بعد أربع سنوات من الجائحة: تحديات مستمرة في تعويض الفاقد التعليمي والنفسي

الرابط المختصر

تقول فاطمة، وهي أم لابنة تبلغ من العمر عشر سنوات في الصف الخامس، إن ابنتها ما زالت تعاني من فجوات في المفاهيم الأساسية، خاصة في مادة الرياضيات، بسبب تأثير التعليم عن بعد خلال جائحة كورونا، وترى أن التعليم الرقمي خلال تلك الفترة ترك أثرا طويل الأمد على استيعاب ابنتها للمواد الدراسية. 

رغم جهود المدارس لتعويض الفاقد التعليمي الناتج عن الجائحة، توضح فاطمة أن هذا تسبب في ضغط  كبيرعلى إبنتها، التي باتت تجد صعوبة في مواكبة المناهج المكثفة بعد أن اعتادت على الايقاع البطيء والأقل تفاعلا للتعلم عن بعد، مشيرة إلى أن ابنتها تواجه أيضا تحديات في القراءة وكتابة التعبير، معتبرة أن الانقطاع عن التعليم الوجاهي في سنوات التأسيس الأساسية أثر بشكل واضح على تطوير هذه المهارات، كما تلاحظ أن ابنتها تعاني من صعوبة في الالتزام بالواجبات المدرسية.

من جهتها، توضح ليلى وهي أم لطفلة أخرى بدأت تعليمها الأساسي خلال الجائحة، أن ابنتها واجهت صعوبة في مواكبة مستوى زميلاتها، على الرغم من أن بعض الطالبات في سنها استطعن التعافي سريعا من تأثيرات تلك الفترة، مضيفة أن ابنتها تشعر أحيانا بالإحباط بسبب عدم قدرتها على مجاراة أداء زميلاتها، كما لاحظت أن التعليم عن بعد عزز لدى ابنتها ميلا للعزلة، مما جعلها تواجه صعوبة في بناء صداقات جديدة وتتطلب وقتا أطول للتأقلم اجتماعيا.

ولحل هذه الاشكالية تسعى ليلى الأن تعويض ما فات من خلال تخصيص وقت إضافي لمتابعة دروسها، لكنها تعترف أن هذا مرهق لكليهما، وأنها تشعر بعبء التعليم أكثر مما ينبغي على حد وصفها.

جائحة كورونا كانت واحدة من اكبر التحديات التي  واجهها العالم في عام 2020، وقد فرضت على إجراءات اغلاق شملت القطاع التعليمي، حيث أغلقت المدارس والجامعات ورياض الأطفال، واضطرت المؤسسات  التعليمية إلى الانتقال من التعليم الوجاهي إلى التعليم عن بعد عبر المنصات الإلكترونية والبث التلفزيوني.

ورغم مضي أربع سنوات على الجائحة، لا تزال العديد من الأمهات يواجهن صعوبات في دعم بناتهن، خاصة في الصف الخامس، حيث تشمل التحديات فجوات تعليمية، تأثيرات نفسية، وصعوبات في الالتزام بالدراسة، رغم ما تبذله وزارة التربية والتعليم من جهود لتعويض الفاقد التعليمي لجميع الطلاب.

يشير الخبير التربوي الدكتور عايش إلى أن جائحة كورونا أدت إلى تراجع ملحوظ في مستوى التعليم في الأردن، حيث أظهرت التقارير أن طلابا حتى الصف العاشر يعانون من ضعف في مهارات القراءة والكتابة والأساسيات في الرياضيات، كما تراجعت نتائج الأردن في الاختبارات الدولية التنافسية، مرجعا ذلك إلى ما يعرف بـ"الفقر التعليمي" أو "الأمية الهيكلية"، حيث لا يتمكن بعض الطلاب في الصف العاشر من أداء مهام يفترض أن يتمكنوا منها في الصفوف الابتدائية.

ويحذر النوايسة من أن هذا التراجع يشكل خطرا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مؤكدا أن الأسباب متعددة، من بينها العوامل الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب تأثير الجائحة، ومع ذلك، يشير إلى أن الأردن يعمل حاليا على تحسين النظام التعليمي من خلال إجراءات تطويرية ضمن مشروع التحديث الاقتصادي، كما يعبر عن تفاؤله بوجود استراتيجية قريبة تهدف إلى تحسين جودة التعليم، متوقعا أن تسهم هذه الجهود في تحسين المخرجات التعليمية بشكل ملموس.

 

الفجوة الجندرية وتحديات المرأة

تظهر نتائج المسح الرئيسي لقوة العمل في الأردن الأخيرة عن تباين في نسب الأمية بين الذكور والإناث، حيث بلغت نسبة الأمية 2.5% بين الذكور مقارنة بـ7.4% بين الإناث. 

