمل فتح ملف قانون نقابتهم تحت قبة مجلس النواب الثامن عشر، بعد أن تقدموا بمشروع له في عهد المجلس السابق.

 

هذا التقرير أعُد ضمن مشروع “إنسان”

أضف تعليقك