برامج الحماية الاجتماعية عززت حماية النساء من العنف الاقتصادي خلال أزمة كورونا
رغم التحديات الاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا خلال عام 2020، وما تبعها من تسريح لعدد كبير من النساء العاملات دون تعويضات بحجة تدهور أوضاع صاحب العمل، مما عرض هؤلاء النساء لصعوبات كبيرة في توفير احتياجاتهن المعيشية واحتياجات أسرهن، ونتج عن ذلك تعرضهن للعنف الاقتصادي وفقدانهن حقهن في العمل، إلا أن بعض النساء كن محظوظات بالاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية التي أطلقتها الحكومة والمنظمات المختصة خلال تلك الفترة.
وتقول ليلى، التي تعمل في مجال الإدارة في إحدى الشركات الخاصة، بأنها من المستفيدات من تلك البرامج، موضحة أنه مع بداية تأثيرات الجائحة على الاقتصاد، تراجعت إيرادات الشركة التي تعمل بها، ما وضع العديد من الموظفين في خطر فقدان وظائفهم، لكن بفضل التزام شركتها بتطبيق برامج الحماية الاجتماعية، تم تقليص ساعات العمل مع المحافظة على الحد الأدنى للأجور، إلى جانب توفير حزم دعم مالي من الجهات المعنية لضمان استقرار حياة الموظفين.
وتضيف "أنه رغم صعوبة الأوضاع، تمكنت من الاستمرار في عملي بفضل برامج الحماية الاجتماعية، وكنت أخشى فقدان وظيفتي مثل الكثيرين، ولكن هذه البرامج ساعدتني على تأمين جزء من دخلي وتغطية احتياجاتي الأساسية".
تفاقمت معدلات البطالة في الأردن نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وانكماش الاقتصاد خلال جائحة كورونا، وفقا لدائرة الإحصاءات العامة، بلغت نسبة البطالة بين النساء 33.6٪ في الربع الثالث من عام 2020، بزيادة قدرها 6.1 نقطة مئوية.
وكانت النساء الأكثر تأثرا بالتسريح من العمل، وتخفيض الرواتب، واضطرار العديد منهن للاستقالة بسبب إغلاق المدارس، والحاضنات، ورياض الأطفال، ما أجبرهن على رعاية أطفالهن في ظل غياب الدعم الاجتماعي.
برامج الحماية خلال الجائحة
للوقوف على مدى تأثر المرأة العاملة بالعنف الاقتصادي، أطلقت اللجنة الوطنية لشؤون المرأة مؤخرا، بالتعاون مع مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، دراسة هي الأولى من نوعها بعنوان "العنف الاقتصادي ضد المرأة في الأردن لعام 2023".
نفذت الدراسة على مرحلتين؛ الأولى في عام 2019 قبل جائحة كورونا، وشارك فيها 2006 من النساء، بينما شملت المرحلة الثانية في عام 2023 عينة من 1098 امرأة.
وتشير إلى أن إلزامية الاشتراك في الضمان الاجتماعي منذ جائحة كورونا، ساهمت في حصول مزيد من النساء على الحماية الاجتماعية.
الأمينة العامة للجنة، المهندسة مها علي، توضح في حديث لـ "عمان نت"، أن جائحة كورونا ساهمت في خروج بعض النساء من سوق العمل أو الحد من انخراطها فيه، بالإضافة إلى تغيير نمط عملهن بالاتجاه نحو العمل المرن والمشاريع المنزلية وريادة الأعمال، ومع ذلك، بقيت التحديات التي تواجه المرأة في سوق العمل كما هي قبل الجائحة وبعدها.
ويشير علي إلى أن نتائج الدراسة بين عامي 2017 و2023، استنادا إلى العينتين اللتين تم توزيع الاستبيانات عليهما، أظهرت أن هناك فروقات محدودة في مدى تعرض المرأة للعنف الاقتصادي، حيث كانت الفروقات طفيفة وفي مجالات معينة.
ومن الإيجابيات التي أبرزتها الدراسة، وفقا لعلي، هو الارتفاع الملحوظ بين عامي 2019 و2023 في نسبة النساء المشمولات بالضمان الاجتماعي، مما يعد خطوة مهمة نحو تعزيز الحماية الاجتماعية، والتي تعد أساسية لدخول المرأة إلى سوق العمل واستفادة أسرتها أيضا.
ترجع علي هذا الارتفاع إلى البرامج الحكومية التي أُطلقت خلال جائحة كورونا، والتي اشترطت التسجيل في الضمان الاجتماعي كأحد المتطلبات الأساسية للحصول على الدعم، مما شجع على انتقال النساء من العمل غير الرسمي إلى العمل الرسمي، كما لعبت حملات التوعية الحكومية وغير الحكومية دورا كبيرا في زيادة انضمام النساء للضمان الاجتماعي.
وتضيف أن الدراسة تتماشى مع رؤية التحديث الاقتصادي، لافتة إلى أن هناك زيادة طفيفة في نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل خلال الربع الرابع من عام 2023، حيث بلغت المشاركة 15.1%، وهو ما يعتبر مؤشرا إيجابيا.
أشكال العنف الاقتصادي
أعادت الدراسة تعريف العنف الاقتصادي من خلال مفهومين رئيسيين، الأول هو "العنف الشخصي"، وهو العنف التقليدي الذي تتعرض له النساء، مثل إجبارها على تسليم راتبها لزوجها أو والدها دون رضاها، أو العمل بدون أجر، أما المفهوم الثاني، وهو الجديد الذي توصلت إليه الدراسة، فيتمثل في "العنف البنيوي والمجتمعي"، والذي يشمل التشريعات والقوانين والممارسات المؤسسية التي تؤدي إلى تهميش النساء اقتصاديا.
تتضمن هذه الأشكال من العنف البنيوي أيضا عوامل هيكلية في الاقتصاد، مثل الفقر والبطالة، إلى جانب الممارسات المجتمعية، سواء من الأسرة أو في مكان العمل، التي يمكن أن تساهم في حرمان المرأة من حقوقها الاقتصادية، مما يؤدي إلى تقليص استقلالها المالي.
من جهته، قال رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور زيد عيادات، إن مشكلة التمييز والعنف ضد المرأة، في كل الدراسات، أظهرت أن العنف "بنيوي" و"سياسي"، معتبرا أن الحل أيضا "لا بد أن يكون سياسيا".
ورأى عيادات، بأن واحدة من أزمات التمييز ضد النساء في المجتمع، هو غياب العلم والمعرفة، داعيا إلى هدم الثقافات المترسخة حول العنف ضد المرأة، عبر العلم والأخلاق.
وتشير علي إلى أن هناك تحديات إضافية تواجه النساء، مثل صعوبة التنقل بين المحافظات للوصول إلى أماكن العمل، وعدم توفر حضانات أطفال بشكل كاف على مستوى المملكة، بالإضافة إلى قلة الضمانات والحماية الاجتماعية، مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي.
وتوضح أن هذه المعوقات تؤكد الحاجة إلى استمرارية الجهود لتوفير خيارات ملائمة للمرأة، مع ضرورة تحسين جودة الحضانات وتوفيرها بأسعار مناسبة لتخفيف الأعباء المالية عن النساء العاملات.
في إطار تعزيز مشاركة المرأة الاقتصادية في سوق العمل، أقرت الحكومة تعليمات جديدة لتنظيم الحضانات الخاصة والعامة لعام 2024، أطلقت مؤسسة الضمان الاجتماعي برنامج "رعاية الطفل" لدعم النساء العاملات، والذي يتيح لهن الاستفادة من خدمات الحضانة لمدة تصل إلى ستة أشهر قبل أن يكمل الطفل خمس سنوات، ويأتي ذلك ضمن إطار توفير الحماية الاجتماعية ودعم المرأة العاملة في القطاع الخاص.
كما يعتبر قطاع الحضانات من القطاعات ذات الأولوية في استراتيجية تمكين المرأة، كما ورد في رؤية التحديث الاقتصادي.
مخرجات الدراسة
أظهرت الدراسة التي أطلقتها اللجنة وحملت عنوان "العنف الاقتصادي ضد المرأة في الأردن لعام 2023"، أن 38.5% من النساء في العينة تركن عملهن بسبب مسؤولية الرعاية والمنزل، مقابل 36.1 % تركن العمل بسبب التقاعد أو لإنهاء العمل، فيما قالت 12.2 % إنهن تركن العمل بسبب صعوبته، وأن 10.3 % منهن لم تكن وظيفتهن دائمة.
وبينت إجابات 80 % من العينة في الدراسة بأن عملها لا يوفر لها حضانة أطفال في سياق شروط الرعاية الاجتماعية، وأن 44 % لا يتوفر لديهن تأمين صحي، فيما لا يتوفر لـ23 % للعينة ضمان اجتماعي.
وفيما يتعلق بوجود ضغوط على النساء في الأسرة، المشاركات في النفقات الشهرية، قالت الدراسة إن العاملات النساء يتعرضن لضغوط أكبر للمساهمة الإجبارية في النفقات الشهرية، وإن 93 % ممن يعملن أو سبق لهن العمل، كن مجبرات على المساهمة في النفقات الشهرية.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستنمائي UNTF.