وتشير النتائج انخفاض الأمية بين الشباب في الفئة العمرية 15-24 سنة إلى 0.8%، مما يشير إلى أن الأمية تكاد تكون معدومة في هذه الفئة.

يرجع النوايسة وجود فجوة في معدلات الأمية بين الذكور والإناث إلى عدة عوامل، منها الفجوة التي تبرز بشكل واضح في المناطق الريفية والبادية، بعكس المدن الكبرى حيث تنخفض نسبة الأمية بين الإناث بشكل ملحوظ. 

ويرى النوايسة أن هذه الفجوة مرتبطة ببعض المفاهيم الاجتماعية السائدة حول تعليم المرأة، مثل التوجه نحو الزواج المبكر والأدوار الاقتصادية والاجتماعية التي تسند للإناث، بالإضافة إلى انتشار جيوب الفقر في تلك المناطق، مما يؤثر سلبا على فرص التعليم للنساء، مضيفا إلى أن النظرة المحدودة لدور التعليم بالنسبة للإناث تؤدي إلى تقليص فرصهن في متابعة التعليم، إذ ينظر في بعض المناطق إلى أن تعليم الفتاة لا يتجاوز حدا معينا، مما ينعكس على ارتفاع معدلات الزواج المبكر ويؤدي بالتالي إلى زيادة الأمية بين الإناث مقارنة بالذكور.

من الناحية الاجتماعية، توضح رئيسة قسم علم الإجتماع في الجامعة الأردنية الدكتورة ميساء الرواشدة أن الفجوة الجندرية في التعليم، التي تميل غالبا لصالح الذكور، تعود إلى عوامل اجتماعية وثقافية شائعة في المجتمعات العربية، مؤكدة  أن المرأة في بعض القرى النائية بالأردن قد تكون الحلقة الأضعف، حيث تواجه صعوبات في متابعة تعليمها بسبب بعد المدارس وقلة الدعم الأسري، مضيفة  بانه في هذه المجتمعات، ينظر إلى الذكور على أنهم مصدر الثروة ودعامة الأسرة، ما يجعل الاهتمام بالتعليم موجها نحوهم أكثر من الإناث.

على الرغم من ارتفاع نسب التعليم بين النساء في الأردن، إلا أن الرواشدة تشير إلى أن هذا التعليم لا ينعكس بشكل فعلي على مكانتهن الاجتماعية، موضحة  أن النساء غالبا ما يتخصصن في مجالات أكاديمية لا تلبي احتياجات سوق العمل، مما يحد من قدرتهن على تطوير مهاراتهن بعد التخرج.

وتؤكد على أهمية دور المدرسة والأسرة في تحسين العملية التعليمية، مشددة على ضرورة متابعة الأهل لأبنائهم، والتواصل المستمر مع المدرسة لمعرفة نقاط القوة والضعف والعمل على معالجتها، معتبرة أن التعليم في المنزل من خلال الاهتمام والتوجيه يلعب دورا محوريا في دعم العملية التعليمية وتطوير مهارات الأطفال.

 

دور "التربية والتعليم" 

بحسب تقديرات وزارة التربية والتعليم فان عدد مراكز تعليم الكبار ومحو الأمية التي افتتحت للعام الدراسي 2023/2024 بلغ 177 التحق فيها 2021 دارسا، كان منهم 1643 من الإناث و378 من الذكور، قدمت لهم الوزارة مستلزمات الدراسة مجانا.

كما فتحت الوزارة مراكز لتعليم الكبار ومحو الأمية وتوسعت فيها حتى شملت جميع أرجاء المملكة، لتوفير فرص تعليمية لمن حالت ظروفهم دون مواصلة تعلمهم وهم في سن التعليم المدرسي، إدراكا من الأردن لخطورة مشكلة الأمية باعتبارها عقبة أمام تحقيق التنمية الشاملة، وتأكيدا منه على الدور الفاعل للوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ووسائل الإعلام كافة في محو الأمية باعتبار التعليم مسؤولية مجتمعية.

وعملت الوزارة على إدماج المتعلمين الشباب والكبار من ذوي الإعاقة في برامج محو الأمية والتعليم غير النظامي جميعها، وتوفير الظروف والمتطلبات اللازمة لضمان إدماجهم ومواصلة تعلمهم، إدراكا منها لأهمية توفير التعليم للدارسين من ذوي الإعاقة، وإكسابهم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب.

أما الطلبة الذين تركوا المدرسة لأسباب خارجة عن إرادتهم فيمكنهم الالتحاق بمراكز تعزيز الثقافة للمتسربين أو مراكز التعليم الاستدراكي أو إكمال دراستهم عن طريق برنامج الدراسات المنزلية وذلك في إطار السياسات التربوية التي ينتهجها الأردن، والرامية لتحقيق التربية المستدامة والتعلم مدى الحياة، وفقا للوزارة.

يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين شبكة الإعلام المجتمعي- راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF.